مع تقدم التكنولوجيا، صارت السينما متاحة لشريحة عريضة من الهواة والشغوفين بالسينما. يؤكد المخرج اليمني الشاب أسامة الفقي أن انطلاقة السينمائي تبدأ عندما يقرر هو ذلك، فأول تجربة له بدأت بكاميرته المنزلية عن حياة عامل وهو في ال17 من عمره. لكنه يدين للشاعر الإنكليزي وليم شكسبير بأول تجربة لإخراج فيلم درامي قصير. كان أسامة أحد ثلاثة مخرجين شباب نجحوا في مشروع «قمرة 2» الممول من المجلس الثقافي البريطاني في اليمن، وهو عبارة عن ورشة لكتابة وتصوير وإنتاج ثلاثة أفلام روائية قصيرة، تتناول قضية يمنية مستوحاة من مسرحيات شكسبير، تراوح مدتها بين الخمس والعشر دقائق. ففي سياق التحضير للاحتفال بالذكرى المئوية الرابعة لوفاة شكسبير الذي صادف 23 نيسان (أبريل) 2016، قدم المجلس الثقافي البريطاني برنامجاً ثقافياً حول العالم، لدعم أعمال سينمائية أو مسرحية مستوحاة من مسرحيات شكسبير. وحضرت اليمن على رغم ظروف الحرب، بإنتاج ثلاثة أفلام قصيرة: «مسرح الحياة» مقتبس عن مكبث، و«في الداخل» عن عُطيل، و«الجانب الآخر» عن هاملت. عبرت رويدا الخليدي مديرة مشروع «قُمرة» عن المستوى الجيد للأفلام. ونسبةً للزمن القصير المُتاح لهم والإمكانات البسيطة قالت إنها رائعة. إضافة لظروف الحرب، إذ يصعب استخدام كاميرا لتصوير مشاهد خارجية. تعالج الأفلام الثلاثة مسرحيات شكسبير أو تعيد اختزالها في نصوص ليست مطابقة كلياً. تدخل الغيرة قلب الزوج الشاب دون وسيط أو واش في فيلم «في الداخل»، بل نتيجة توهمه الشخصي. لكن هل نتعامل بجدية، نتيجة عدم تطابق اللون بين بطل الفيلم وعُطيل شكسبير؟ تتجسد شخصية هاملت في «الجانب الآخر» من خلال العم نفسه أو الخائن، عبر إحساسه بالذنب. وهذا التداعي لمونولوج الخيانة، يقحمه الفيلم على النص الشكسبيري، إذ تتمثل الكينونة لدى هاملت الطالب للانتقام. لعل المسألة تطلبت إيضاح المخرج للمشاهدين الحاضرين في مؤسسة بيسمنت الثقافية، حيث عُرضت الأفلام، أو ما أراد بوستر الفيلم قوله. ومع انعدام قاعات السينما، تم اللجوء لتقنية البروجكتر. أخذت الحوارات مساحة صغيرة في الفيلمين، لكنها تنعدم تماماً في «مسرح الحياة»، بينما يتمعن المحقق في دفتر دوّن فيه الضحية هواجسه قبل الانتحار. تتولد أسئلة سحرية يجيب عنها، ليلعب الحبر دور المرآة المكبثية للطموح المدمر. من وجهة نظر الناقد رياض حمادي، كانت الأفلام جيدة، قياساً لقصر مدة التدريب. فهي تنم عن موهبة في مجال التصوير والإخراج والأداء. يهدف مشروع «قُمرة» إلى تنشيط السينما في اليمن، ويرجو القائمين عليه أن يستمر كل عامين. وهذا مرتبط بالأوضاع السياسية. ففي دورته الأولى 2015، تم تدريب الشباب الهواة لإنتاج أفلام وثائقية، وتمخض عن المشروع تصوير أربعة أفلام قصيرة تتحدث عن معاناة أفراد خلال الحرب. لقد منح شكسبير فرصة أخرى لهم هذا العام، إذ تأهل 32 شاباً ضمن أكثر من 200 شاب تقدموا للدورة الثانية. بدأ المجلس الثقافي البريطاني في دعم النشاط السينمائي باليمن عبر مشروع «زووم» في 2010. كان عبارة عن مسابقة لتدريب السينمائيين الهواة، إذ وفر لهم مدربين بريطانيين، قاموا بتدريب المتأهلين في إحدى الدول العربية. ونتيجة ظروف الحرب، لم يكن سفر المتدربين متاحاً، فإما أن يتوقف العمل أو تكييفه بما يتناسب مع الوضع. لكنهم استعانوا هذه المرة بمدربين يمنيين، أحدهم المخرج عبدالرحمن حسين وهو أحد خريجي «زووم»، وبالتعاون مع مؤسسة سابورتج يمن، تم تدريبهم في صنعاء. تحدثت يسرا إسحاق منسقة المشروع، وهي أحد أعضاء سابورتج يمن، عن دورهم في الإشراف على طريقة الإنتاج والتصوير إضافة إلى الإشراف الإداري. كما أنهم ملزمون بعدم تعريض أي شخص للخطر نتيجة الأوضاع الأمنية. استغرق مخيم التدريب وتصوير الأفلام مدة شهر. وتم تقسيم عملية التدريب إلى فئات، كل فئة استمرت ثلاثة أيام، بدأوا بكتاب السيناريو لتجهيز نصوصهم، وخلال ثلاثة أسابيع اكتملت عملية التدريب؛ إضاءة، إخراج، تصوير، أداء. وفيما تبقى لهم من أسبوع كان على المشتركين تصوير أفلامهم. لقد حرص القائمون على المشروع إعطاء فرص متساوية لشباب يمنيين من جذور مختلفة، ليترتب على ذلك صدى متعدد. وبما أن أعمال شكسبير تحيا، وتلامس مواضيع يعيشها الإنسان في أي زمن أو مكان، أرادت الأفلام تجسيد الواقع اليمني، لإبراز حضارته وثقافته. واجه صانعي الأفلام التحديات التي مثلتها الحرب، اختفاء الكهرباء والأوضاع الأمنية، مع ذلك بأدوات بسيطة ظهرت بذرة مواهب حقيقية بحاجة للاستمرار وصقل مهارتها. فهل ستستمر تلك المغامرة لتنشيط سينما متعثرة الولادة في اليمن؟