ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    "إنهم خطرون".. مسؤول أمريكي يكشف نقاط القوة لدى الحوثيين ومصير العمليات بالبحر الأحمر    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    غدر به الحوثيون بعدما كاد أن ينهي حرب اليمن.. من هو ولي العهد الكويتي الجديد؟    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مشهد رونالدو مع الأمير محمد بن سلمان يشعل منصات التواصل بالسعودية    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر فشل الانقلاب التركي .. دروس مجانية للعرب
نشر في عدن الغد يوم 17 - 07 - 2016

ساعات حاسمة وتاريخية عاشتها تركيا ليلة امس ، حدث تاريخي بكل دلالاته وابعاده ، المحاولة الانقلابية الفاشلة كانت على مستوى عالي من التخطيط ومن خلال سير الاحداث في الساعات الأولى للانقلاب وسيطرة المجموعات الانقلابية على اغلب مؤسسات ورافق الدولة التركية وتحريك الطيران الحربي ونزول الدبابات للشارع واغلاق الجسور والمنافذ والمطارات والموانئ وسيطرتهم على وسائل الاعلام ومؤسسات الرئاسة والبرلمان والحكومة والمخابرات ورئاسة اركان الجيش واستهداف مقر تواجد الرئيس التركي بالطيران يدل على مستوى عالي من التخطيط لهذا الانقلاب ويدل على وقوف عدد من الأجهزة الاستخبارية الإقليمية والدولية ويدل على تقديم دعم مالي وسياسي واعلامي ولوجستي للانقلابيين ..
تسلسل الاحداث وتسارعها كانت محل ذهول كبير لدى المتابعين للاحداث في تركيا ، سيطرة الانقلابيين على مؤسسات الدولة بالسلاح الثقيل واطلاق النار امام كل من يعترضهم ، كانت السيطرة شاملة بكل المدن التركية ، وإعلان السيطرة على الحكم وإصدار البيان الأول للانقلابيين ، وهذا الإعلان اعطى انطباع بنجاح الانقلاب خاصة لتعاطي الاعلام العالمي وخاصة العربي معه ، الى درجة ان قنوات عربية أعلنت مغادرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان طلب اللجوء السياسي وهذا دليل على تورط تلك القنوات وانها كانت احد وسائل الدعم للانقلابيين ..

تماسك القيادة التركية :
مواجهة الانقلاب والتعامل معه كان هو الحدث الأبرز والتاريخي في تاريخ تركيا ، وهو الذي يجب الوقوف عليه للاستفادة من طريقة التعامل مع الانقلابيين لاستعادة الوضع والسيطرة على مؤسسات الدولة وانهاء الانقلاب ومعالجة كل ما ترتب عليه ، هناك عنصران هامان في مواجهة الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة وتطهيرها من الانقلابيين وضبط الأوضاع بساعات زمنية محددة هما تماسك القيادة والوعي الشعبي والحزبي ، هذان العنصران هما اللذان شكلا الركيزة الأساسية في انهاء الانقلاب ..
بالنسبة لموقف القيادة السياسية التركية وتعاطيها مع الانقلاب كان أساسيا في انهاء الانقلاب والسيطرة على الوضع ، بعد دقائق من اعلان الانقلاب وسيطرة المجموعات الانقلابية مقار مؤسسات الدولة واغلاق الشوارع والمنافذ والأجواء ، خرج رئيس الوزراء بن علي يلدريم لمخاطبة الشعب وإعلان موقف الحكومة من الانقلاب وهي اول رسالة تطمين للشعب ، واعترف بوجود انقلاب على عكس ما تعودنا عليه في مثل هذه الحالة في معظم الدول التي تتعرض للانقلابات وتعتيم المعلومات واخفائها ..
ظهر الرئيس اردوغان بعد دقائق من الانقلاب عبر الجوال بخطاب مباشر للشعب بعد قيام الانقلابيين بقطع خدمة وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت وبعد تعرض مكان اقامته للقصف الجوي بالطيران الحربي ، كان ظهور الرئيس التركي بخطاب مباشر هو الرسالة الأولى لمواجهة الانقلاب ، حيث طلب من الشعب للخروج للشارع ومؤسسات الدولة وإخراج العناصر الانقلابية منها ، وطلب من الشعب التصدي والثبات لحماية خيارهم ومكتسباتهم ورفضهم للانقلاب ، خطاب اردوغان عبر الجوال اظهر أولا انه في مكان آمن وانه يتابع إدارة الازمة ، لان اختفاء القائد بمثل هذه الحالة وغيابه عن الشعب يعزز فرص نجاح الانقلاب ، لان غياب الرئيس يعطي صورة سلبية للشارع وعدم تفاعله لانهم حينها في حالة ذهول وصدمة ولم يستوعبوا كيف يتم التعاطي مع الاحداث ..
