قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث أحمد الحربي ل«الجمهورية»:ال30 من نوفمبر.. ميلاد وطن كامل السيادة
بمناسبة الذكرى ال47 للاستقلال الوطني
نشر في الجمهورية يوم 01 - 12 - 2014

ال30 من نوفمبر 67م هو يوم إعلان ميلاد وطن كامل السيادة وتدشين لمرحلة تاريخية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية لشعب رزح تحت نير الحكم الأنجلوسلاطيني لما يزيد عن قرن وربع قرن من الزمن.. بقدر ما يمثّل يوماً حلمت بالوصول إلى بجهته وأنواره أجيال من اليمنيين مستبشرين بفجر جديد صنعه المناضلون بكفاحهم وبسالتهم والتي لا تلين أمام تلك الظروف التي واجهتها الثورة مستلهمين بفكرهم السياسي الثوري العلمي وتنظيمهم الانضباطي الواعي حقائق وألاعيب الاستعمار وحلفائه وما نسجوه من مؤامرات لوأد ثورة 14أكتوبر 1963م المسلّحة، ولكن رغم ذلك فقد استطاع أولئك المناضلون بشجاعتهم وعقولهم.. أن ينتصروا لإرادة شعبهم في الحرية والكرامة, والعيش الكريم وتحقيق الاستقلال في نهاية المطاف، وخروج آخر جندي بريطاني من أرض جنوب الوطن في 30نوفمبر 67م.
حول مناسبة الاستقلال الوطني كان لنا أن نسلّط الضوء من خلال الأستاذ الباحث أحمد محمد الحربي، والذي تحدّث فقال:
بداية يطيب لنا أن ننحني وفاءً لأولئك المناضلين الذين صنعوا ملاحم بطولية رائعة من التضحية والفداء لولاها لما عرف الشعب اليمني معنى الاستقلال ولا ذاق طعم الحرية، ولا استعاد المواطن كرامته وتمكّن من ممارسة كامل حقوقه، رافعاً رأسه بشموخ واعتزاز.. إن الثلاثين من نوفمبر 1967م يوم إعلان ميلاد وطن كامل السيادة، وتدشين لمرحلة تاريخية، ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية لشعب رزح تحت نير الحكم الأنجلوسلاطيني لما يزيد عن قرن وربع من الزمان.. إنه يوم حلمت بالوصول إلى بهجته وأنواره، أجيال وأجيال من اليمنيين يوم كانت ساعته الأولى تبشّر بفجر جديد صنعه المناضلون بكفاحهم، وإقدامهم، وبسالتهم، وفي المقدمة منها فكرهم السياسي العلمي الثوري وتنظيمهم الانضباطي الواعي لحقائق وألاعيب الاستعمار وحلفائه، وما نسجوه من مؤامرات لوأد ثورة 14اكتوبر المسلحة.. حيث كانت هزائمهم المتلاحقة على يد وعقول، وشجاعة أولئك المناضلين، الذين استبشروا خيراً بقوله تعالى{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا} هذه الآية الكريمة التي كانت تُرفع فوق رؤوسهم، وفي مسيراتهم، وبياناتهم، وإذاعتهم، زادتهم إيماناً فوق إيمانهم، وكانوا عند وعد الله لهم، أعلنوا الثورة على الاستعمار والحكم السلاطيني العضوض، فانتصروا لكرامة شعبهم، وصنعوا تجربة، بل مدرسة خالدة في الكفاح والوطنية، وفي المجد والفخار، فلمن قضى نحبه منهم الرحمة، والخلود في جنّات الله ومن بقي منهم حياً لهم كل الاعتزاز، والفخار ولهم يجب أن تنحني الهامات، تكريماً وتقديراً وتبجيلاً لما قدموه، وما زالوا يقدموه لوطنهم ولشعبهم دون منٍّ أو تعالٍ، ولهم يجب أن نقدم كل أسباب الحياة الكريمة وفاءً، وعرفاناً لبطولاتهم ولصمودهم ولهم يجب أن تُضاء القناديل لتزيح عنهم ظلمة الليل، وغشاوة الرؤية.. بعد مسار طويل من العطاء والتضحيات.. لم يمدوا أيدهم لحاكم، ولم يرفعوا صوتاً يطالبون بحقهم في الكرامة التي صنعوا نسيجها، وشيّدوا مجدها خوفاً من أن يُشار إليهم، ولو بالقول فهاهم مناضلو ثورة الشعب وصنّاع الاستقلال يطلبون ثمن تعبهم وجلدهم, ولكنهم