يبدو لي -كمتابع للأوضاع- أن اليمن لا يمكن أن تصل إلى حالة سلام إلا بالتخلي عن واحد من أجزائها، فالانتصار وتحرير الأرض وتطهيرها كاملا لا يقبل القسمة على اثنين، وأن تحرير المحافظات الشمالية لن يتحقق إلا بشرط واحد ليس له ثان، وهو (القضاء على الجنوب) وقتل انتصاراته وإرجاعه إلى دوامة البطش والنهب والتنكيل وتركيعه تحت سلطة القبيلة الشمالية أو تقاسم جغرافيته بين الغرماء كما كان قبل حرب 2015م، والتي استطاع الجنوب بانتصاراته أن يحد من ذلك أو على الأقل استعاد شيئاً من عافيته... جميعكم شاهد المشاورات التي احتضنتها الكويت، وكلكم رأيتم كيف طالت وفشلت ولم تأتِ بشيء يذكر غير تضييع الوقت وزعزعة الانتصارات على الأرض والتسويف بمسألة الجرحى والأسرى والمعتقلين، وكلنا شاهدنا ما يحدث في شمال اليمن من تبادل الأدوار في التسليم والانسحاب وتأخر الحسم بالرغم من الامكانيات الكافية التي لو وضعت في أيياد أمينة واستخدمت بشكلها الصحيح لما استغرقت الأسبوع الواحد لتحرير كافة مناطق الشمال، ورأينا مع سير الأيام صدق نوايا أبناء الشمال ونظرتهم للخطر المحدق الذي يزداد خطره يوما عن يوم؛ إلى غير ذلك كنا -وكان العالم بأكمله- قد رأى ما يحدث في الجنوب من تفجيراتِِ واغتيالات واختلاقا للمشاكل والأزمات، وما تعيشه مدنه من أوضاع لا تحسد عليها على الرغم من تحريرها واستعادتها من المليشيات المتطرفة، تلك الأوضاع المزرية التي اختلقتها عصابات صنعاء بعد الهزيمة الأخيرة، ونفذتها حثالاتهم من كل أقطار اليمن الشمالي، التي ترى حسب طقوسها ومعتقداتها أن طريق السلام في الشمال واليمن بأكمله في ظل انتصار الجنوب وعافيته ووقوفه على قدميه هو الفيضان الذي سيغرق أحلامهم و أموالهم وهو الحبل الذي سيطوق أياديهم التي طالت وتطاولت منذ أيام سبقت لهم فيها الغطرسة والجحود، لذلك ثار أبناء الشمال اليمني -ثورتهم العظمى التي عرفوا بها عبر قرون التاريخ-(ثورة الخيانة والبيع والانبطاح) فذهبوا يسلمون الأرض ويبيعون العرض ويتركون الواجب، ذهبوا للانسحاب من الجبهات وتسليم السلاح وغير ذلك من الخيانات الوطنية ليتقربون بها إلى (الوحدة زلفا)..ولأنهم يجيدون المكر ويبدعون في افتعال الألاعيب فقد ضاعفوا من تضحياتهم ليلعبوا دور الانتحاري العاشق للجنة، والبار لوطنه والقديس المتمسك بسنن اسياده؛ فزادوا من غلهم وضاعفوا من خبائثهم ليستمروا في غزو الجنوب خشية الهلاك المنتظر الذي سيأتي مع توطيد السلام لليمن، جندوا أطفالهم واستباحوا حرمة منازلهم من أجل إبقاء الجنوب تحت أسوار نفوذهم وعلى مرمى من تأبطهم؛ فعلوا الأفاعيل وخالفوا القوانين حتى أدركنا كجنوبيين أن الحلول للسلام معهم معدومة مالم تأخذ بعين الاعتبار إقليم (الشمال) وتعطه حق التعبير وحرية الاختيار وحسم القرار، مالم يحدث ذلك فلا سلام في اليمن ولا هم يحزنون.
ولو أتينا إلى الحقيقة فلا أظن أن اليمنيين يمكن أن يعلّقون آمالهم على أي مبادرة أو حل قد يأتي من الأشقاء ومجلس الأمن إلا إذا كانوا غير معنين به، أو ربما قد تناسوا (الداء الخليجي) الذي جلبته مبادرتهم عقب الإطاحة بنظام المخلوع صالح وأوصلتهم إلى مماس التشتت. ولو خضعنا للعقل والمصداقية فيمكننا أن نكتشف الحل وننهي الصراعات المزمنة التي خلفتها السياسات العرجاء طيلة عقود من الزمن، ولصافحنا السلام واحتضننا الأمان وعدنا إلى سابق الأزمان، وأكاد أجزم أنه الحل الوحيد القادر على فعل ما عجزت عنه عشرات المشاورات والحوارات. فلنسحب أوراقنا من مشاورات الكويت ونسلمها إلى مشاورات أخرى لا بد أن تكون في صنعاء، وتحت إشراف الغرماء والناهبين والمتسلطنين ليذهبوا لقتل الجنوب ووأده، وتحطيم أحلامه وتكبيله بالقوانين الظالمة حتى ينتصر الشمال وينعم بالحرية، حينها سترون رايات السلام تلوح في الأفق، وتحلق عالياً وتعود الحياة للوحدة اليمنية، فإنني أر أن الشمال هو المتسبب الأول في ما يحصل وهو الحل الوحيد القادر على إطفاء نار الحروب وسد أبواب النزاع وهو مفتاح السلام الذي طال انتظاره والبحث عنه.