عذرا بريطانيا، من حقك كدولة عظمى ن تحمي أرضك و شعبك و تهيئي لهم حياة حرة كريمة و إن أدى ذلك إلى التدخل في بلدان لم يكن لك فيها مصلحة إلا المردود الاقتصادي و تأمين سلامة الملاحة البحرية. و رغم ظروف مرحلة الاستعمار في الجنوب إلا أننا لمسنا نظاما إداريا ماليا متطورا و مساواة و عدلا في القضاء و هذا ما يؤكد عليه ديننا الإسلامي الحنيف. كما أن البصمات التنموية في القاعدتين الاقتصادية البشرية في عدن و دلتا أبين و غيرها قد جعل الناس هنا يحنون على تلك الحقبة من الزمن. أن أول الناس من هذه الفئات هم رجالات الثورة الذين كانوا يحلمون بحياة مزدهرة و رخاء لا حدود له و أمن و أمان ، و أن الجمهور سيجد لقمة عيشه على الأبواب.
حقا أنها أصبحت اليوم نكتة نادرة حيث يقول كل منهم للآخر أصبحنا نأكل بقية الفضلات من على الأبواب ، و بيوتنا مخربة و خدماتنا معلقة ، و انفلاتنا الأمني مخيف .
كما ان قياداتنا الذين كانوا يحذروننا من الاستماع إليكم ، أصبحوا في كنفكم و رعايتكم ، و هذا عين الحكمة و العقل .. لا بأس في ذلك . إن كانت الشعوب ستحظى بلقمة عيش كريمة .
كان شعارهم محاربة الرجعية و الاستعمار و الأئمة و السلاطين و هاهم اليوم يمتلكون المليارات و الملايين و الأحزاب و الصحف و القنوات الفضائية و الاقتصاد و السلاح و يحاربون شعبهم شمالا و جنوبا ، يحرقون كل مقومات الإنسان و الأرض و الحياة ، لم ينظروا إلى الجارة الشقيقة – سلطنة عمان – و كيف حالها ، مرتبات الكوادر المتقاعدين عندنا لا يتجاوز سبعمائة (700) درهم إماراتي. حرموا من قطعة أرض و سكن لهم و لأولادهم يعيشون غرباء ، و كان الله غافل عما يعمله الظالمون..
في تاريخ البلدان النامية تسرق الثورات و المنجزات لآخرين، فيعم الظلم والفساد ويتوالد الإرهاب والتطرف . .
إن أول القادة في الجنوب ( سالم ربيع علي ) أدرك مبكرا خطأ الثورة و الثوار و بدأ يشعر بالترهل و الفساد يستشري في الحياة العامة. لهذا أمر بالبحث عن كبير المهندسين العملاق ، الذي أشرف على بناء و إرساء دلتا أبين ، بناء و بنيان ، سدود ، ري ، إدارة ، زراعة ، تنمية زراعية مستدامة حولت الجهل و الحروب في المنطقة إلى أمن و أمان الخ .. ذلكم هو : السيد فرانك داوننج ، الذي كان لي الشرف أن عملت معه ، (مدير مكتب) . محاولة سالم ربيع لإعادة هذه القامة الرفيعة ، لم تفلح بل احتسبها عليه أصدقائه و رفاقه عمالة و خيانة فتم تصفيته .. ، (نظام المرحلة) .
هل تواطأت الجبهة القومية مع بريطانيا عند نيل الاستقلال ؟
كثر الحديث و الجدال حول هذا الموضوع . و الحقيقة أن بريطانيا كانت حاضرة مخابراتيا و لها ذيول في كل الجبهات . فهي تقيس مصالحها و أسلوب تعاطيها بما يكفل لها خلق مخططات إستراتيجية تساعدها على تسديد خسائرها و حرمانها من رعاية هذا البلد ، و في نفس الوقت تبحث عن بلدان مجاورة لتحط رحالها و لكن بأساليب و نفس لا يتوقف. هي فعلا فضلت تسليم الجنوب للجبهة القومية. بموجب توصيات ووثائق الاستقلال و تحت إشراف لجنة تصفية الاستعمار. هي تدرك جيدا أن مصير الجبهة القومية بحسب ميولها للاشتراكية سيكون لها ردة فعل مع جبهة التحرير ، التي لها أهداف معتدلة و تقترب من نفوذ عبد الناصر . المعادلة هنا تعكس الرؤى لخبراء التسييس والحكاية طويلة .
طبعا، الجبهة القومية استلمت وثائق الاستقلال فرحة على عجل ، فاتها إشراك بقية القوى التي على الساحة ، و لم تدرك أن مسمار جحا قد بدأ يدق الأجراس ، في الساحة ، و هذا أيضا ما كان يهدف إليه السوفيت و الغربيون ، لأن في ذلك مصلحة دولية لكل منهما.
باختصار شديد ، كان من ضمن بنود الوثيقة ، أن تدفع بريطانيا ستين (60) مليون جنيه إسترليني و على أن تبقى كافة المعدات العسكرية البريطانية في قاعدة عدن. فما الذي حصل ، المخابرات المصرية أوعزت لجبهة التحرير بالانتفاضة لتعطيل هذا الاتفاق ، و من جانب آخر حلفاء الجبهة القومية قاموا بنفس الدور و حدث الاقتتال الشنيع . هذا و كما نعتقد أن بريطانيا و حلفائها قاموا بإشعال الفتيل في أكثر من جهة.
استفادت بريطانيا من هذا الفراغ المرير فقامت بسحب جميع معداتها العسكرية من عدن، ولم تفِ بدفع المبلغ كما هو متفق عليه ، حتى أن صحيفة – التايمز- البريطانية نشرت وقائع هذه الأحداث و لامت الحكومة البريطانية على حرمان عدن من الأموال والمعدات. و من ظرافة بريطانيا أنها تركت سيارة على أعالي جبل شمسان ، و كان لسان حالها يقول لأبناء الجنوب ، قاتلوا بعضكم بعضا ، إننا لم نترك لكم إلا هذه السيارة وسوف تفتقدونا و تأتوا إلينا و لو بعد حين.
اللقاء في الورقة (4) و الأخيرة بعنوان علي محمد زين الجفري من أخطاءات تاريخ 30 نوفمبر 2015 م الثورة في الجنوب لقاءنا معكم في الورقة الرابعة...