كانوا أكبر من كل الناس والأشياء، فخراً لهم، وما علينا جميعاً إلا إفساح الطريق أمامهم ليسيروا بأمان ويعيشوا بسعادة فلماذا لا تتجه إليهم الأنظار وتُمد إليهم الأيادي، لترفعهم فوق الرؤوس، وتدبج كتب التاريخ والجغرافيا، وعلوم السياسة مآثرهم، وبطولاتهم.. وفكرهم، وتنظيمهم بدلاً من حجبها، والضيق بهم.. كما نجدها مناسبة في ظل ظروف التعقيد السياسي اليوم لليمن أرضاً وإنساناً.. لنقول لمن لا يدرك مآلات التعقيدات السياسية اليوم: خذوا من قناديل الثورة والاستقلال نوركم، ومن عقولهم وأفكارهم حكمتكم، لا تصرّوا على السير في طوابير الأوهام، وأمامكم تجربة خلّاقة ورائدة ما زال رجالها بينكم.. كانوا مبدعين، لا مبتدعين وإن ابتدعوا فبدعتهم هداية لا ظلال.. كما هي فرصة مناسبة جداً أمام الشباب اليمني الذي أصبح لزاماً عليهم في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأكثر تعقيداً أن يتعلّموا من الدروس التي صنعها 30نوفمبر 1967م واستخلاص مهامهم، من نضالات الثورة التي حققت الاستقلال الوطني، ومن الاستقلال الوطني الذي حقق الحرية والكرامة للمواطن، وبناء الدولة الوطنية الديموقراطية، على قاعدة الفكر العلمي، بدلاً من الاعتماد على فضاءات مثقوبة مرقّعة باستراتيجيات وأهداف مخرومة.
وبعد هذه الإطلالة السريعة حول حدث هام وتاريخي في حياة الشعب اليمني ونضالاته وهو العيد السابع والأربعون للاستقلال الوطني 30نوفمبر 1967..نتابع:
مراحل ومحطات
.. ماهي المراحل والمحطّات التاريخية الأولى للاستقلال الوطني في جنوب الوطن؟
المراحل والمحطات الأولى للاستقلال الوطني يمكن اختصارها بإنهاء مراحل ومحطّات النضال الوطني والكفاح الثوري، للشعب وقواه التقدمية.. ولربما تكون أهم محطة تاريخية هي تلك التي تقرّر فيها إعلان قيام الثورة المسلّحة على الاستعمار البريطاني أو بالأحرى على الحكم الأنجلو سلاطيني والتي انطلقت في 14 أكتوبر 1963م.
ففي هذه المحطة الهامة.. انتصبت إرادة الشعب وانطلقت من مشروعية قضيتها واثقة من إرادة الشعوب من أجل الانتصار لقضيتها لا يمكن أن تُقهر، أياً كانت قدرات العدو وإمكانياته لا يمكن لها أن تصمد أمام إرادة شعب صمّم على النضال حاملاً سلاحه بيده ضد أعدائه، باتجاه الانتصار لقضاياه.. وهل كان بإمكان تلك الإرادة أن لا تنطلق بالثورة المسلحة للقضاء على الاستعمار، وأعوانه في الجنوب وقد حدث في شمال الوطن ثورة، وهي ثورة 26سبتمبر 1962م التي أعلنت القضاء على الحكم الفردي الثيوقراطي وإقامة الحكم الجمهوري الديمقراطي.. مما يشكّل للثورة المسلّحة على الاستعمار خلفية آمنة للانطلاق نحو أهدافها، دون أن تُصاب بطعنة غادرة من الخلف.. وهي محطة ثانية من المحطات التاريخية للاستقلال الوطني.. إلا إننا نعتقد أن أبرز وأهم محطة أولى وتاريخية للاستقلال الوطني هي انتظام الطلائع الثورية.. التي آمنت باستراتيجية الكفاح المسلّح، التي لا يعرف الاستعمار غيرها استراتيجية، تخرجه من الأرض التي احتلها بالقوة المسلّحة.. واستحوذ على مقدراتها، وموقعها، ووجّهها في خدمة مصالحه، تاركاً الشعب يئن تحت ركام من التخلّف الاقتصادي والاجتماعي ومدعماً للحكم السلاطيني العضوض أن يحول بين الشعب وتطوره.. ويعمل على رعاية حكم التخلّف وتدعيمه إلا أن تلك الطلائع الثورية على قلّة عددها وفاعلية تنظيمها، وفكرها السياسي العلمي، وقوة انضباطها الواعي، المسيّج بالجماهير الشعبية كانت أولى المحطات