توالى ظهور الرئيس اردوغان على وسائل الاعلام مباشرة خمس مرات خلال ساعات قليلة كان بمثابة الوقود الضروري للشارع وللقوى السياسية والمجتمعية ، وهذا الظهور المتتالي بدد الهواجس من فرص نجاح الانقلاب الفاشلة ، فشل الانقلاب نجح عن طريق فن إدارة الازمة من القيادة التركية وتماسكها وتوزيع الأدوار فيما بينها سواء افراد او مؤسسات ، وهنا كان لبراعة القيادة دور في النجاح للسيطرة على الوضع في ساعات محددة رغم دقة التخطيط للانقلاب وسرعة سيطرته على مؤسسات الدولة المختلفة ، كان دور جهاز المخابرات دورا مهما في تحديد بؤر وخلايا الانقلابيين وهذا جانب مهم للسيطرة على الانقلاب ، تحديد الأهداف والأماكن والأشخاص من قبل المخابرات هو الذي اختصر الفترة الزمنية للسيطرة على الوضع وانهاء الانقلاب والتعامل مع عناصره وقياداته بشكل حاسم وسريع كان تعامل سريع وذكي ونفذ بشكل طارئ وسريع ..
واجهت القيادة التركية الانقلاب بدقة عالية ، ظهر ذلك من خلال توزيع الأدوار بين المؤسسات والقيادات والتفاعل الشعبي ولم يكون للارتباك او التباين أي وجود اثناء العمل ، وعملوا وفقا للاولويات حيث كان السيطرة على المطارات أولوية لانها تشكل خطرا وعدم السيطرة عليها قد يفتح باب التعزيزات الخارجية لدعم الانقلابيين ، إضافة الى السيطرة على الموقف العسكري داخل وحدات الجيش والامن ، كانت المؤسسة الأمنية لها دور كبير في التعامل مع الانقلابيين الذين سيطروا على المؤسسات ، ولأهمية دور المؤسسة الأمنية ولهذا قال عنهم رئيس الحكومة التركية انهم جنود صلاح الدين اثناء تقديمه الشكر لهم ..
اللافت بل المتميز بخصوص مواجهة الانقلاب واحباطه هو مواقف القيادات التركية السابقة للبلاد وتحديدا عبدالله غل رئيس الجمهورية السابق واحمد داوود اوغلو رئيس الحكومة السابق اللذان خرجا للاعلام في الساعة الأولى للانقلاب مخاطبين الشعب التركي ومكوناته السياسية ورفضهم القاطع للمحاولة الانقلابية وطلبهم الوقوف مع القيادة التركية حفاظا على العملية الديمقراطية وحماية للإرادة الشعبية ، هذا الموقف في العادة لم يحدث مثل هذا في الدول العربية والإسلامية التي تشهد انقلابات من هذا النوع لان الحكام السابقين يتحولون الى معارضة وأدوات تساعد الانقلابيين نظرا للفهم القاصر للمسؤلية والاهتمام بشؤن شعوبهم ، قادة تركيا السابقين قدموا نموذج وطني يجب ان يكون درسا يستفيد منه حكامنا ..
