إذا أمعنا النظر بشكل جيد في السياسة السعودية، سنجد أنها تقوم على التعاون، وعدم الإنفراد، فالمملكة مشغولة بالنتيجة لا بالوهج الإعلامي أو الإنجازات الوهمية، حتى في أمنها القومي، وطوال تاريخها، سنجد أنها إذا اضطرت لمواجهة عدوان أو التصدي لعدو، فإنها تذهب نحو الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة وتستصدر قرارات قانونية واضحة، وتسير مع حلفاء وأصدقاء لمواجهة هذا الخطر، وأمثلة ذلك كثيرة، وهي ماثلة على أرض الواقع لكل دارس ومتابع.
آخرها إعلان تشكيل تحالف عسكري يضم أكثر من 34 دولة إسلامية لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة، وهو إعلان يأتي في سياق هذه السياسة ويرجع الأمور في منطقتنا والعالم بأسره إلى مكانها الطبيعي.
البيان المشترك الذي صدر بتشكيل هذا التحالف الإسلامي، تضمن وضوح في الهدف والآلية، حيث سيتم في مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود. كما سيتم وضع الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الدول الصديقة والمحبة للسلام والجهات الدولية في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين.
أهمية هذا التحالف تنبع وتظهر من خلال ركائز عدة في غاية الحيوية لهذه الدول، من أهمها أخذ زمام المبادرة في الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب، كون دول العالم الإسلامي معنية بهذا الجانب أكثر من سواها من دول العالم الأخرى، وذلك لاعتبارات عدة، أولها: أنها الأكثر اكتواء ومعاناة من التطرف والعمليات الإرهابية، وثانيها: لأن جماعات التطرف والإرهاب تستخدم شعارات إسلامية أسهمت في تصوير ديننا وكأنه يقوم على القتل وسفك الدماء البريئة، وهذا ما شوه نقاء دين المحبة والسلام في مختلف دول العالم ومجتمعاتها، لذا فإنه من البديهي أن تقوم هذه الدول الإسلامية بهذا الواجب الإنساني والديني في مكافحة التطرف والإرهاب، بل هي الأجدر والأولى أن تقوم بهذا الدور الحيوي والمفصلي.
إعلان هذا التحالف وتقديمه للعالم يعتبر إنجازاً بحد ذاته ورسالة قوية إلى مختلف شعوب العالم، بأن الشعوب الإسلامية ليست في معزل عن الحرب ضد قوى الظلام والتطرف، وهو إنجاز يسجل أيضاً للديبلوماسية السعودية، التي تمكنت من جمع كل هذه الدول في فترة زمنية قصيرة، ووفق رزنامة عمل كبيرة ومتشعبة، مثل مكافحة الإرهاب عسكرياً وفكرياً.
يقول العالم والمهندس والمخترع ألكسندر جراهام بيل: «إن الإنجازات العظيمة تحتاج إلى تعاون كثير من الأيدي». وبالفعل هذا ما تعمل به القيادة السعودية، فمن أجل تحقيق انتصار عظيم وملموس ضد الإرهاب الدولي، الذي بات يضرب في كل مكان، تدرك أنه لن يتحقق مثل هذا الانتصار من دون تفاهم وتعاون قوي بين مختلف دول العالم الإسلامي، وتنسيق مع دول العالم المختلفة.
ما يميز هذا التحالف العسكري مرونته وتعاطيه الواقعي مع مختلف ظروف الدول المنضوية تحت لوائه، هذه المرونة التي أكسبته البعد الدولي وكل هذا الإجماع، وأيضاً أكسبته الاحترام كونه تحالفاً شاملاً في جانبه العسكري، من دون إغفال جوانب أخرى على درجة من الأهمية في محاربة هذه الجماعات المتطرفة تتعلق بالفكر والدعم، سواء أكان هذا الدعم مالي أم من خلال الدعاية له.
الحرب على الإرهاب وتحديداً ضد تنظيم «داعش» التي أعلنتها الولاياتالمتحدة، قبل أكثر من عام، لم تحقق المأمول منها على أرض الواقع، إلا أن الوضع مع هذا التحالف الإسلامي مختلف، لما يكتسبه من زخم وقوة وأيضاً تأييد دولي واسع، لذا سارعت الولاياتالمتحدة إلى الترحيب به.
أعتقد أن هذا التحالف وجد ليبقى ويستمر، لأن الحاجة إليه في عالم اليوم ملحة أمام كل هذا المد في الأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية، ولا سبيل لمكافحتها إلا بعمل جماعي قوي، وعلى الصعد كافة، وهذا هو المأمول والمتوقع.