التاريخية للدفع بالشعب وقيادته للثورة المسلحة على الاستعمار وصولاً إلى الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر1967م.. إنها الطلائع الوطنية والقومية التي بنت تنظيمها السياسي والثوري الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل.. وهناك محطة رابعة لا تقل أهمية عن سابقتها وهي إن ثورة 14 أكتوبر 1963م التي انطلقت من رحم الواقع، وكان لها ذلك الزخم الشعبي الهائل لم تكن ثورة تعبّر الرصاص عن وجودها وإنما إلى جانب لعلعة الرصاص، ودوّي المدافع كان الفكر الثوري القائم على العلم والمعرفة واتباع استراتيجيات كفاحية لكل مرحلة من مراحل الثورة، كان هو العنوان الأبرز في المسار النضالي الطويل نحو الاستقلال الوطني حيث سقط على الطريق مدعو الثورة والانتهازيون، وقنّاصو الفرص، وظل الفكر الثوري العلمي ينير للشعب طريقه لاستعادة كامل حقوقه بقيادة الجبهة القومية ولا يمكن في سياق الحديث عن المحطات الأولى والتاريخية للاستقلال الوطني 30 نوفمبر 1967 أن ننسى ما كان لثورة 26 سبتمبر 1962 والتنظيمات الشعبية، وثورة 23 يوليو 1952م والرئيس العظيم جمال عبدالناصر من أثر ودور فاعل في إسناد الثورة وطلائعها حتى الاستقلال وبعد الاستقلال وليس هناك مكان للحديث عن دور عبدالناصر كقائد لحركة الثورة العربية وكذا قيادة ثورة 26 سبتمبر 1962م فلذلك مكان آخر.
استراتيجية الكفاح المسلّح
.. كيف لنا أن نعرف عن عملية الكفاح المسلّح أثناء تلك الفترة؟
يمكن تعديل السؤال بحيث لا يكون كيف نعرف عن عملية الكفاح المسلح أثناء تلك الفترة، يجعله يتعلق بالاستراتيجيات والأهداف وأساليب النضال المسلّح ووسائله فذلك يساعدنا جميعاً للاقتراب أكثر لمعرفة الثورة المسلّحة ثور 14 أكتوبر 1963م، في البدء يمكن القول إن تنظيم حركة القوميين العرب في إطار الواقع العربي المزري كان التنظيم قد أقر أن استراتيجية الكفاح المسلّح هي الاستراتيجية الأساس التي يمكن أن تكون أفضل الاستراتيجيات وأكثرها ضماناً للتحرّر من الاستعمار والاستبداد وفي عام 1959م كان المناضل قحطان محمد الشعبي الذي كان عضواً في تنظيم رابطة أبناء الجنوب العربي هو وكثير من مثقفي الجنوب قد اقتنع بعد أن كان يعمل كمهندس زراعي في محطة الكود بسلطنة أبين اقتنع باستراتيجية الكفاح المسلّح التي أقرّها تنظيم حركة القوميين العرب، فخرج من رابطة أبناء الجنوب والتحق بتنظيم حركة القوميين العرب فرع اليمن، وفي كتابه الذي أصدره مطلع الستينيات عن الاستعمار البريطاني وشعب الجنوب أشار إلى إنه اقتنع باستراتيجية الكفاح المسلّح لإخراج الاستعمار وتحرير الجنوب، وعندما قامت ثورة سبتمبر 1962م عُيّن وزيراً لشؤون الجنوب اليمني المحتل وخاض مع رفاقه حواراً مطوّلاً حول تجميع القوى الوطنية في الجنوب لمواجهة الاستعمار البريطاني وعملائه بهدف التخفيف عن الضغط البريطاني وبعض أمراء الجنوب على ثورة 26 سبتمبر 1962م وفي الأخص الجبهة الشرقية، حيث فتحت بريطانيا عبر شريف بيحان جبهة معادية لثورة سبتمبر وكانت من أقوى الجبهات المعادية للثورة عتاداًً وعدّة ولكن تلك المحاولات باتت بالفشل مما دفع بالطلائع المناضلة الذين جاءوا من كل أراضي الجنوب ليدافعوا عن ثورة 26 سبتمبر 1962م من لحج والضالع والصبيحة وردفان والعواذل والعوابل وأبين ويافع إلى الضغط على المتحاورين في صنعاء للإسراع بإعلان الثورة المسلّحة على الاستعمار في الجنوب.