الموقف الوطني المسؤل للأحزاب وخاصة أحزاب المعارضة التي قامت بواجبها الوطني وهذا الموقف لم ولن يحدث بأي بلد عربي لان الأحزاب في بلداننا العربية هي أحزاب بولاءات شخصية تتبع القائد للحزب وعادة تكون مواقفها رمادية ان لم تكون تآمرية ، الأحزاب التركية استشعرت الخطر من الانقلاب وعرفت ان الانقلابيين عبارة عن لصوص يحاولون الاستيلاء على السلطة بالقوة ضاربين عرض الجدار بالارادة الشعبية التي اختارت الحاكم بحرية وعبر الصناديق ، موقف حزب الشعب التركي المعارض وحزب الشعوب الكردي وهما حزبان يتصدران قيادة جبهة معارضة حكومة حزب العدالة والرئيس اردوغان ومواقفهما الداعم للحكومة في مواجهة الانقلاب لم يكون من اجل عيون اردوغان وانما لمعرفتهم بأن الانقلاب كارثي على مستقبل تركيا وبداية للفوضى وعدم الاستقرار ، مواقف أحزاب المعارضة التركية يجب ان يستفيد منه كل أحزاب المعارضة في الدول العربية والإسلامية وان يكون العمل له علاقة بالوطن والحفاظ على مؤسساته الدستورية ، فالمعارضة هي الوجه الاخر للحزب الحاكم وليس عدوا له كما هو الحال في بلداننا العربية ..
الأحزاب التركية سلطة ومعارضة اصطفوا جميعا تحت راية العلم التركي وهو انحياز وطني يكشف مدى الوعي السياسي للأحزاب التركية وتقديمها المصلحة الوطنية على أي شيء اخر ، وتعاملوا مع الانقلاب من منطلق الأسس الوطنية الجامعة وليس من باب المصالح الذاتية ..

سلاح الوعي الشعبي افشل الانقلاب :

نجاح استعادة الوضع والسيطرة على مؤسسات الدولة وانهاء الانقلاب في ساعات محددة جاء نتيجة فهم القيادة لمهمتها الوطنية والدستورية وواجبها بحماية الشعب ومكتسباته ولهذا استعان الرئيس التركي بالشعب لمواجهة الانقلابيين ، كان احباط الانقلاب بعد اعلان نجاحه من قبل قنوات عربية وعالمية هو الضربة القاضية للانقلابيين ومن يقف ورائهم تخطيطا وتمويلا واهدافا ..
العامل الثاني الأساسي في افشال الانقلاب هو الشعب ، كان اردوغان يعرف مدى أهمية الاعتماد على الشعب ويعرف ايضا مدى وعي الشعب التركي ، وفي هذا الجانب قدم الشعب التركي نموذجا من الوعي العالي بحرصه الكبير على حماية ارادته ومؤسسات البلد ومستقبل تركيا ، الشعب التركي الذي نزل للشوارع والمؤسسات كان عامل اجهاض الانقلاب بالدرجة الأولى ..
خرج المواطنين الاتراك للشارع هو الذي افشل الانقلاب العسكري ، كانت مشاهد التضحية والاستبسال والصمود محل اعجاب واحترام العالم ، قام المواطنين بالوقوف امام الدبابات والمجنزرات وشكلوا دروعا بشرية في لحظة تحدي كبيرة ، قام المواطنين بتوقيف سياراتهم في الشوارع ومداخله وهذا العمل هو الذي حد من حركة الانقلابيين وآلياتهم العسكرية وهو ما سهل الامر للقوات الأمنية بالقبض والسيطرة على المقار الحكومية ..
خرج الاتراك للشارع بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية ، خرج الشاب والرجل والمرأة والعجوز ، الغني والفقير ، الطبيب والمهندس ، جميعهم استجابوا لنداء الواجب الوطني وسجلوا ملحمة وطنية ستسجل في صفحات التاريخ ..
الوعي العالي للشعب التركي واستشعاره بخطر الانقلاب على مستقبل تركيا ويقينهم بأن الانقلابيين عبارة عن لصوص هو الذي دفع بمئات الالاف للشوارع والبقاء فيها وقيامهم بمحاصرة وملاحقة الانقلابيين في المؤسسات والشوارع وتأديبهم مباشرة على جريمتهم الإرهابية ، كان التواجد الشعبي تواجد عام بهدف واحد وتحت راية واحدة ، هدفهم المصلحة العامة والحفاظ على استقرار ومستقبل تركيا ، كانت رايتهم التي رفعوها هي العلم التركي ولم ترفع أي راية أخرى او صور شخصية ، المؤكد ان نزولهم للقضاء على الانقلاب لم يكن من اجل عيون اردوغان او حزب العدالة وانما للارقام والمنجزات التي قدمها الحزب وقيادة الدولة خلال السنوات الماضية ، القيادة التركية حين طلبت من الشعب النزول للشارع كانت تدرك مدى علاقتها الإيجابية بالشعب ، هذه العلاقة تحددها المنجزات وليس الشعارات كما يحدث في بلدان العرب ، وهذا ما يجب على الشارع العربي ان يستفيد من هذه المواقف وتطبيقها عمليا في بلداننا العربية ..
