للمرة الرابعة ..اليمن يستهدف عمق الكيان مجددا    بن بريك والملفات العاجلة    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    الجوع يفتك بغزة وجيش الاحتلال يستدعي الاحتياط    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    النائب العليمي يبارك لرئيس الحكومة الجديد ويؤكد وقوف مجلس القيادة إلى جانبه    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    صنعاء تصدر قرار بحظر تصدير وإعادة تصدير النفط الخام الأمريكي    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر فشل الانقلاب التركي .. دروس مجانية للعرب
نشر في عدن الغد يوم 17 - 07 - 2016

ساعات حاسمة وتاريخية عاشتها تركيا ليلة امس ، حدث تاريخي بكل دلالاته وابعاده ، المحاولة الانقلابية الفاشلة كانت على مستوى عالي من التخطيط ومن خلال سير الاحداث في الساعات الأولى للانقلاب وسيطرة المجموعات الانقلابية على اغلب مؤسسات ورافق الدولة التركية وتحريك الطيران الحربي ونزول الدبابات للشارع واغلاق الجسور والمنافذ والمطارات والموانئ وسيطرتهم على وسائل الاعلام ومؤسسات الرئاسة والبرلمان والحكومة والمخابرات ورئاسة اركان الجيش واستهداف مقر تواجد الرئيس التركي بالطيران يدل على مستوى عالي من التخطيط لهذا الانقلاب ويدل على وقوف عدد من الأجهزة الاستخبارية الإقليمية والدولية ويدل على تقديم دعم مالي وسياسي واعلامي ولوجستي للانقلابيين ..
تسلسل الاحداث وتسارعها كانت محل ذهول كبير لدى المتابعين للاحداث في تركيا ، سيطرة الانقلابيين على مؤسسات الدولة بالسلاح الثقيل واطلاق النار امام كل من يعترضهم ، كانت السيطرة شاملة بكل المدن التركية ، وإعلان السيطرة على الحكم وإصدار البيان الأول للانقلابيين ، وهذا الإعلان اعطى انطباع بنجاح الانقلاب خاصة لتعاطي الاعلام العالمي وخاصة العربي معه ، الى درجة ان قنوات عربية أعلنت مغادرة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان طلب اللجوء السياسي وهذا دليل على تورط تلك القنوات وانها كانت احد وسائل الدعم للانقلابيين ..