أما عن عمليات الكفاح المسلّح أثناء تلك الفترة فكما هو واضح في ما أوردته كثير من الحقائق والوقائع التاريخية إن المناضل راجح بن غالب لبوزة الذي كان على رأس جماعة مناضلة من أبناء الجنوب إلى جانب ثورة سبتمبر في جبال الشمال في المحابشة وغيرها عاد إلى ردفان ليواصل الكفاح ضد الاستعمار وعملائه وفي يوم 12 أكتوبر 1963 كان قد وصل إلى جبال ردفان ودارت معركة عسكرية وحربية بين مناضلي الثورة وقوات السلطان والحكومة البريطانية التي استخدمت المدافع والدبابات والطائرات ضد المناضل لبوزة ورفاقه حتى استشهد ليكون استشهاده إيذاناً بإعلان الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل الثورة المسلّحة ضد الوجود الاستعماري والحكم السلاطيني، وكان ذلك في بيان أصدرته الجبهة القومية لتنظيماتها السرّية وانطلاقة الثورة المسلّحة على الاستعمار وأعوانه حتى النصر ومن يومها بدأت جبهات القتال ضد الاستعمار وأعونه من جبال ردفان الشمّاء لتشمل مختلف المناطق حسب خطط وأهداف الكفاح الذي تحدده قيادة الجبهة القومية، فكانت جبهة ردفان والشعيب، وحالمين أو الضالع، وبرز قادة على مستوى المسؤولية لإدارة جبهات القتال أمثال علي عنتر صالح مصلح أحمد البيشي مطلق عبدالله عبدالله المجعلي سالم ربيع علي الذي كان قائداً لجبهة المناطق الوسطى، والدقم، وعبدالحميد الشعبي في جبهة الصبيحة، والمناضل الكبير عوض الحامد الذي كان ضابطاً في جيش سلطنة لحج، مع القائد مرسي الذي خرج وقواته من لحج مع السلطان علي عبدالكريم على إثر اقتحام القوات البريطانية للسلطنة عام 1958م، وهناك المناضل علي شائع هادي، وأحمد حاجب، وعشرات المناضلين الأبطال، وكلّهم كانوا أعضاءً في حركة القوميين العرب فرع اليمن، إلى جانب المناضلين السياسيين والقادة التنظيميين أمثال علي أحمد السلامي، وسالم زين، وعبدالباري قاسم، وطه مقبل، ولمزيد من التعرّف على أوائل المناضلين يمكن الرجوع إلى كتاب وثائقي عن تاريخ ثورة 14أكتوبر 1963م الصادر عن التوجيه المعنوي صنعاء عام 2002م، وتعد أهم جبهة نضالية ضد الاستعمار جبهة عدن، ومدنها حيث ليس مركز قيادة القوات البريطانية وحسب، بل ومركز القرار السياسي للمندوب السامي البريطاني، وأجهزة الاستخبارات البريطانية، وأهمها جهاز “إم أ 6» الذي جرى تكوينه من ست دول، وهو الجهاز الذي كان يعمل تحت إشراف رئيس وزراء بريطانيا لأهميته في مواجهة الثورة اليمنية شمالاً وجنوباً، ومحاربة الوجود المصري في اليمن، والحركة القومية العربية بزعامة جمال عبدالناصر.. عدن، تلك الجبهة المحصنة بمختلف القدرات المادية والعسكرية والاستخبارية، استطاع تنظيم الجبهة القومية أن يفتح النار في أهم وأعقد جبهة ضد الاحتلال وأعوانه.. ولما لتنظيم الثورة من أهمية واستعداد، وتضحية لا مثيل لها في المنطقة، ولا يشبهها في الكفاءة التنظيمية في مواجهة إمكانيات عسكرية ولوجستية ضخمة إلا ثورة المليون شهيد في الجزائر، جبهة عدن ومدنها التي قاد خلايا تنظيمها بأعلى مستوى من التنظيم والقيادة، والإدارة الناجحة، المناضلان عبدالفتاح إسماعيل، وفيصل الشعبي، وعبدالرحمن عمر، ومهيوب علي غالب “عبود” ومدرم.. وغيرهم.. كانت من أقوى وأمضى الجبهات من حيث صعوبة التضاريس، والإمكانيات الكبيرة للأعداء ولتفصيلات هامة ذات قيمة نضالية يمكن الرجوع إلى كتاب أحد مناضلي الثورة، محمد سعيد عبدالله “محسن” «عدن انتصار شعب وهزيمة إمبراطورية».. ففيه يمكن التعرّف على أهم وأبرز عمليات الكفاح المسلّح لثورة 14أكتوبر 1963م.
