اقام „اتحاد آبناء الجنوب“ في آلمانيا يوم الآحد بتنظيم فعاليّة احتفاليّة بمناسبة حلول عيد الآضحى المبارك في العاصمة برلين. الفعاليّة التي شارك فيها بحفاوة جمعٌ غفيرٌ من آبناء الجنوب من مختلف الولايات الآلمانية بالإضافة إلى الضيوف الذين قَدٍموا من بلدان آوروبية آخرى توزعت آنشطها بين فقراتٍ فنيةٍ وندوةٍ سياسيّةٍ. وبدآت الفعاليّة بكلمةٍ ترحيبيةٍ عن اتحاد آبناء الجنوب آلقاها الشاب معاذ العوادي آعقبتها فقرات فنية تضمنت آداء الرقصات الشعبية وآلقاء القصائد الشعرية وفقرة للآطفال بالإضافة إلى تكريم الطلاب الذين تخدجوا من الجامعات الآلمانية خلال العاميين الماضيين. وفي الفعالية قدم القيادي الجنوبي احمد عمر بن فريد ورقة سياسية تنشر "عدن الغد" نصها بسم الله الرحمن الرحيم (( مستقبل " الجنوب " مابعد العاصفة .. المخاطر والتوقعات )) ورقة مقدمة للندوة السياسية برلين – 27 / 9 / 2015 م اشارة عابرة لابد منها : قبل الحديث في صلب عنوان الندوة المتعلق بمستقبل الجنوب في مرحلة ما بعد العاصفة , لابد من لفت الانتباه الى ان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات , قد عقد في العاصمة القطرية ( الدوحة ) منتصف شهر ابريل من هذا العام ندوة سياسية كان عنوانها / اليمن مابعد العاصفة ! .. وشارك في الندوة العديد من الباحثين والاكاديميين والشخصيات السياسية العربية واليمنية والأجنبية , لكن المؤسف جدا في هذه الندوة التي امتدت اعمالها ليومين متتالين انها لم تتعرض في اي ورقة من اوراقها الى " قضية الجنوب " .. بل ان الأمر الأكثر ايلاما من ذلك ان احدا ايا كان من المشاركين لم يذكر حتى اسم " الجنوب " ولو في معرض حديثه ناهيك عن التطرق للجنوب بقضيته السياسية المعروفة بشئ من التفصيل . وربما يستغرب القارئ الكريم اذا ما قلنا ان المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لم يكلف نفسه حتى بتوجيه الدعوة لأي شخصية جنوبية للمشاركة في اعمال الندوة !! الأمر الذي يلقي بضلال كثيفة جهة " حرفية " هذه المراكز وقدرتها على تقديم رسالتها الأكاديمية بمهنية عالية وأمانة غير ملوثة بحسابات السياسة . ______________________________________________ كانت قضية الجنوب وستبقى المفتاح الرئيسي وكلمة السر فيما يخص " الأمن والاستقرار " في المنطقة الجغرافية الواقعة جنوب الجزيرة العربية والقرن الأفريقي ككل , وهي قضية سياسية بامتياز يتطلب حلها النظر الى جوهرها وعناصرها بتجرد وواقعية ومسؤلية كبيرة بعيدا الحسابات السياسية والمصالح التي قد تساعد على فرضها بعض الأطراف اليمنية ونقصد بها هنا " الأطراف السياسية الشمالية " ... ولابد من الاشارة هنا الى قوة هذه القضية ومدى تاثيرها على مستقبل المنطقة لا يتعلق فقط ب" عدالتها " وانما بقوة وجودها الفعلي وقيمتها السياسية لأحلام الجنوبيين في اقامة دولتهم الجنوبية الحرة المستقلة على كامل ترابهم الوطني الذي دخلوا به في مشروع وحدة سياسية لم يكتب لها النجاح في 22 مايوم 1990 م . اما المخاطر والتحديات التي ستواجه ( المشروع الوطني الجنوبي ) .. ونعني به الاستقلال واقامة دولة جنوبية حرة مستقلة . .. فيمكن تلخيصها في العوامل التالية : 1 – فشل الجنوبيين في استثمار الفرصة التاريخية . 2 – قوى الاحتلال اليمني . 3 – التعامل غير الواقعي من قبل " جنوبيي السلطة " مع قضية الجنوب . 4 - الفوضى والجماعات الاسلاموية المتطرفة . 