تماسك القيادة التركية :
مواجهة الانقلاب والتعامل معه كان هو الحدث الأبرز والتاريخي في تاريخ تركيا ، وهو الذي يجب الوقوف عليه للاستفادة من طريقة التعامل مع الانقلابيين لاستعادة الوضع والسيطرة على مؤسسات الدولة وانهاء الانقلاب ومعالجة كل ما ترتب عليه ، هناك عنصران هامان في مواجهة الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة وتطهيرها من الانقلابيين وضبط الأوضاع بساعات زمنية محددة هما تماسك القيادة والوعي الشعبي والحزبي ، هذان العنصران هما اللذان شكلا الركيزة الأساسية في انهاء الانقلاب ..
بالنسبة لموقف القيادة السياسية التركية وتعاطيها مع الانقلاب كان أساسيا في انهاء الانقلاب والسيطرة على الوضع ، بعد دقائق من اعلان الانقلاب وسيطرة المجموعات الانقلابية مقار مؤسسات الدولة واغلاق الشوارع والمنافذ والأجواء ، خرج رئيس الوزراء بن علي يلدريم لمخاطبة الشعب وإعلان موقف الحكومة من الانقلاب وهي اول رسالة تطمين للشعب ، واعترف بوجود انقلاب على عكس ما تعودنا عليه في مثل هذه الحالة في معظم الدول التي تتعرض للانقلابات وتعتيم المعلومات واخفائها ..
ظهر الرئيس اردوغان بعد دقائق من الانقلاب عبر الجوال بخطاب مباشر للشعب بعد قيام الانقلابيين بقطع خدمة وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت وبعد تعرض مكان اقامته للقصف الجوي بالطيران الحربي ، كان ظهور الرئيس التركي بخطاب مباشر هو الرسالة الأولى لمواجهة الانقلاب ، حيث طلب من الشعب للخروج للشارع ومؤسسات الدولة وإخراج العناصر الانقلابية منها ، وطلب من الشعب التصدي والثبات لحماية خيارهم ومكتسباتهم ورفضهم للانقلاب ، خطاب اردوغان عبر الجوال اظهر أولا انه في مكان آمن وانه يتابع إدارة الازمة ، لان اختفاء القائد بمثل هذه الحالة وغيابه عن الشعب يعزز فرص نجاح الانقلاب ، لان غياب الرئيس يعطي صورة سلبية للشارع وعدم تفاعله لانهم حينها في حالة ذهول وصدمة ولم يستوعبوا كيف يتم التعاطي مع الاحداث ..
توالى ظهور الرئيس اردوغان على وسائل الاعلام مباشرة خمس مرات خلال ساعات قليلة كان بمثابة الوقود الضروري للشارع وللقوى السياسية والمجتمعية ، وهذا الظهور المتتالي بدد الهواجس من فرص نجاح الانقلاب الفاشلة ، فشل الانقلاب نجح عن طريق فن إدارة الازمة من القيادة التركية وتماسكها وتوزيع الأدوار فيما بينها سواء افراد او مؤسسات ، وهنا كان لبراعة القيادة دور في النجاح للسيطرة على الوضع في ساعات محددة رغم دقة التخطيط للانقلاب وسرعة سيطرته على مؤسسات الدولة المختلفة ، كان دور جهاز المخابرات دورا مهما في تحديد بؤر وخلايا الانقلابيين وهذا جانب مهم للسيطرة على الانقلاب ، تحديد الأهداف والأماكن والأشخاص من قبل المخابرات هو الذي اختصر الفترة الزمنية للسيطرة على الوضع وانهاء الانقلاب والتعامل مع عناصره وقياداته بشكل حاسم وسريع كان تعامل سريع وذكي ونفذ بشكل طارئ وسريع ..
واجهت القيادة التركية الانقلاب بدقة عالية ، ظهر ذلك من خلال توزيع الأدوار بين المؤسسات والقيادات والتفاعل الشعبي ولم يكون للارتباك او التباين أي وجود اثناء العمل ، وعملوا وفقا للاولويات حيث كان السيطرة على المطارات أولوية لانها تشكل خطرا وعدم السيطرة عليها قد يفتح باب التعزيزات الخارجية لدعم الانقلابيين ، إضافة الى السيطرة على الموقف العسكري داخل وحدات الجيش والامن ، كانت المؤسسة الأمنية لها دور كبير في التعامل مع الانقلابيين الذين سيطروا على المؤسسات ، ولأهمية دور المؤسسة الأمنية ولهذا قال عنهم رئيس الحكومة التركية انهم جنود صلاح الدين اثناء تقديمه الشكر لهم ..
اللافت بل المتميز بخصوص مواجهة الانقلاب واحباطه هو مواقف القيادات التركية السابقة للبلاد وتحديدا عبدالله غل رئيس الجمهورية السابق واحمد داوود اوغلو رئيس الحكومة السابق اللذان خرجا للاعلام في الساعة الأولى للانقلاب مخاطبين الشعب التركي ومكوناته السياسية ورفضهم القاطع للمحاولة الانقلابية وطلبهم الوقوف مع القيادة التركية حفاظا على العملية الديمقراطية وحماية للإرادة الشعبية ، هذا الموقف في العادة لم يحدث مثل هذا في الدول العربية والإسلامية التي تشهد انقلابات من هذا النوع لان الحكام السابقين يتحولون الى معارضة وأدوات تساعد الانقلابيين نظرا للفهم القاصر للمسؤلية والاهتمام بشؤن شعوبهم ، قادة تركيا السابقين قدموا نموذج وطني يجب ان يكون درسا يستفيد منه حكامنا ..
الموقف الوطني المسؤل للأحزاب وخاصة أحزاب المعارضة التي قامت بواجبها الوطني وهذا الموقف لم ولن يحدث بأي بلد عربي لان الأحزاب في بلداننا العربية هي أحزاب بولاءات شخصية تتبع القائد للحزب وعادة تكون مواقفها رمادية ان لم تكون تآمرية ، الأحزاب التركية استشعرت الخطر من الانقلاب وعرفت ان الانقلابيين عبارة عن لصوص يحاولون الاستيلاء على السلطة بالقوة ضاربين عرض الجدار بالارادة الشعبية التي اختارت الحاكم بحرية وعبر الصناديق ، موقف حزب الشعب التركي المعارض وحزب الشعوب الكردي وهما حزبان يتصدران قيادة جبهة معارضة حكومة حزب العدالة والرئيس اردوغان ومواقفهما الداعم للحكومة في مواجهة الانقلاب لم يكون من اجل عيون اردوغان وانما لمعرفتهم بأن الانقلاب كارثي على مستقبل تركيا وبداية للفوضى وعدم الاستقرار ، مواقف أحزاب المعارضة التركية يجب ان يستفيد منه كل أحزاب المعارضة في الدول العربية والإسلامية وان يكون العمل له علاقة بالوطن والحفاظ على مؤسساته الدستورية ، فالمعارضة هي الوجه الاخر للحزب الحاكم وليس عدوا له كما هو الحال في بلداننا العربية ..
الأحزاب التركية سلطة ومعارضة اصطفوا جميعا تحت راية العلم التركي وهو انحياز وطني يكشف مدى الوعي السياسي للأحزاب التركية وتقديمها المصلحة الوطنية على أي شيء اخر ، وتعاملوا مع الانقلاب من منطلق الأسس الوطنية الجامعة وليس من باب المصالح الذاتية ..

