لا يخفي حميد الأحمر شوقه الى كرسي الرئاسة ، وفي تعليقه على الإعلان التسويقي الذي انزله الغفوري عنه ، لم يعلق حميد على استنتاج الغفوري بأن ما يشغل حميد الآن هو الوصول الى سدة الرئاسة ، ربما لأنه يعتبر وصوله الى الكرسي او وصول الكرسي اليه تحصيل حاصل ، او حق مكتسب ، او إرث مستحق ، لا داعي لنكرانه او رفضه ، لكنه علق على ما بدا ان الغفوري تعمد بسوء نية ان يقلل من اظهاره او ابرازه في الإعلان وهو محبة وعشق حميد المتوارث لتعز ، ولذلك فقد حرص على الإيضاح والتأكيد ان محبة تعز قد سكنت سويداء قلبه ، بعد ان عرف نقلا عن ابيه عن جده ان تعز هي اليمن . في الواقع نحن لا نصدقه ، ونثق بان ما ورثه عن ابيه عن جده ليس حب تعز بل الاستهانة والاستخفاف بتعز وأهلها مع الفاظ عنصرية مثل "براغله" او "لغالغة" ، ونظرة استعلائية لا ترى في تعز جزء من وطن على قدم المساواة مع اي منطقة اخرى كعمران مثلا ، ولأهلها نفس الحقوق التي لقبائل حاشد مثلا ، بل باعتبارها ضيعه من ضياع جمهوريته المستقبلية التي يحلم بالتوسح فوقها فيما سيأتي من الأيام . هيام حميد بتعز شبيه بعشق عفاش لها ، فقبل ايام من اعتراف حميد بحبه لتعز، عبّر عفاش ايضا عن عشقه لها بالقول " لم يخلق بعد الذي سيهاجم تعز " او يمس شعره في رأس اي تعزي ، وطبعا فهمها اصحاب تعز الطيبين انه سيتصدى بنفسه لكل من تسول له نفسه الاعتداء على تعز وابناءها ، ، وعندما حانت لحظة الترجمة العملية لهذا الحب ، ارسل اليهم جحافل القبائل الحاشدية والبكيلية المدججين بالسلاح - الذي اشتراه بأموال اهل تعز- ليقذفوهم بالورود ، والرياحين ، ويرشوا عليهم العطور .. دعوني انقل اليكم عينه من المحبة التي ورثها حميد وعفاش عن آباءهم واجدادهم لتعز واهلها من كتاب المؤرخ الأمامي الشهير حسام الدين محسن ابن الحسن الملقب " ابو طالب" في مصنفه ( تاريخ اليمن عصر الاستقلال عن الحكم العثماني الأول من 1065ه - 1160ه ) - صفحة 481 - استعراض احداث العام 1153 ه ، اي قبل حوالي مأتين وثمانين عام من زمننا هذا :
مأتين وخمسة واربعين رأس تم جزها لا لشيء الا لأنهم رفعوا رؤوسهم في وجه ابن المتوكل ، هم لم يقاتلوا فقد كانوا فلاحين بسطاء وليس لديهم اي وسيلة للقتال ، لكنهم تجرأوا على اخراج الرتبة ( العكفة) الذين تواجدوا في قراهم بعد ان عاثوا فيها فسادا وظلما ، ولأن رفع الرأس لأبناء تعز جريمة لا تُغتفر في نظر الدولة الجهوية ، فان اقل عقاب لهذه الجريمة هو الموت ، الرؤوس المقطوعة تم تحميلها في جواني واكياس لكي يراها الإمام ، فتروي ظمأه وتعطشه الى دماء ابناء تعز . التاريخ يعيد نفسه ، من جديد تجتاز تعز الخطوط الحمراء وتقتحم المنطقة المحرمة ، والرأس الذي لا يريد ان ينحني يُقاوم ، لكن عفاش لا يحب ابناء تعز هكذا ، هو يحبهم مطأطئين ومنكسين ، لهذا وجه اليهم الجيش الجهوي والميليشيات الطائفية ( العكفة) لعقابهم واجبارهم على البقاء ( حبوبين ) برؤوس محنية . حميد لن يخرج عن هذه القاعدة عندما سيصبح رئيساً غدا ، هو يحب تعز واهلها ايضا اذا لم يرفعوا رؤوسهم ، لكنه لن يتردد – مثل عفاش ومثل الإمام المتوكل - في ارسال عكفته لعقابهم وتأديبهم اذا فكروا يوما برفعها . اجتهد الغفوري في تسويق حميد الأحمر المثقف الواعي الذي يرطن بالإنجليزية ، ومع ذلك فقد عجز عن اخفاء حقيقة حميد القبيلي الذي يرى في مؤسسة القبيلة ( العكفة ) ، السند ، والمعين والناصر ، وليس الشعب او الدولة المدنية . كنت اتمنى لو ان الغفوري تجرأ وسأل حميد هل انت مستعد لدعم ترشيح رئيس جمهورية من تعز ؟ تعز التي تمثل 20% على الأقل من سكان اليمن ، عاصمة الثقافة المتخمة بحملة الشهادات العليا وخريجي الجامعات ، صاحبة اقل نسبة أميه على مستوى الجمهورية ، الا تستحق ان يكون منها رئيس ولو لمرة واحده ؟ نحن لا نذكر ولا كتب التاريخ تذكر ايضا متى كان آخر مرة حكم اليمن واحد تعز . الجنوبيون اثبتوا انه لا توجد لديهم عقده في هذا الجانب ، بدليل انهم وضعوا في منصب الرئيس واحد من تعز ، رغم ان الجنوب لم يكن يفتقر الى الرجال الذين يملأون هذا المنصب بجداره واقتدار . فلماذا عندما تأتي سيرة الرئيس في الشمال تستبعد تعز نهائيا من الاختيار ؟ اليست تعز هي اليمن كما تقول الوصايا التي تلقاها حميد عن ابيه عن جده ؟ ام ان هناك فيتو على انتخاب رئيس من تعز؟ موقف حميد الأحمر وأجابته على السؤال كانا سيعطينا مؤشر على ما اذا كان تسويق الغفوري له هو ترويج لبضاعة اصلية بمواصفات عالية من الثقافة ، والوعي ، والمدنية .. الخ .. ؟ ام انه مجرد اعلان مُموَّل لتسويق بضاعه تايوان .