انتظره في تربص شديد ، كان يعلم أنه سيمر من هنا ، فخلال أسبوع من المراقبة درس جميع سلوكياته وتصرفاته ، متى يشرب ، متى يأكل ، الأماكن التي يرتادها ، كل شيء ، حتى أنه يعلم متى ستنطفئ الكهرباء ، فهي عادة تنطفئ في هذه الحارة ما بين الساعة العاشرة والحادية عشر مساءً ، وهو الوقت الذي سيتسنى له تنفيذ عمليته، مستنداً على الصبر والثبات ، متجاهلاً نزيف رشحه الذي استفزته رطوبة الجو الخانق . انطفأت الكهرباء ، لم تتغلب العتمة على بصره المُثبت على هدفه الذي بدى شبحاً في العتمة ، لكنه ميزه من بين بقية الأشباح ، مرت خمس دقائق كما توقع ، وبدأ الهدف يقترب بهدوء من المكان الذي يختبئ فيه ، وما أن صار على مسافة مناسبة ، انقضّ عليه ، خطفه ، وهرب ، صرخ المخطوف مستنجداً : _ مااااء .. ماااااء ! وضع كفه على فمه ليخرسه ، وهو يجري مبتعداً ، فجأة ، عادت الكهرباء لتضيء المكان ، لمحه فتاً من أهل الحارة وهو يعدو هارباً ، فصرخ منادياً : _ يا عم أنور ! هناك رجل سرق كبشً من كباشك ! _ ماذا ؟! .. ألحقوا به !! ركض مجموعة من الرجال خلفه ، وهو يلهث بشدة ، لم يحسب حسابه أن الكهرباء ستنطفئ لخمس دقائق ، فهي عادةً تنطفئ لساعتين وربما أكثر ، ولكن لخمس دقائق؟! صرخ في قهر وهو يلهث : _ تباً للكهرباء ! كانت رطوبة الجو الحار أول من نالت منه ، خارت قواه ، ولم يتمكن من متابعة الهرب ، حاصره الرجال ، فأخرج خنجراً ووضعه على عنق الكبش وهو يصرخ مهدداً : _ لا تقتربوا وإلا نحرت لكم هذا الكبش ! انبرى له من بين الرجال أنور صاحب الكبش وقال له : _ أدفع أربعين ألف ريال وخذه هنيئاً مريئاً ! ضحك هو في قهر ، وقال : _ لو كان معي هذا المبلغ لما فعلت ما فعلت ! _ طالما أنك مُعدم ! فلِمَ كل هذا ؟ _ لو كنت موظفً وراتبك أربعون ألف ريال .. ولك من الأبناء ثلاثة .. جُل ما يأكلوه هو الصيد والدجاج وبمقدار .. ثم يترجوك بأن تطعمهم لحماً وأنت عاجز .. فماذا كنت ستفعل ؟! _ كنت سأخبرهم الحقيقة وأقول لهم أني عاجز وأن عليهم أن لا يتمنوا شيئاً أبعد من أحلامهم ! ابتسم هو في حزن وقال : _ معك حق ! لكني أنا الآخر تمنيته ! طفح الكيل بأنور الذي قال بصرامة : _ أعد لي كبشي أو أدفع ثمنه ! شدد هو بخنجره على عنق الكبش الذي صرخ : _ ماااااء .. ماااااااء ! _ إياك أن تقترب وإلا نحرت كبشك الآن ! _ لو فعلت فستلحق به ! _ لا يهمني ! فأنا ميت في كلا الحالتين ! _ أسمع .. أدفع نصف ثمنه وأدفع الباقي على دفعات ! _ ولِمَ لا تكسب أجراً وتعطيني أياه ! فلن تخسر شيئاً ! فالله رازقك من خيره ! _ أنا لا أعطي لأمثالك ! ابتسم هو في سخرية وقال : _ أمثالي ؟! هذا يعني أنك تعطي لمن هم أصحاب المصالح ! يهتف أنور في غضب : _ حذارِ ! فقد تجاوزت حدودك ! انطفأت الكهرباء فجأة ، صرخ هو في حنق : _ تباً للكهرباء !! لم يكمل جملته حتى احس بخنجرً ينحر عنقه ، ودماءه تختلط برشحه ، فيسقط جثة هامدة . *** تودع زوجته آخر المعزيات وتغلق الباب ، يقبل عليها أولادها ، ويسألها أصغرهم : _ أماه أنا لا أريد كبشاً أريد والدي ! تغطي هي وجهها وتجهش بالبكاء ، يطرق الباب ، تمسح دموعها ، تنادي من خلف الباب : _ من ؟ _ أنا عاقل الحارة ! تفتح الباب ، يعزيها عاقل الحارة ، ثم يسلمها ظرفاً ويقول لها : _ لقد جاءني أهل القاتل وطلبوا مني تسليمكِ فدية المرحوم ! تستلم منه الظرف وهي تقول : _ شكراً ! تغلق الباب ، تفتح الظرف ، لتجد رزمة من المال ، تخرجها ، وتعد ، فإذا هي أربعون ألفَ ريال ، تلتفت إلى أولادها ، وتقول لهم مبتسمة في قهر : _ أبشروا يا أبنائي ! والدكم أمّن ثمن الكبش !