انتهت مباحثات جنيف 2 بين أطراف الصراع في اليمن، 20 ديسمبر بعدما استمرت 6 أيام، في ظل استمرار إطلاق النار بين طرفي الصراع على الأرض في اليمن (التحالف العربي والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة، والحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح)، دون التزام بالهدنة التي أُعلن عنها قبيل بدء المحادثات، ليستمر مسلسل حصد الأرواح الذي أودى بحياة حوالي 6000 شخص منذ اندلاع الأزمة في اليمن. وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أهم ما تم الاتفاق عليه في محادثات جنيف 2 في سويسرا والتي جرت برعاية أممية، وما جرى على أرض اليمن تزامنا مع المحادثات مع الإشارة إلى خلفية الأوضاع الأمنية في اليمن قبل المحادثات. (1) إلامَ آلت المحادثات؟
“أحرزنا في الأيام الماضية تقدما ملحوظا ولكنه ليس كافيا” . هكذا لخص المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ما آلت إليه المباحثات، وتحدث في مؤتمر صحفي عما تم الاتفاق عليه في المحادثات: “وقد اتفقنا على إيصال المساعدات الإنسانية لكل المدن المتضررة”. ولفت الشيخ إلى أنه “توصل إلى اتفاق على مجموعة من التدابير لبناء الثقة تشمل الإفراج عن السجناء والمعتقلين والمحتجزين قسرا والأسرى جميعا دون استثناء … كما اتفق أطراف النزاع في اليمن على إنشاء لجنة الاتصال والتهدئة تتألف من مستشارين عسكريين من كلا الجانبين وتشرف عليها الأمم المتحدة”. وقال المبعوث الأممي أنه “اتفق على وضع إطار تفاوضي لاتفاق شامل يستند إلى قرار مجلس الأمن 2216 ومبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني، ينهي النزاع ويسمح باستئناف الحوار السياسي الشامل”. هذا ربما ما قصده الشيخ ب”التقدم الملحوظ” ولكن لأنه لم يكن كافيا فقد تم الاتفاق عل عقد جولة أخرى من جلسات الحوار تبدأ في 14 يناير المقبل. التقدم ليس كبيرا قال نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية عبد الملك المخلافي “إن المفاوضات حققت تقدما ليس كبيرا ولكنه إيجابي … وأن الحوثيين التزموا خلال المفاوضات بالإفراج عن المعتقلين” لافتا إلى أنه “تم الاتفاق على فتح ممرات آمنة للإغاثة ورفع الحصار عن المدن اليمنية وفي مقدمها مدينة تعز نظرا للأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها سكانها تحت الحصار”. مؤشرات إيجابية وعلى أصداء المحادثات فقد أطلقت منظمة الصحة العالمية – تزمنا مع أول يوم في المحادثات – نداءً عاجلا لتوفير 31 مليون دولار لتقديم خدمات صحية وإغاثية فورية ل15 مليون مواطن يمني، وأفادت المنظمة في بيانها: “تشير التقديرات إلى أن 80 في المائة من السكان في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية… وفي مجال الصحة، نعتقد أن هناك حوالي 15 مليون شخص لا يحصلون على الرعاية الصحية المناسبة”. وعلى أرض اليمن فقد كشفت وكالة رويترز عن اتفاق لتبادل الأسرى بين أطراف الصراع بحسب مسؤولين من الجانبين أفادوا “إن نحو 360 سجينا من الحوثيين محتجزون في عدن و265 سجينا من المدنيين والمقاتلين الجنوبيين في طريقهم لإتمام عملية التبادل على الحدود بين محافظتي يافع والبيضاء”. (2) الهدنة في مهب الريح!