الشعب التركي هو الذي قضى على التمرد والانقلاب وهذا هو الجانب الذي لم يحسب له المخططون للانقلاب أي حساب ، تجاهلوا الدور الشعبي في خطتهم الانقلابية وكان هذا التجاوز عنصرا إيجابيا لفشل الانقلاب ، تجاوز الشعب ودوره بالانقلاب يدل على وجود عناصر استخبارية عربية ساهمت بوضع المخطط الانقلابي لان العرب تعودوا على تجاهل المؤسسات الحاكمة للشعب مهما كانت درجة الرفض لهم لاعتماد مؤسسات الحكم على جانب القوة العسكرية والأمنية ، ولهذا كان لافتا اعتماد الانقلابيين في تركيا على الجانب العسكري الشامل بهدف السيطرة السريعة وإرهاب المواطنين بالقوة وهو ما حدث في ساعات الانقلاب الأولى حيث استخدم الانقلابيين الطيران الحربي والدبابات واطلاق الرصاص الحي لمواجهة الحشود الشعبية ..
من خلال متابعتي لمسلسل الاحداث بتركيا ايقنت ان الانقلاب كان بنكهة عربية وما يعزز هذا اليقين هو التعاطي الإعلامي الرسمي لقنوات وصحف رسمية تابعة لبعض الدول الخليجية ودولة عربية أخرى إضافة الى تغريدات لشخصيات معروفة بعلاقتها بصانعي القرار في تلك البلدان ..

ارتباك المواقف الدولية والتعاطي الإعلامي العربي السلبي :
التعاطي الإعلامي العربي وتحديدا الخليجي والمصري (بإستثناء الاعلام القطري وتحديدا قناة الجزيرة الذي قدمت نموذجا للاعلام المهني والقومي وكانت هي الفضائية الوحيدة التي نقلت الاحداث بمسؤلية ) ، كان تعاطي تجاوز الهجوم الإعلامي او التحريض الى درجة تصل الى المساهمة بإنجاح الانقلاب ، كان أداء قناتي العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية وقنوات مصرية أداء يدل على انه أداء مكلف بمهمة رسمية ، أعلنت تلك القنوات اخبار استباقية بنجاح الانقلاب قبل ان يعلن الانقلابيين انفسهم ، وتعاملت بنقل الاخبار بدرجة الوثوق بنجاحه ، اعلنوا نجاحه ومغادرة الرئيس التركي وطلبه اللجوء من المانيا وهروب قيادات الدولة وإعلان مجلس حاكم ، الى درجة ان تلك القنوات أعلنت استباب الوضع للانقلابيين ، كان ذلك التعاطي الإعلامي مخزي للعرب وتحديدا للدول التي تمتلك وتمول تلك القنوات ، ويدل على مدى مساهمة تلك الدول بشكل غير مباشر بدعم الانقلاب ، صحف رسمية طبعت نسخها اليومية وإعلان نجاح الانقلاب يتصدر الصفحة الأولى وبالخط العريض رغم ان فشل الانقلاب تم تحديد مسار فشله خلال وقت قصير والمتعارف عليه في مثل هذه الحالة هو تأخير طباعة الصحف الى الوقت الذي تتضح فيه المواقف ، واذا تجاوز الوقت ولم يطرأ جديد على الموقف فإنه يتم التعامل بحذر شديد ، لكن ان تصدر الصحف وإعلان نجاح الانقلاب على الصفحة الأولى يذهب بنا الى دور تلك الدول في المساهمة بالانقلاب ..
بالنسبة للمواقف الدولية التي تعاملت مع الحدث ، كان اللافت في الساعة الأولى للانقلاب مواقف سياسية تتماهي مع الانقلابيين وتوحي بمستوى نجاحه ، وتأتي مواقف أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي تحت هذا التصنيف ، وبعد ساعتين او اكثر بدأت المواقف تتململ بحذر وصدرت مواقف مخالفة للمواقف السابقة التي أعلنت ، وهذا يدل على ان الانقلاب كان بعلم ودعم قوى دولية وإقليمية كثيرة وانه تم التخطيط والاعداد لانقلاب كامل الأركان ، لم يتوقعوا الفشل ولم يحسبوا حساب عناصر افشال الانقلاب الرئيسية ، كانت حساباتهم خاطئة بنيت على تقديرات مغلوطة ..