الجماهير لعبت دوراً في مساندة الثورة
.. ماذا عن الدور الذي اضطلعت به الجماهير اليمنية، سواءً من خلال الأحزاب السياسية، أو النقابات العمالية؟
الجماهير اليمنية على ساحات الوطن اليمني لعبت أدواراً مهمة في الانخراط في الثورة المسلّحة، وفي دعمها مادياً ومعنوياً.. والحق يُقال: «إن تاريخ ثورة 14أكتوبر 1963م يتميز بالعديد من الخصائص التي جعلت من الثورة ثورة حتى النصر، ومن الانتهازية انتهازية، كشفت عن معدن الرجال وأصالتهم، عن ثوريتهم، وقدراتهم التنظيمية، وعن مستوى تفكيرهم السياسي الواعي، والثوري، الذي وجّه الثورة وقادها حتى النصر، وخروج الاستعمار، ونهاية حكم الاستعمار والسلاطين.
الثورة التي أسقطت أنظمة حكم 22ولاية وإمارة وسلطنة، مع قاعدة عسكرية بريطانية ضخمة في عتادها وعدتها، وتجهيزاتها، وحققت الاستقلال الوطني من الهيمنة الخارجية ووحّدت أرض الجنوب تراباً، وبحراً، وجوّاً في دولة يمنية مستقلة وكاملة السيادة.
مَنْ من المناضلين والسياسيين يستطيع أن يتجاهل دور الجماهير اليمنية في دعم وإسناد الثورة المسلّحة، فالنقابات العمالية، وبالأخص النقابات الست ألم يكن دورها جماهيرياً في إسناد الثورة؟، ألم يكن عبدالفتاح إسماعيل عاملاً فنياً في شركة المصافي، وعضواً في نقابتها؟، وكذلك محمد صالح عولقي ألم يكن قائداً عمالياً، مثله مثل عبدالرزاق شائف، المدرّس في مختلف المدارس، ومحمود عشيش ألم يكن نقابياً، ومنصف الصراري، وسلطان الدوش وعبدالله عبدالمجيد السلفي وعبدالقادر أمين، ألم يكن هؤلاء وعشرات غيرهم نقابيين، وقادة سياسيين، ومنظمين في تنظيم الثورة؟، والمرأة ألم يكن دورها رائعاً وعظيماً في الثورة؟، نجوى مكاوي، عائدة علي سعيد، زهرة هبة الله علي، شفيقة وجوهرة، وبنت الصائغ.. وغيرهن، ألم يكنّ جميعاً من القيادات النسوية في الثورة؟، في المدرسة؟، أو في البيت وفي الشارع، والنوادي الأهلية على اختلافها من نادي الأغابرة والأعروق إلى الجمعية اليافعية، إلى جمعية أبناء البيضاء إلى النوادي الثقافية والرياضية كان يقود هذه التنظيمات الاجتماعية أشخاص عُرفوا بارتباطهم بالجماهير، وتنظيمها، ف عبدالرحمن محمد عمر، رئيس نادي الاتحاد العبسي، والرياضي الحبيشي لاعب كرة، وكانوا أعضاء في الجبهة القومية، وفي قيادتها، حتى الجنود والضباط الصغار والمعلمين، شاركوا في الثورة وقادوا الجماهير في الأحياء والمدن للدفاع عن الثورة.. أما عن الأحزاب السياسية ودورها في الثورة فعن أي أحزاب يمكن الحديث؟.. إن تاريخ الأحزاب السياسية المعلن وجودها كان معروفاً موقع وموقف كل حزب من الثورة، وبالعودة إلى كتاب المناضل سعيد الجناحي عن تاريخ الحركة الوطنية فإنه يجيب عن هذا السؤال.. أما الأحزاب السياسية ذات الطابع التنظيمي السرّي، فقد تفاوتت مواقفها من الثورة المسلّحة ما بين متذبذب ورافض، ومؤيد، ومساند.