5 – التدخلات الاقليمية و الدولية . اولا : فشل الجنوبيين في استمثار الفرصة التاريخية . اتاحت العمليات العسكرية لعاصفة الحزم فرصة كبيرة للقوى الجنوبية ككل في المشاركة الفاعلة في هذه العمليات منذ يومها الأول وهي تعلم علم اليقين انها تقاتل لغرض " طرد " القوات العسكرية الشمالية التي كانت تتواجد بكثافة وبتموضع استراتيجي على ارض الجنوب , وكذلك مجابهة مليشيات الحوثي الوافدة الى الجنوب لتعزيز تواجد تلك القوات , وقد خاضت " المقاومة الجنوبية " معارك كبيرة استطاعت بارادتها الفولاذية وبالتعاون مع قوات التحالف تحقيق انتصارات خرافية في محافظاتعدن , لحج , ابين , شبوة ... حيث تمكنت من تطهير اراضي هذه المحافظات بالكامل من اي تواجد عسكري شمالي . مايعني ان العامل الرئيسي للاحتلال الشمالي للجنوب وهو " القوة العسكرية " قد انتفت في هذه المرحلة . وهذا يتطلب من الجنوبيين استغلال هذا الوضع بما يتلائم مع تطلعاتهم الوطنية المشروعة في الاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الحرة المستقلة , واول شروط هذا الأمر تتمثل في تمكن مختلف القوى السياسية الجنوبية في تنظيم نفسها من خلال انجاز خمسة مهام رئيسية لا غنى عنها لكي تبرهن بها للعالم قدرة الجنوبيين على بناء الدولة المستقل ولكي تحوز على الثقة الاقليمية والدولية ايضا : 1 – خلق وعاء سياسي جنوبي يمتلك قيادة موحدة , ورؤية سياسية موحدة لكيفية حل قضية الجنوب ولمعالجة مختلف القضايا الاستراتيجي الهامة التي تتعلق بالجنوب ومحيطه الاقليمي . 2 – تشكيل جهاز امني جنوبي , يستطيع ان يتعامل مع القضايا الأمنية الملحة والتي يمكن ان تطرأ على المشهد في الجنوب وتؤدي الى عدم الاستقرار والفوضى. 3 – رؤية اقتصادية لكيفية تسيير مؤسسات الدولة في الجنوب بما يضمن تمكن هذه المؤسسات من توفير السيولة المالية في دورة اقتصادية متكاملة . 5 – تدعيم مؤسسات الدولة في الجنوب بالكفاءات الادارية النزيهه التي تملك سجل خالي من شبهات الفساد والتي تستطيع ان تقوم بدورها الاداري في تسيير مؤسسات الدولة بكفاءة كبيرة. ولا شك ان هذا التحدي " الجنوبي " يواجه الكثير من المصاعب والعراقيل بعضها " ذاتي " يتعلق بوجود بعض الخلافات الثانوية فيما بين بعض القوى الجنوبية فيما يخص الكيفية التي تبنى بها هذه الأطر ,وبعضها يأتي من قبل بعض الاطراف الجنوبية التي تخشى – بحساباتها الضيقة – من ان وصول قوى الاستقلال الى هذا التنظيم المسوؤل يمكن ان يؤدي الى ازاحتها عن لعب دور مستقبلي لها في الجنوب , ونقصد هنا – القوى الجنوبية المشاركة فيما يسمى بالسلطة الشرعية - كما ان العناصر الجنوبية التي تنتمي لحزب التجمع اليمني للاصلاح يمكن ان تلعب دور معرقل " لهذا الهدف الاستراتيجي الجنوبي , لأنه يتعارض في الأساس مع توجهات الحزب ورؤيته لمستقبل الجنوب الذي لا يتجاوز في احسن الاحوال الاقرار له بما حصل عليه في مؤتمر الحوار اليمني الذي لم يشارك الجنوب فيه اصلا. ثانيا : قوى الاحتلال اليمني : من الممكن لجميع القوى " السياسية , والعسكرية , والاجتماعية , والدينية وحتى الطبقة المثقفة " في الشمال ان تختلف فيما بينها اختلافات جذرية قد تصل الى حد الاقتتال فيما بينها كما شاهدنا في حالتين مثلت ثورة التغيير عام 2011 م واحدة ومثلت حرب عاصفة الحزم الحالة الثانية , لكنها – اي جميع تلك القوى – لا يمكن ان تختلف تجاه رؤيتها تجاه " الجنوب " واهمية بقاءه تحت هيمنة وسيطرة هذه القوى تحت اي مبرر او صيغة او حل سياسي . فلم تسجل اي قوة سياسية جماعية او حتى على المستوى الفردي " حالة شاذة " واحدة نادت علنا او سرا على الأقل بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم على الرغم من علمهم الأكيد بوجود ثلاثة حقائق تتعلق بقضية الجنوب : 1 – ان الجنوب حكم من قبلهم بطريقة الاستعمار او الاحتلال وذلك ما صرح به الجنرال / علي محسن الأحمر علنا عام 2011 م . وما تحدث به غيره ايضا من الشخصيات السياسية والعسكرية الشمالية . 