المواقف العربية كانت غائبة بإستثناء الموقف القطري ، اما موقف السعودية بإعتبارها الدولة الأهم عربيا فكان الصمت هو خيارها واكتفت بتغريدات تويترية متباينة من شخصيات معروفة بعضها مؤيد وبعضها رافض ، وما يحسب على السعودية في هذا الجانب هو الأداء الإعلامي لقناة العربية الحدث السعودية ، وهو موقف من الصعب التعامل معه بعيدا عن الموقف الرسمي للدولة لان هذه القناة هي لسان السعودية الخارجي وتمول من الخزينة العامة ، في هذا الجانب لابد ان من استحضار الموقف التركي من السياسات الإقليمية في الأسابيع الأخيرة وخاصة بعلاقة تركيا بإسرائيل وروسيا ومصر وسوريا والذي طرأ تغير نوعي مفاجئ جاء بعد تحسن علاقة تركيا بالسعودية ودعم مواقفها ، هذا التغير يدل على وصول تركيا الى قناعة بجدية الجانب السعودي بالتعاون المشترك مع تركيا وان العلاقة السابقة هي التي نجحت في تحديد مسار تغيير العلاقات والتعاون ، وعودة تركيا لاقامة علاقتها مع روسيا وإسرائيل دليل على توقف تطوير العلاقة بين الخليج وخاصة السعودية وبين تركيا ، ربما تركيا وصلت الى مرحلة يأس من التعاون مع هذه الدول وان هذه الدول لازالت مخاوف وجود حزب العدالة في الحكم وتبني تركيا مواقف معارضة للانقلاب في مصر هو الذي يتحكم بمستوى العلاقة ..
الموقف المصري كان هو الموقف السلبي حيث أحبطت مصر بيان ادانة للانقلاب في مجلس الامن وهذا يأتي نتيجة حساسية النظام المصري من ادانة أي انقلاب لعلاقة النظام الحالي بالانقلاب ، موقف مصر موقف غير مسؤل وللأسف هذا الموقف يمثل العرب جميعا وسكوتهم على هذا الموقف هو سكوت يدرج ضمن تأييد الانقلاب وان بشكل غير مباشر ..
فشل الانقلاب واحبط وتم السيطرة على الوضع والقبض على كبار قادة الانقلاب ، وهذا يرجع الى القيادة الوطنية الواعية وتماسك مستوياتها واستعانتها بالشعب ، ومنذ الساعات الأولى يتم التعامل مع الانقلابيين بشكل حازم وتقديمهم للمحاكمة مع اتخاذ إجراءات وقائية لذلك ، واحالة الانقلابيين للقضاء ، والمتوقع ان التحقيقات ستكشف اسرار الانقلاب تخطيطا وتمويلا وتنفيذا وهذا ما يخيف المتورطين بدعم الانقلاب ..
الدرس الذي يجب الاستفادة من الانقلاب التركي وطرق مواجهته واجهاضه هو الذي يجب ان تهتم به النخب السياسية والإعلامية والمدنية العربية والمكونات الشعبية والشعوب العربية بشكل عام ، يجب ان تستفيد الشعوب العربية والأنظمة أيضا ان تتعلم من هذا الدرس وتعرف ان العمل الوطني الخالص هو عامل مهم لاستقرار دول المنطقة وان الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ان يكون خيارا استراتيجيا لشعوب المنطقة ، يجب ان تستفيد الشعوب من الوعي الشعبي التركي وان تستلهم تلك الوطنية والإخلاص والتضحية بحماية ارادتها وفرض احترام خياراتهم ..
النموذج التركي اصبح هاجس قلق عند بعض الأنظمة العربية والنخب التي تدعي الحداثة وهذا القلق مصدره هوية النظام ( إسلامي ) إضافة للانجازات التي حققتها حكومات حزب العدالة وهذا النجاح يدفع ببعض الأنظمة العربية والدولية الى محاولة التخلص من هذا النموذج لان نجاح نظام إسلامي يشكل خطرا على بعض الأنظمة بسبب اسلاميتها فقط .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.