كنت في مصر العام الماضي وتحديداً في التحرير بالقاهرة أمام مبنى الأحوال المدنية ، وبينما أنا عابر رأيت جمع غفير من الناس بشكل طابور ، فحاولت الإقتراب منهم فوجدتهم سوريين عراقيين ليبيين ويمنيين ، تحدثت مع شاب عراقي في ربيع العمر وسألته ماذا تعملون هنا؟ أجابني وهو منهمك ومتعب ، أتابع لاستخراج تأشيرة لأهلي ، توقعت أن شروط التأشيرة بسيطة وروتينية ، قلت له : تستلمها اليوم ، أجابني : لا لا لا ..... مستحيل قل يارب يوافقون لي بعد أسبوعين وما يعطوني رفض كما أعطوني المرات السابقة.
فتعجبت وقلت مصر مفتوحة للجميع ولا أعتقد أن يرفضوا أحد ، أجابني وقال : السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين نادراً ما يحصلون على التأشيرة ، لم أصدق ذلك إلا عندما رأيت أوراق الرفض وكذلك مجموعة سوريين وليبيين بنفس الحالة.
ذهبت وأنا متعجب ومتساءل مع نفسي!!
العراق التي كانت تحتضن 4 مليون عامل مصري في عهد الرئيس الراحل صدام حسين الذي قال فيهم مقولته الشهيرة وهو يخاطب العراقيين "من أساء إلى مصري فكأنما أساء إلي شخصياً" ، وبينما كانت العراق موطن العرب الأول بالعلم والعمل ، أصبح اليوم غير مرحب بهم. وكذلك ليبيا التي كان يتواجد بها 2 مليون مصري يعملون بها في عهد الزعيم الراحل معمر القذافي ، وسوريا التي كانت أبوابها مفتوحة لكل العرب يدخلونها ويصولون ويجولون بها بدون فيزا ، واليمن حيث كان يأتي المصري إليها ويكرم ويعامل ك أستاذ جامعي أو محاسب ، لكن سرعان ما دارت الدوائر وتغير الزمن أصبح هؤلاء مجرد بضاعة تالفة لا يستقبلهم أي متجر.
لكني في المقابل تفهمت موقف مصر والتمست لها العذر على حرصها وتخوفها من ظاهرة وتفشي الإرهاب الذي أصبح يهدد المنظقة برمتها حيث أن العراق وليبيا وسوريا واليمن أصبحت وكراً للإرهاب وبؤرة للشر ، وحملت المسؤولية الكبرى الربيع العربي الذي جعل أعزة أهله أذلة ، وشكيت لله وللتاريخ شيوخ الفتنة الذين رعدوا وزبدوا وأعلنوا الجهاد والنفير العام ، ووعدوا هذه الشعوب بأنها مقبلة على جنة لا يدخلها يائس!!
دعوني أضع الأمور تحت المجهر كي لا يفهمني القارئ الكريم أني متحامل على الشيوخ والدعاة ، ولكني أقصد كل الذين اعتنقوا التطرف وتزمتوا بالمذاهب ، وللتذكير ماذا أصاب أفغانستان بعد رحيل الروس ودخول طالبان؟ وماذا حصل في الصومال بعد رحيل محمد سياد بري وسيطرة الشباب المجاهدين؟
وماذا عملت التنظيمات الإرهابية في العراق ، وكيف تم استباحة المدن في الموصل وقتل الطائفة الإيزيدية ، وسبي نسائهم وتدمير حياتهم بعد أن خدموا العراق في أحلك الظروف ، حيث كانوا نجوماً مضيئة في ميادين الطب والهندسة والبحوث ، وكم دماء سفكت في سوريا وليبيا واليمن تحت راية لا إله إلا الله. ماذا قدمت الدولة الدينية غير الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والدماء والدموع وصراع الحضارات ، نحن اليوم بأمس الحاجة إلى ثورة دينية لاستعادة روح الإسلام الحقيقي الذي يقبل بالآخر ويؤمن بالتعايش ويحترم كل الطوائف والأديان السماوية ولا يقتل النفس التي حرم الله ، ولا ينتهك حرمات المساجد والكنائس والمعابد باعتبار الدين لله والوطن للجميع. دعوني هنا أستشهد ببعض الآيات الكريمة.
قال تعالى : " ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )"، وقال أيضاً " ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )" وقال " ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) " وقال أيضاً " من قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا " صدق الله العظيم.
هل توجد عدالة وحرية وسلمية وكرامة للإنسان أكثر من هذه القوانين الربانية ، لأن الله تعالى خلق الكون وخلق أقدس مافيه الإنسان ، فماهي الركيزة التي يستند إليها أولئك النفر كي يعيثوا في الأرض فسادا وينصبوا أنفسهم وكلاء الله في الأرض؟!!