“بلغت الانتهاكات حوالي 150 انتهاكا للهدنة من قبل الميليشيات الحوثية وهذا لا يعبر عن نية صادقة”. هكذا أعلن العميد أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف في أول أيام المحادثات مؤكدًا أن “قوات التحالف ردت” عندما قال: “إن الحوثيين المدعومين من إيران خرقوا مرارًا وقف إطلاق النار الذي يفترض أنه بدأ ظهر الثلاثاء (15 ديسمبر) وإن قوات التحالف ردت”. “إننا لن نظل مكتوفي الأيدي بل سنرد بقوة تجاه ما يحدث من اختراقات من قبل دول تحالف العدوان ومرتزقتهم”. هكذا أكد العميد الركن شرف غالب لقمان – المتحدث باسم القوات الحكومية اليمنية الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح – حليف الحوثيين، وأكد أن قوات التحالف “تمارس تصعيدًا خطيرًا بريًّا وبحريًّا وجويًا”. وتظهر من التصريحات سالفة الذكر الاتهامات المتبادلة من الجانبين بأن الطرف الذي يُعاديه قد اخترق الهدنة مما دفعه للرد عسكريًّا، بالرغم من تشكيل “لجنة عسكرية محايدة” لمراقبة وقف إطلاق النار خلال ال7 أيام المحددة لها، وبذلك أصبحت الهدنة بلا جدوى أو تأثير على أرض الحرب اليمنية، تلك الهُدنة التي كانت من المُفترض أنها تُمثل عهدًا لطرفي الصراع قد يؤسس – لو كان قد تم الالتزام بها – إلى حل لاحق للأزمة! القتال يشتد مع استمرار الخروقات للهدنة منذ بدايتها قُتل العشرات من الطرفين، ولكن اليوم الأخير من المحادثات (20 ديسمبر) بدا وكأنه الأكثر دموية، إذ وصلت حصيلة الاشتباكات فيه إلى مقتل ما لا يقل عن 68 شخصًا، بعدما اندلعت الاشتباكات بين القوات الموالية ل”هادي” والحوثيين قرب مدينة “حرض” شمال غرب الحدود اليمنية مع السعودية، وتوزع القتلى إلى 40 قتيلًا حوثيًّا في مقابل 28 قتيلًا من القوات لموالية لهادي. وعلى صعيد آخر حقق معسكر “هادي” تقدمًا ملحوظًا في محافظة مأرب شرق العاصمة صنعاء، تلك العاصمة التي اقتربوا منها بشكل كبير ؛ فلم يعد يفصل “القوات “الموالية لهادي” عن العاصمة اليمنيةصنعاء سوى 40 كيلومترًا فقط، وهو تقدم يراه محللون بأنه قد يكون غير مسبوق منذ أن سيطر الحوثيون على العاصمة منذ أكثر من عام، ولكن ما قد يُعيق تقدم قوات هادي نحو العاصمة أن المنطقة التي تفصلها عنه في غالبيتها جبلية ووعرة. (3) هل تنتقل شرارة الحرب إلى السعودية؟
“إن 300 هدف عسكري، ومنشأة حيوية سعودية، أدخلت ضمن أهداف قوة الإسناد الصاروخية التابعة لجيش الحوثي”. هكذا أكد المتحدث باسم الجيش الموالي للحوثيين وبرر ذلك التصعيد بأنه يأتي “ردًّا على خروقات السعودية للهدنة”، لافتا إلى أنه “لم يكن يود اللجوء إليه”، وجاءت تلك التصريحات بعد ساعات قليلة من انتهاء المحادثات، وتلك التصريحات التي تشتد خطورتها على السعودية و إمكانية تحقيقها على أرض الواقع عند ربطها بمحاولات سابقة للحوثيين في هذا الصدد؛ ففي يوم السبت الماضي أعلنت السعودية سقوط مقذوف عسكري من داخل الأراضي اليمنية على مدينة نجران نتج عنه مقتل مواطن ووفاة عاملين من الجنسية الهندية، ذلك بعد يوم فقط من إعلان التحالف من إطلاق الحوثيين صاروخين بالستيين باتجاه الأراضي السعودية، لتعترض الدفاعات السعودية أحدهما ويسقط الآخر في منطقة صحراوية دون تأكيد وقوع ضحايا. وتجدر الإشارة إلى أن الحدود السعودية اليمنية أصبحت ساحة للقتال بين قوات حرس الحدود السعودية والحوثيين أودت بحياة العشرات كانت آخرها، مقتل أحمد المبطي – وكيل رقيب سعودي – تزامنًا مع اليوم الثالث للمحادثات. (4) لماذا لم يلتزم الطرفان بالهدنة؟
كان من المتوقع عدم التزام الطرفين بهدنة وقف إطلاق النار ارتباطا بخلفية الأحداث المتصارعة التي سبقت المحادثات والتي ارتكزت على إضرابات أمنية في عدن ومعارك عنيفة لتخليص تعز من الحوثيين؛ ففي عدن ضربت عدد من الاغتيالات باستقرار عدن – العاصمة السياسية المؤقتة لمعسكر هادي – في الفترة الأخيرة والتي أدى آخرها لمقتل جعفر سعد محافظ عدن و8 من مساعديه في تفجير تبناه تنظيم الدولة واتهم معسكر هادي الحوثيين بتدبيره. وقبيل بدء المحادثات بيوم واحد، قُتل – يوم 14 ديسمبر – العقيد الركن السعودي عبدالله بن محمد السهيان، والضابط سلطان بن محمد علي الكتبي “أثناء قيامهما بمتابعة سير عمليات تحرير تعز ضمن عملية إعادة الأمل باليمن في ميدان الشرف والبطولة بتضحية وإخلاص” بحسب بيان التحالف. وتمثل الهدنة الأخيرة الهدنة الثالثة الذي لم يلتزم بها الطرفان، و هي بذلك قد تُعطي مؤشرًا لغياب الضمانات للحل السياسي أو إن كلا الطرفين يرغب في تعزيز وجوده على الأرض لأجل ضمان مكان أفضل على طاولة التفاوض. *المصدر موقع ساسة بوست