2 – ان عملية استفتاء للجنوبين فيما يخص بقائهم في الوحدة او استقلالهم سوف تؤدي حتما الى نتيجة كبيرة جدا تقارب ال 95 % مع الاستقلال . 3 – ان اي حل لقضية الجنوب يتجاوز " ارادة شعب الجنوب " من خلال تسويات سياسية بالكيفية التي تدار حاليا عبر الأممالمتحدة مابين طرفين هما " الشرعية " ممثله بالرئيس هادي , والقوى المتمردة عليها متمثله بالحوثيين والرئيس السابق / علي عبدالله صالح لن تؤدي في آخر الأمر الى حل قضية الجنوب ولن ترضي شعب الجنوب الذي كان يفرض وجوده قبل امتلاك السلاح فيكف والحال الآن وهو يملك السلاح وقوات عسكرية منظمة تقف على ارضها !! على الرغم بعلمهم الأكيد بهذه الحقائق الثلاث الا ان اصرارهم الغريب على تهميش قضية الجنوب وعدم التطرق لها او لوضع الحلول لها الا بلكيفية التي يرغبون هم بها يضع المنطقة فعلا في مخاطر حقيقية , ويضع مشروع الجنوبيين امام حالة تحدي خطيرة . ونحن نعتقد ان على دول التحالف العربي ان تصل مع هذه القوى الى رؤية مشتركة تقوم على اساس ان الوحدة التي تمت بين طرفين ودولتين وانها تمت بالتراضي وانها لا يمكن ان تستمر الا بتراضي الطرفين , وان استمرار الوحدة بالقوة او بالاكراه او بالتحايل سيكون مشروع كلفته اكثر بكثير من مشروع حل الدولتين .وان شعار " الوحدة او الموت " الذي رسخه علي عبدالله صالح في الذهنية الشمالية هو الموت بعينه وقد آن الآوان للتفكير بجدية في مشاريع قابله للحياة مع اخوانهم الجنوبيين واشقائهم العرب في الخليج . ثالثا : التعامل غير الواقعي من قبل " جنوبيي السلطة " مع قضية الجنوب : عطفا على مواقف سابقة للقيادات السياسية الجنوبية الموجوده في " السلطة الشرعية " في كيفية تعاملها مع ملف قضية الجنوب في خلال " مؤتمر الحوار الوطني اليمني " .. يمكن القول ان هذه القيادات قد تعاملت مع " قضية الجنوب " بكيفية لا ترتقي ابدا الى طموحات شعب الجنوب ولا الى مستوى ماكانت تطرحه قوى الاستقلال ولا حتى وفقا لما فرضه الأمر الواقع الجنوبي في محافظاتالجنوب اثناء مؤتمر الحوار الذي لم تشترك فيه القوى الجنوبية المؤثرة اساسا .. وكان تعمل القيادات الجنوبية الموجوده في السلطة في تلك المرحلة مخيبا للآمال بل يمكن القول انه كان متواطئا جدا مع قوى الاحتلال خاصة فيما يتعلق بتزييف التمثيل الجنوبي السياسي الذي تحايلت عليه السلطة باحضار ممثلين لا يملكون اي ثقل سياسي في الجنوب وتقديمهم للمجتمع الدولي على انهم ممثلين للحراك الجنوبي وهم ليسوا كذلك .. والآن بعد ان تغيرتالامور بشكل جذري ودخلت البلاد في مرحلة حرب قدمت معطيات جديدة نتأمل مع هذه القيادات الجنوبية الا تستمر في تعاملها السطحي مع قضية الجنوب بالكيفية التي مضت عليها في المراحل السابقة , وهي ان فعلت ذلك واصرت الى نخرجات الحوار وما نتج عنها فانها ستضع نفسها في حالة مواجهة مباشرة مع قوى الحراك الجنوبي ومع شعب الجنوب ككل وهو عالم قد يؤدي الى تأخير عملية الاستقلال ويعرقلها ويشوش عليها . رابعا : الفوضى والجماعات الاسلاموية المتطرفة : من المعروض وفقا لنظرية " ملء الفراغ " .. انه اذا ما غابت الدولة الدولة تملىء الفوضى مكانها , وتتخلق البيئة المناسبة لتشكل عصابات الفيد والمليشيات المسلحة التي تستقوي على المجتمع بمالديها من سلاح وعتاد عسكري , وهي تقدم نفسها في حالة غياب الدولة بديلا عنها لتفرض النظام بطريقتها وبالثمن الذي تحدده , ما يؤدي كما هو معروف الى زيادة هيمنتها وتغول النرجسية وغطرسة القوة في بنيتها التنظيمية حتى تتحلل تماما من فكر الدولة الذي لا تراه الا عدو لوجودها ومشروعها وتتحلل ايضا من الشعور الوطني الذي كانت تتمتع به عناصرها في مراحل سابقة , والأمر الأكيد ان هذه البيئة المناسبة لتواجد المليشيات العسكرية هي نفسها بالضبط البيئة التي تجد فيها " جماعات الاسلام السياسي المتطرف " نفسها ايضا , ونحن نعلم تماما ان جماعات ( القاعدة ) و ( انصار الشريعة ) قد سجلت حضورها في اليمن في اكثر من مرحلة وفي اكثر من منطقة وبالتعاون الوثيق والموثق مع اجهزة الدولة اليمنية التي كان يديرها علي عبدالله صالح , وكانت بعض عناصر هذه الجماعات تأتمر باوامر صالح والبعض منها تخضع لتعليمات الجنرال / علي محسن الأحمر او حتى رجالات الدين مثل الشيخ / عبدالمجيد الزنداني وغيره . واكبر دليل على ذلك ماحدث مؤخرا في حضرموت حينما تركت قوات الجيش اليمني الميدان للقاعدة لكي تفرض قوانينها على اكثر من مدنية حضرمية وعلى راسها المكلا دون ان تتدخل في امرها ! وهي قد فعلت ذلك سابقا حينما فرضت جماعات انصار الشريعة وجودها في محافظة ابين واعلنتها امارة اسلامية بالتعاون الوثيق الذي تكشف بعد ذلك مع عناصر عسكرية شمالية على راسها مهدي مقولة قائد المنطقة العسكرية الغربية او الرابعة . خامسا : التدخلات الاقليمية و الدولية : لا اعتقد ان " ايران " التي تمكنت بعد مسيرة ماراثونية من تحقيق انجاز استراتيجي هام لها وهو " الاتفاق النووي " سوف ترفع يدها عن اليمن بشكل كلي ! او انها سوف تتخلى عن اطماعها ومشروعها السياسي في المنطقة بهذه السهولة خاصة وهي تعلم ان هناك بيئة خصبة لها في منطقة جغرافية ذات جذور عقائدية تتماهى مع مشروعها , وستبقى دائما بمثابة الباب الذي يمكن ان تدخل منه الى اليمن في اي وقت وفي اي مرحلة . كما ان " روسيا " التي باتت تتحدث اليوم عن تدخل عسكري محتمل في سوريا اذا ما طلب منها نظام بشار ذلك يضعنا امام احتمال ممكن حدوثه في اليمن ايضا عطفا على وجود مبرر للمصالح . وفي تقديري ان تصريح المتحدث الرسمي باسم الحوثيين / محمد عبدالسلام من انهم تلقوا دعوة رسمية من موسكو مؤخرا يمكن ان يصب في هذا الاتجاه الخطير . فمالذي يمكن حدوثه مثلا فيما لو قررت روسيا ان تتدخل بشكل او بآخر في اليمن بهذه الطريقة او تلك خاصة وهي تنتظم مع طهران في علاقات استراتيجية لا تخفى على احد. التوصية : وفقا لجميع ما تحدثنا عنه نعتقد ان على دول التحالف العربي وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ان تسرع من وتيرة " الحلول العسكرية " و " السياسية " ... وان تستغل الفرصة المتاحة للتمكنين والتمكن من " المتاح " حاليا بين ايديها وهو " الجنوب " ووضع الخطوات الرئيسية الهامة التي تضمن له بناء المؤسسات العسكرية والامنية والاقتصادية والادارية على طريق ايجاد تسوية سياسية شاملة لملف " قضية الجنوب " لا تتعارض مع حق شعب الجنوب في تقرير مصيره , والا تربط بعض الاستحقاقات المهمة بعملية حسم معركة صنعاء لانها قد تطول وفي تقديري انها حتى وان حسمت ودخلت قوات التحالف او الشرعية الى صنعاء فان ذلك لا يعني ابدا " السيطرة المطلقة " على صنعاء او انتهاء الحرب , بل انني اخشى ان تجد قوات التحالف نفسها في وضعية تشبه الى حد بعيد وضعية الجيش الامريكي في العراق في مرحلة ما بعد سقوط بغداد . أحمد عمر بن فريد برلين – 27 سبتمبر 2015 م