لا يزال الناس في محافظة عدن على وجه الخصوص مأخوذين بحيرة السؤال الذي اخذ عقولهم كل مأخذ عن مصير تلك " القائمة" التي ذاع صيتها بينهم منذ ان رفعتها هيئة مكافحة الفساد بالمحافظة الى المحافظ قبل مايزيد عن ثلاثة اشهر مضت حتى الان والتي تضمنت على تسعين اسماً من اسما المسؤلين المفسدين فيها وبعضاً ممن يمثلونها... واذ يتسآءل هولاء المواطنين عن مصير هذه القائمة التي اختفت بعد تسليمها الى السلطات المعنية بامرها والتي كان يفترض ان تتعامل وتتعاطى معها بكل حزم وصرامة حتى لا يفقد الناس الثقة الكبيرة التي وضعوها في القيادة الشرعية للبلاد التي تولت مقاليد الحكم فيها بعد سقوط نظام صنعاء البائد وحتى لا تغدوا هذه القيادة نسخة طبق الاصل من ذلك النظام البغيض الذي ظل يزرعها ويبذر بذورها ويتعهدها بالحماية والرعاية طوال سنوات حكمه.. فانهم وفي مقابل ذلك لا زالوا ينتظرون اجابات واضحة وشافية عن مصير هذه الوثيقة التي جرى تجاهلها والتستر عليها منذ صدورها قبل ثلاثة اشهر مضت على ذلك حتى الان....لتذهب جهود ومساعي هيئة الفساد التي بذلتها لانجاز هذا العمل النبيل ادراج الرياح...وكأن شيئا من هذا القبيل او ذاك لم يكن.... على انه وحين نجد انفسنا كمواطنين قبل ان نكون في مراتب اعلى من ذلك امام قضية وطنية مهمة تمس وتؤثر على مختلف جوانب حياتنا اليومية ايما تأثير كهذه القضية فانه لا يجب ابدا أن نتركها تمر علينا مرور الكرام في حين نلوذ بالصمت المطبق حيالها وكأن الامر لا يخصنا ولا تنعكس آثاره المدمرة علينا والا لاصبحنا جميعا ليس ضحايا لاخطبوط الفساد ومخالب المفسدين وكفى بل وشركاء معهم في الجناية على انفسنا فيه مالم نكن اشد خطرا علينا وعلى هذا البلد ومقدراته منهم...لان الصمت على قضية حساسة وبالغة الاهمية كهذه لن يساهم في تنامي ظاهرة الفساد واستفحالها بيننا وحسب بل فان ذلك انما سيجعله نظاما مشروعا للمفسدين ايضا .. ،وسيقود بالضرورة الى تكاثرهم وتشجيعهم وتهافتهم عليه....
وبالإضافة الى هولاء المفسدين الذين وردت اسمائهم في هذه القائمة التي باتت في حكم المجهول ، فان هناك شخصية أخرى أكبر وأهم منهم ، تستحق أن تنال نصيبها من النقد في هذه القضية بالذات.. ،لان المشكلة الحقيقية لا تكمن في الفساد والمفسدين بقدر ما تكمن بدرجة رئيسية في الرئيس الشرعي للبلاد الذي اكتفى بالصمت ولم يحرك ساكن حيالها! .. فلو كنا في بلد يسعى للتغيير وتحقيق العدالة بالفعل ومحاسبة المفسدين لكان المكان الوحيد الذي يفترض ان يذهب اليه هولاء النفر من الناس هو المحكمة عوضاً عن البقاء على كراسي المسؤلية التي سخروها لتحقيق مآربهم الانانية الضيقة على حساب مقدرات الوطن وحقوق المواطن المغلوب على امره فيه... إذا كانت "صرامة" الرئيس او من يمثله في السلطة مع امثال هولاء الفسدة من مسؤولي البلاد القائمين على شؤن العباد الذين يزيغون عن سواء السبيل تقتصر فقط على التوجيهات التي يصدرها الى هيئة الفساد لتقوم بمهمة اعداد قوائم باسماءهم وجرائم فسادهم كتلك التي رفعتها اليه مؤخرا في محافظة عدن، فماذا يمكن ان يتبقى لنا من امل قد نحمله في هذه الشرعية الدستورية التي تتشدق بهذا المصطلح وهي تتولى زمام القيادة في البلاد.....وماينطبق من هذا القول على الرئيس هادي ينطبق تماما على نائبه وعلى رئيس الحكومة وعلى محافظ المحافظة ايضا اكثر من اي مسؤل آخر سواهم....فيها وفي كل مرافق الدولة الواقعة تحت سيطرتها الشرعية.... نحن إذن أمام خطر كبير يتجلى في صمت القيادة الشرعية للبلاد ممثلة في شخص الرئيس هادي الذي مازلنا نراهن عليه ونضع فيه أملنا الوحيد لإنقاذ البلاد من هذا الظلم والفساد الذي يواجهه ابنا محافظة عدن التي يفترض ان تحظى بالاولوية القصوى من اهتماماته اكثر من اي محافظة اخرى فاذا به يكيل بمكيالين أو ثلاثة في تعاطيه مع مثل هذه القضايا. تماما كما كان يفعل اسلافه الساقطون.....
محاكمات المفسدين من امثال هولأ المسؤولين ليست شيء غريب أو جديد إلا في دولتنا الفتية التي تعتبره عملا غير مقبول وسابق لأوانه ، رغم تعدد الأصوات المطالبة بمحاكمة المفسدين و بالمساواة أمام القانون . صحيح أن معظم قيادتنا الوطنية متهمة في ملفات الفساد،وقضايا كان يفترض بموجب وظائفهم مكافحتها وكان من الطبيعي أن تؤدي بالمتورطين فيها من كل المستويات إلى ردهات السجون التي أعدت حسب التجربة للبسطاء والابرياء فقط من عامة الناس. لماذا ننعت كل من خالفنا الرأي بالخائن أو العميل ونغض الطرف عن كل المفسدين وعن الخونة الحقيقيين ..الذين غالبا ما نوجد لهم أعذار أو نقوم بالتستر عليهم أو عدم ذكرهم على الإطلاق رغم تورطهم الثابت للعيان الذي تعود مسبباته الرئيسية إلى اعتقاد المسؤول انه الأوحد والأعظم وانه فوق القانون ولا تجوز محاسبته مطلقا....
إذن وحتى لا تبقى دار أبو سفيان على حالها فانه يتعين على سلطة هادي ان تحسن اختيار المسؤولين على أساس القيم الوطنية والأخلاقية والكفاءات الفنية والمؤهلات التعليمية المشهود لها بالنزاهة والاخلاص..والحرص على مصلحة الوطن والمواطن. وتفعيل أجهزة الرقابة وتطبيق مبدأ المساءلة وتقويم أي فساد مالي وتغليظ العقوبات بحق المفسدين بالعدل ، ليرتدع كل من تسول له نفسه بالتطاول على الممتلكات العامة والخاصة ايضا . المشكلة التي نعاني منها هي عدم مساءلة ومحاسبة الفاسدين الكبار التي تشجع الصغار منهم على اتباعهم وسلوك طرقهم مما يؤدي إلى عدم استقرار المجتمع والتسابق على الفساد وتفشي ظاهرة الارهاب والقتل والجريمة وانتشار الأخلاق السيئة والظلم والكذب والنفاق والانتهازية والى زيادة الفوارق الاجتماعية وإعطاء الغير دون حقه والمماطلة في أداء الحقوق والواجبات، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها ويعيشها العالم اليوم . وسنواصل النشر حول هذه القضية....