بادئ الأمر أحييك بتحية الإسلام, ففي السلام الحب والوئام,وفيها تتلاشى الضغائن والأوهام, وبها يطمئن الإنس والجان, ومن بعد السلام كان لازما على الأقلام أن تنوب عن الأقدام في كثيرا من الأحيان, وتحمل من البيان الكثير والكثير ومايعتمل في الوجدان, ومايجول في الأذهان,وماتحمله الأقلام هو سيلا من المشاعر والأحاسيس التي تنسكب على هذه الأسطر وتغدوا كلمات أمضى من الحسام إن كانت نابعة من القلب والأعماق, كلماتي إليك عزيزي محافظ أبين لا تحمل الغل أو البغض, ولا تستدر منك رحمة أو شفقة أو عطف, هي لله أولا وأخيرا وهكذا أحسبها والله (حسيبي),فمن واجبي أولا أن أضع بين يديك تلك الألام والأحزان التي تعصف بمعشوقتنا الجريحة( أبين) التي لم تتعافى بعد من جراح الماضي وما مر بها من مؤامرات ودسائس وخسائس.. فهاهي اليوم كسائر مدن ومناطق الجنوب ذاقت من تلك الحرب الكثير والكثير ونالها من الخراب والدمار ما الله به عليم, حتى باتت بعض مناطقها إن لم تكن كلها خاوية على عروشها وتندب حظها,أتت فيها تلك الحرب الضروس على الأخضر واليابس وأهلكت الحرث والنسل, وسلبت من أبين عافيتها التي كانت تخطو نحوها (مترنحة), لتعود أبين لنقطة الصفر وبداية المشوار في البحث عن (طبيب) ماهر يسبر أغوارها, ويداوي جراحها, ويجبر كسرها,على أمل أن يكون فيك الخير لهذه المحافظة وتضع يديك بما أنك (طبيب) على الوتر الحساس فيها وتستأصل شأفة الألم والفساد وتقتلعه من جذوره, حتى يستكين جسد أبين المنهك وترتدي ثوب العافية والصحة, وتعود لسابق عهدها والقها ومجدها.. لن أطلب منك المحال أو تجاوز المعقول في الرقي والنهضة بأبين,فلكل (آدمي) قدراته وإمكانياته وطاقاته ولايوجد في هذه المحافظة (المنكوبة) رجل (خارق) فتت الصخر وشق البحر وصعد القمر,كل ما أرجوه منك هو أن تضع في الحسبان أن هذه المحافظة بكل شيء فيها من بشر وشجر وحجر وحتى حبات المطر أمانة في (عنقك) وأنت المسئول عنهم أمام الله, وأنت أعلم مني بجسامة (المسئول) عن رعيته أمام جبار السماء والأرض, فلا يئن مريض أو يبكي جائع أو يتعرى شريف, أو ينسحق مظلوم في (أبين) ولم ينصفه عدلها وقضاؤها ورجالاتها ومسئوليها وتزجر أنت كل من يعبث بهم إلا وكنت أنت أمام الله محاسب.. أنت أبن أبين, ولست جديد عنها , بل أنت أبن المناصب فيها, وأهل مكه اعلم (بشعابها) ,وأنت غدوت الآن (كبيرهم) فإما أن تقف سدا منيع أمام أي فساد أو عبث بها وبأهلها وتستأصله وتجتثه من جذوره, وإلا فالبراءة أمام (الخالق) أولا ثم (الخلق) ثانيا هي الوسام الذي سيوضع على صدرك إن غادرتها هرما شامخا شريفا, لم ترض بالظلم والضيم والفساد والإفساد والعبث بمصالح الناس, وتحويل المحافظة إلى ملكية خاصة بمن لا ضمير فيهم أو ذمة أو عهد, وبمن لايخافون الله ولايخشونه, وبمن يحيلون مواقعهم ومناصبهم إلى مصدر (كسب) وأسترزاق بكل الطرق والوسائل بعيدا كل البعد عن الأمانة والنزاهة والضمير, وأنت تدرك هذا جيدا, وأن هذا ما أوصل أبين لحافة الهلاك والدمار,فدمار الداخل أعظم وأخطر من دمار الخارج.. تعلم أن ما أفسد (العطار) وما عبثت به الحرب ودمرته تلك السياسات من السهل جدا أن يصلحه (الدهر) في عشية وضحاها ويعيد الصادقون مع الله أبين مثلما كانت فتية قوية شامخة,ويصلحون كل شيء فيها أتت عليه الحروب والمشاكل,ولكن أنى لهم هذا (والفساد) والمفسدين ينخرون جسدها ويمتصون دمها وينهبون ثرواتها ويستأثرون بخيراتها,إذن نحن لسنا في معركة مع الخراب والدمار وما خلفته الحرب,ولسنا عاجزين أمام الأعمار والبناء والتشييد,بل (معركتنا) الحقيقة مع الفساد وأهله في كافة (المرافق) وكافة (مفاصل) المحافظة,وهذه هي معركتك الأولى قبل أن تبدأ معركة الإعمار والتشييد والبناء,فإن استطعت أن تجتث هؤلاء (وتستخفلهم) بأناس يخافون الله ويدركون حجم وجسامة تلك الأمانة فبإذن الله لن تظل جراح أبين تنزف, ولن يظل أهلها يصرخون ويتوجعون.. الفساد للآسف (يعشش) في أبين والمفسدون فيها (بالجملة) وتفوح روائح فسادهم (النتنة) في الإرجاء وبسببهم هاهي أبين تعاني, وهاهم أهلها يترجعون المرار والألم والحرمان,وبسببهم لن تقوم لأبين قائمة ولن يطال لها بنيان أو ترتقي أو تزدهر,عليك أن (تنقب) عن المفسدين أينما كانوا وأن لاتداهن أو تجامل أو تنافق, فالفساد في أبين (كالشمس) في رابعة النهار ولن تحجبه أي حلول ترقيعية أو موسمية,فهو بحاجة (لجدية) وحزم وقوة شخصية, محتاج لأناس لايخافون في الله لومة لائم, ولا يخشون في الحق شيء.. فإن كنت تريد لأبين الخير فأبدأ بمحاربة من يحاربون أبين من الداخل وأقتلعهم, وثق بإذن الله أن الشرفاء من أهلها معك وسيجتازون كل شيء معك,وإن لم تستطع فالخروج (بماء) الوجه هو الكنز الحقيقي الذي يظل مع الشرفاء أبد الدهر حتى ون تجردوا من مناصبهم ومواقعهم وصاروا حبيسي جدران منازلهم..والله من وراء القصد