التعليم هو ينبوع العبقرية، وسر تقدم الشعوب والأمم، وإذا أردت أن تقيس مدى تقدم أي أمة فانظر إلى حالة التعليم والمتعلمين فيها. في الاستبيانات العالمية السنوية عن الجامعات وترتيبها من حيث الجودة، وارتباطها بالمجتمع ،وما يخصص لها من الميزانية، دائما نُتحف بأن جامعات العالم الراقية التي تحصد المراتب الأولى هي الجامعات التي تمنح القدر الأكبر من الميزانية وفي البلدان التي يحترم فيها الحكام قيم ومبادئ الحياة، ويقدسون العلم، ويجلّون المتعلمين. أما في (بلدان الصراع العربي والحروب العربية) - واليمن التعيسة ،عفوا السعيدة نموذجها الأول- فأهم شيء فيها الجيش والأمن والقوات الخاصة التي يديرها قرود في هيئات بشرية ، وكذلك ميزانية شؤون القبائل واللصوص ،والحمد لله فقد تطورنا أخيرا بأن أصبحت الدبابة في متناول القبيلي والبلطجي والمقاوم والسارق ولم يتبق إلا المطارات الخاصة وبعدها سيمتلك الناس طائرات (وهات ياطحين). أذكر فيما أذكر أن بعضاً من الجامعات الإسرائيلية حصدت المراتب الأولى في استبيانات أعوام مضت، كما إن إيران التي قامت فيها الثورة في 1979 - بعد ثورتي اليمن بستة عشر عاما - فإن الاهتمام الأول للعلم والبناء والتنمية - وأقصد في إيران- ولا يتقاتلون بينهم أبدًا ، كما إن رؤسائهم لا يستوردون آخر الموديلات اليابانية، بدليل أن محمود أحمدي نجاد كان يناطح أمريكا و أوربا وهو تحت الحصار، ولم يشتر سيارة شخصية من خزينة الدولة، بل استمر بسيارته البيجو القديمة . في اليمن اشترط حزب الإصلاح بعد ثورته المزعومة التي ركب موجتها وضيعها بعد أن رقّد شبابها المخلصين في القبور- اشترط تجنيد أكثر من 53 ألف جندي ونفذ له صخر الغبي المتعصب الذي سمي (وجيها) والوجاهة منه براء بشخطة قلم وبضحكة واتصال بينه وبين الجنرال العجوز (الذاهب العائد) الذي يريد العودة من النافذة. كذلك اشترط أعداء الله، -عفوا أنصار الله- تسجيل ما اشترطوا عليه في الجيش والجهاز الأمني والكليات العسكرية المختلفة ، بل تجاوزوا ذلك وادخلوا البلد في حرب لانهاية لها وأتت على الأخضر واليابس . في وطني المذبوح المثخن بالجراح، كن فوضويا ، بلطجيا، متجردا من قيم الحياة، وبلا أخلاق ولا تعليم، ومنافقا ومتعصبا ، سينفذون لك ما تريد. في وطني المذبوح لا يوجد مغضوب عليهم إلا من يحترمون ويقدسون قيم الحياة ، وحملة الشهادات العليا . بالله عليكم يا قوم : كيف يتم استيعاب عشرات الآلاف من مجندي الأحزاب والمليشيات وتعجز دولة وحكومة عن وضع حل لمنتدبي جامعة عريقة كانت ومازالت تمثل وطن مغدور مسلوب بُني بدمع العين ، ويحملون شهادات عليا، وعددهم في أكثر من 22 كلية ومعهد ومراكز بحوث لا يتجاوز 700 ، وربما أن ميزانية عدد كبير منهم مرصودة في وزارة المالية ويحملون فتاوى نقل (خفض وإضافة)، وما تبقى منهم، بعضهم موظفون ويدرسون في كليات الجامعة وتنقصهم فقط فتاوى النقل، وبعضهم الآخر أيضا منتدبون في الجامعة وهم بلا وظائف ومن حقهم الحصول على وظيفة وأيضا التعيين ، فالجميع خدموا الجامعة سنين طويلة وبلا مقابل؟. أليس عيبا أن يُعرقل هؤلاء لمجرد أن صخر الوجيه حلف طلاقا - كما قيل- أن يحارب عدن وجامعة عدن التي عاش فيها طفولته واستجار بها هو وأقاربه يوم أن تنكرت لهم أرض وسماء الشمال؟ يا أهل الحل والعقد ما هذه المفارقة العجيبة التي تشيب من هولها رؤوس الولدان؟ ولماذا لا تلتفتون لمن أمضى خمسة عشر عاما في الجامعة وتخصصون المليارات للبلاطجة والمليشيات واللصوص؟ وكيف لا يتحطم إنسان حصل على الدكتوراه وهو بلا راتب ، وإن وجد فلا يوفر له قيمة الخبز وحبات الأرز الجافة؟. كيف لا يتحطم إنسان أمضى أحلى أيام عمره في الجد والاجتهاد وطلب العلم ولا يجد له كوخاً يقيه ويقي أطفاله من زمهرير الشتاء وقيض الصيف، ومعاشه الشهري أربعون أو ستون ألفا- إن لم يكن من الذين تقاعدت أرواحهم وذوت زهور أيامهم قبل أن يبزغ نور الوظيفة من وراء عتمة السنين العجاف؟ كيف لا تهاجر العقول؟ ومتى يمنحنا هذا الوطن الكرامة المفقودة؟ متى ترتوي قلوب الملايين البائسة، وتعود ملايين الطيور المهاجرة- اغترابا- نتمنى على الحكومة أن تعجل النظر إلى ملف منتدبي جامعة عدن، كونه ملف مزمن، سئم أصحابه الوعود والمهدئات، واشتدت الآلام بالجسد ولربما يكون التدخل الجراحي حلا أخيرا ،حتى تعود العافية لجسد الجامعة . يستبشر المنتدبون خيرا بإنسانية وتواضع د. حسين با سلامة الذي يشعرون أنه يشاطرهم الهم، ولا يريدون منه حلولًا سحرية ..... هم فقط يريدون لفتة بتعيينات إدارية تبعث الأمل في نفوسهم ويبرئون ساحته - في هذا الظرف- من النقل المالي. وهمسة في آذان أعضاء مجلس الجامعة من عمداء الكليات وغيرهم بالدفع بهذا الملف وحلحلته والكرة في ملعبهم، أما أن يسكتوا على هذا الضيم فالمطالب ستتغير والوطن للجميع ولا فضل لأحد على أحد إلا بما فضل الله وبالحق. كل إناء بما فيه ينضح، ولتعلموا أننا لسنا سذج ولا فيران تجارب وإراداتنا التي أرغمت أنوف المعتدين لن تلين ولن تخور أمام لصوصيتكم، فالجامعة هي العنوان ومنها ستكون البداية، وشعبنا يعرف أن اللصوص والفاسدين ومن تجاوزهم التاريخ لن يضللوا عليه ويكفي حرمان ويكفي بؤس .