أمرٌ صعب
.. إذا لم يكن هناك كفاح مسلّح، هل سيتحقق الاستقلال في 30نوفمبر 1967م؟
هل كان بإمكان الاستعمار البريطاني بقاعدته العسكرية المرابطة في أهم موقع استراتيجي يربط بين قارتين من أكبر قارات العالم، آسيا، وأفريقيا وفيهما تتركز مصالح الاستعمار القديم وحتى الجديد اليوم أن يخرج من المنطقة بدون ثورة مسلّحة، حتى مع وجود لجنة في الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار، كان الاستعمار سيرحل من اليمن، وهي بمثابة جوهرة تتوّج تاج إمبراطوريته التي لا تغيب عنها الشمس.. أمر صعب خاصة والجبهة القومية كانت تدرك إن انسحاب القوات البريطانية من مصر، والسودان لم يكن انسحاباً من المنطقة، وإنما تكثيفاً للوجود الاستعماري في المنطقة، فالقوات البريطانية المنسحبة من مصر والسودان، لم تذهب إلى إنجلترا، وإنما إلى عدن وما يحيط بها من جزر، ووجودها مازال قائماً ولكن خارج النطاق الجغرافي للثورة المسلّحة التي قادتها الجبهة القومية.. ومن كان يؤمن بهكذا قول فهو واهم.
كان عبارة عن فخ
.. هناك من يزعم أن الاستعمار البريطاني كان قد وعد بأنه سيسلّم عدن في 1968م فكيف ترى ذلك؟
ذلك ما جعل بعض قيادات الأحزاب تقع في فخ رفض الثورة، اعتماداً على ما جاء في الكتاب الأبيض لحكومة العمال البريطانية التي أوردت فيه أنها ستصفي وجودها من عدن كمستعمرة، وهذا الوهم جعل الكثير منهم يتهم الثوار الذين شقوا طريقهم بالسلاح والفكر السياسي وبالجماهير الشعبية لقتال المستعمر وأعوانه، ووصفوهم بمختلف الأوصاف وصولاً إلى درجة العمالة، كيف يكون الثوّار حاملين السلاح لإخراج المستعمر من وطنهم وقلب بنية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها المستعمر وحلفاؤه أن يكونوا عملاء، ويصبح الواهمون والعملاء ثواراً؟.
الجيش لم ينضم
ماذا عن دور الجيش الاتحادي في تلك الفترة، ولماذا نضم إلى الجبهة القومية؟
الجيش الاتحادي يومها، ما هو إلا الاحتياطي الاستعماري لقيادة مرحلة ما بعد تصفية الاستعمار وفقاً للكتاب البريطاني الأبيض.. وهو ككل جيش يبنيه الاستعمار.. ما عدا أولئك الذين ميّزوا وجودهم في وحداته، وقواته عن ذلك الجيش، والفضل يعود في ذلك للتنظيم الثوري للجبهة القومية، أما عن لماذا انضم للجبهة القومية؟.. فهذا سؤال فيه من الغرابة، قياساً للتاريخ جيش مبني على عقلية ومصلحة معينة.
يرى الطوفان في جريانه المتسارع أمامه فهل يقف في مواجهة الطوفان؟ كي يتم جرفه، ومازال معوّلاً عليه القيام بما يُراد منه؟
هذا جانب، والجانب الآخر ما لعبه تنظيم الجبهة القومية داخل صفوف هذا الجيش وقواته، ومن دور تعبوي وتنظيمي وكان مساعداً للثورة، لا ضدها، ألم تنشط قوات البوليس في مدينة عدن، على الاستعمار وحكومة الاتحاد.. بعد أيام من هزيمة حزيران 1967م؟ فهل كان بمقدور قيادة الجيش الاتحادي التي عاشت الحدث يومها، أن تواجه جيش التحرير، أم إن المهمة كانت تقتضي منه غير ذلك ؟، جيش الاتحاد لم ينضم الى الجبهة القومية.وإنما أعلن عن حقيقة الوضع القائم يومها، باعترافه بأن الجبهة القومية هي القوة المعبرة عن الشعب، وإلا لماذا قيادة هذا الجيش الاتحادي أقدمت على تنفيذ انقلاب 20 مارس 1968م ضد سلطة الجبهة القومية إن كان قد انضم إليها؟، إنها أوهام الاستعمار، أو لنقل سلاح استعماري ولكن بخناجر وبنادق من خشب، عندما تكون هناك ثورة.
