لا نستغرب العناق الاخوي الجنوبي الذي يحدث على تراب عدن هذه الايام بين ابناء الجنوب ففي عدن لا يتعانق الناس فحسب بل يتعانق الشجر والحجر والعناق هي سمة أزلية في هذا الجزء من الكرة الارضية فقد تعانقت الطوائف وتعانقت الديانات السماوية قبل آلاف السنين في هذه المدينة وفيها تعانق الناس من مختلف الاجناس تعانق السود والبيض تعانق العرب والعجم وسكنوا فيها وعاشوا متحابين متآلفين تجاوروا وتزاوجوا وأنجبوا وتعلموا وعلموا حتى أشير اليهم والى مدينتهم بالبنان وتحدث عنهم وعن مدينتهم الركبان فأصبحت محل انظار العالم وقبلة الزوار . في عدن يتعانق البحر والجبال على مدى الازمان بل وتتعانق البحار فيما بينها البين منذ ان خلق الله الارض ومن عليها حتى يرثها.. فيها توجد ثقافة الاحترام المتبادل بين الناس والعطف والحنان حتى يشعر الغريب كأنه بين أهله وأحبابه.. فيها توجد ثقافة الحب والعشق فبدايتها معاشيق ونهايتها ساحل العشاق . لم تكن ثقافة عدن محصورة في عدن وحدها بل انتشرت بين اوساط الجنوبيين من المهرة حتى باب المندب وهكذا هو السلوك الحضاري سرعان ما ينتشر عند الناس الاسوياء بل تجاوزت الحدود الى أبعد من ذلك . وما السلوك الذي ينتهجه ابناء الجنوب اليوم الا تأكيد لما نقول. فاهم اليوم يزحفون الى عدن مع بداية كل عام ومن أن يقترب يوم 13/يناير من كل عام حتى ترى الحشود تتوالى من كل حدب وصوب الى عاصمتهم الابدية عدن ليحيوا واحدة من سماتها المتوارثة منذ الازل جيل بعد جيل الا وهي ثقافة التسامح والتصالح التي عرفت بها عدن ولم تسبقها أي مدينة الى ذلك . وما حصل من اقتتال بين الاخوة في عدن في فترة زمنية محددة أي منذ الانقلاب على الرئيس السابق قحطان رحمه الله مرورا بالرئيس سالمين رحمه الله حتى الوصول الى 13/يناير 86م لم يكن ليحصل لولى الايادي الخارجية الخفية التي كانت تعمل من الداخل حتى حققت مرادها ليس باقتتال الجنوبيين فيما بينهم فحسب بل بضياع وطن وتدميره عن بكرة أبية ! ولكن لأن الطابع العام لدى الجنوبيين فيه شيء من الحضارة التي اكتسبوها وتوارثوها جيل بعد جيل ساعدهم ذلك في لملمت الشتات الذي حصل بفعل فاعل وتنادوا فيما بينهم كي تعود صفاتهم الحميدة كي تعود أخوتهم وترابطهم كي يعود وطنهم المسلوب كي تعود دولتهم دولة النظام والقانون . فاههم اليوم يرسمون لوحات جميلة في ساحات الجنوب وخصوصا في ساحات عاصمتهم الأم عدن . وكأنهم يقولون هنا منبع الحضارات هنا منبع الثقافات كيف لا وهم أول من أقاموا أطول ثورة سلمية على مستوى العالم . ولو سئلنا انفسنا كيف استطاعوا ان يحافظوا على سلمية ثورتهم طوال أكثر من ثمان سنين ؟ لكانت الاجابة في غاية البساطة وهي ان ارثهم الحضاري والثقافي هو من ساعدهم في ذلك . فهكذا هي عدن رغم كل المؤامرات التي تحاك ضدها وضد اهلها الا انها استطاعت ان تحافظ على حضارتها وثقافتها . حفظ الله عدن وأهلها وشعب الجنوب من كل مكروه .