فشلت استراتيجية ضرب الثورة
.. ماذا عن المفاوضات التي جرت بشأن الاستقلال، سواء ما يخص المحادثات في القاهرة أو المفاوضات في جنيف؟
المحادثات التي فُرضت من جامعة الدول العربية على وفد الجبهة القومية للقبول بما تم حدوثه من دمج قسري بين الجبهة القومية ومنظمة الوزراء والسلاطين.. كانت أحد ثمار الفكر السياسي الثوري العلمي لقيادة الجبهة القومية، وثوارها، في الميدان يسقطون مناطق الحكم السلاطيني، والنفوذ الاستعماري وهم في الطريق لمحاصرة القاعدة البريطانية في عدن وقتالها، هل يمكن تسمية ضغط سياسي في إطار جيوسياسية لا ترغب بها الثورة وتنظيمها، حواراً لقد فشل الحوار أو المفاوضات على أرض الواقع، وسقطت مع فشله استراتيجية جيوسياسية كانت تستهدف ضرب الثورة.. أما عن مفاوضات جنيف، باعتراف حكومة الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، كانت مفاوضات صعبة ودقيقة.. ولم تكن بريطانيا، بسياساتها ذات الأبعاد العميقة في الآثار والنتائج، وصاحبة الخبرة الواسعة بالقبول بالخروج من الباب لتعود بأسرع وقت من النافذة، وبخبرة دبلوماسيتها لم تكن مفاوضاتها مع وفد الجبهة القومية سهلة وميسورة سواءً من حيث الخبرة أو البعد، فقد واجهت بريطانيا شباباً على مستوى من الإيمان والعمق بقضيتهم وعلى دراية بما ناضلوا من أجله، وكشفوا كل حيل بريطانيا ودبلوماسيتها، وانتزعوا اعترافاً غير عادي من إمبراطورية كثيرة الدهاء, كان الوفد المفاوض عن الجبهة القومية - ممثلة الشعب - عملاقاً في رؤيته وموقفه وهدفه، أسقطوا إلى جانب قداسة الاستعمار القديم طموحات الاستعمار الجديد وحدوا المجزّأ من الأرض وعزّزوا الهوية الوطنية وصنعوا تجربة تنموية ناجحة بإمكانيات محدودة، وفي ظل استراتيجية دولية فرضت على الدولة الوليدة حصاراً ليس سياسياً، بل واقتصادياً وجند كل أجهزة ومنابر الإعلام والثقافة للإساءة لحكم اليمن الجديد، وخلال سنوات قليلة تمكن منتزعو الاستقلال الوطني أن يهتموا بخدمة المجتمع، من خلال استراتيجية الاعتماد على النفس في تنمية المجتمع، فلم تمض ثلاث سنوات من الاستقلال، إلا وهناك برامج عمل تتجه إلى أبناء الشعب، وتم بناء جيل جديد بل شعب جديد يرتبط بالأرض ويمجّد العمل، ويحقق المشاركة، ويلغي استغلال الإنسان للإنسان، وبالإنسان، فكانت العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات وإلغاء التمييز في المداخيل وجعل القطاع العام هو القائد لعملية النهوض الاقتصادي مع احترام ملكيات القطاعات الأخرى، وضمان حقها في المشاركة.. فتم القضاء على الأمراض المستوطنة والمدارية.. وتوفرت خدمات الصحة والتعليم ومجانيتها لكل المواطنين، ولا يعني ذلك إن كل تلك المنجزات التي أعلت من قيمة الإنسان وكرامته كانت بلا أخطأ فهناك بعض منها ارتُكبت ولكنها لا تُقاس بقيمة التجربة التي شقّت طريقها بفاعلية ولو لم تكن التآمرات ضخمة والحصار واسعاً، لكانت دولة الاستقلال قد أرست تجربة متميزة ذات قيمة تاريخية عالية من حيث الرؤية والمنهج والعمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.