سلاح الوعي الشعبي افشل الانقلاب :

نجاح استعادة الوضع والسيطرة على مؤسسات الدولة وانهاء الانقلاب في ساعات محددة جاء نتيجة فهم القيادة لمهمتها الوطنية والدستورية وواجبها بحماية الشعب ومكتسباته ولهذا استعان الرئيس التركي بالشعب لمواجهة الانقلابيين ، كان احباط الانقلاب بعد اعلان نجاحه من قبل قنوات عربية وعالمية هو الضربة القاضية للانقلابيين ومن يقف ورائهم تخطيطا وتمويلا واهدافا ..
العامل الثاني الأساسي في افشال الانقلاب هو الشعب ، كان اردوغان يعرف مدى أهمية الاعتماد على الشعب ويعرف ايضا مدى وعي الشعب التركي ، وفي هذا الجانب قدم الشعب التركي نموذجا من الوعي العالي بحرصه الكبير على حماية ارادته ومؤسسات البلد ومستقبل تركيا ، الشعب التركي الذي نزل للشوارع والمؤسسات كان عامل اجهاض الانقلاب بالدرجة الأولى ..
خرج المواطنين الاتراك للشارع هو الذي افشل الانقلاب العسكري ، كانت مشاهد التضحية والاستبسال والصمود محل اعجاب واحترام العالم ، قام المواطنين بالوقوف امام الدبابات والمجنزرات وشكلوا دروعا بشرية في لحظة تحدي كبيرة ، قام المواطنين بتوقيف سياراتهم في الشوارع ومداخله وهذا العمل هو الذي حد من حركة الانقلابيين وآلياتهم العسكرية وهو ما سهل الامر للقوات الأمنية بالقبض والسيطرة على المقار الحكومية ..
خرج الاتراك للشارع بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية ، خرج الشاب والرجل والمرأة والعجوز ، الغني والفقير ، الطبيب والمهندس ، جميعهم استجابوا لنداء الواجب الوطني وسجلوا ملحمة وطنية ستسجل في صفحات التاريخ ..
الوعي العالي للشعب التركي واستشعاره بخطر الانقلاب على مستقبل تركيا ويقينهم بأن الانقلابيين عبارة عن لصوص هو الذي دفع بمئات الالاف للشوارع والبقاء فيها وقيامهم بمحاصرة وملاحقة الانقلابيين في المؤسسات والشوارع وتأديبهم مباشرة على جريمتهم الإرهابية ، كان التواجد الشعبي تواجد عام بهدف واحد وتحت راية واحدة ، هدفهم المصلحة العامة والحفاظ على استقرار ومستقبل تركيا ، كانت رايتهم التي رفعوها هي العلم التركي ولم ترفع أي راية أخرى او صور شخصية ، المؤكد ان نزولهم للقضاء على الانقلاب لم يكن من اجل عيون اردوغان او حزب العدالة وانما للارقام والمنجزات التي قدمها الحزب وقيادة الدولة خلال السنوات الماضية ، القيادة التركية حين طلبت من الشعب النزول للشارع كانت تدرك مدى علاقتها الإيجابية بالشعب ، هذه العلاقة تحددها المنجزات وليس الشعارات كما يحدث في بلدان العرب ، وهذا ما يجب على الشارع العربي ان يستفيد من هذه المواقف وتطبيقها عمليا في بلداننا العربية ..
الشعب التركي هو الذي قضى على التمرد والانقلاب وهذا هو الجانب الذي لم يحسب له المخططون للانقلاب أي حساب ، تجاهلوا الدور الشعبي في خطتهم الانقلابية وكان هذا التجاوز عنصرا إيجابيا لفشل الانقلاب ، تجاوز الشعب ودوره بالانقلاب يدل على وجود عناصر استخبارية عربية ساهمت بوضع المخطط الانقلابي لان العرب تعودوا على تجاهل المؤسسات الحاكمة للشعب مهما كانت درجة الرفض لهم لاعتماد مؤسسات الحكم على جانب القوة العسكرية والأمنية ، ولهذا كان لافتا اعتماد الانقلابيين في تركيا على الجانب العسكري الشامل بهدف السيطرة السريعة وإرهاب المواطنين بالقوة وهو ما حدث في ساعات الانقلاب الأولى حيث استخدم الانقلابيين الطيران الحربي والدبابات واطلاق الرصاص الحي لمواجهة الحشود الشعبية ..
من خلال متابعتي لمسلسل الاحداث بتركيا ايقنت ان الانقلاب كان بنكهة عربية وما يعزز هذا اليقين هو التعاطي الإعلامي الرسمي لقنوات وصحف رسمية تابعة لبعض الدول الخليجية ودولة عربية أخرى إضافة الى تغريدات لشخصيات معروفة بعلاقتها بصانعي القرار في تلك البلدان ..

ارتباك المواقف الدولية والتعاطي الإعلامي العربي السلبي :
التعاطي الإعلامي العربي وتحديدا الخليجي والمصري (بإستثناء الاعلام القطري وتحديدا قناة الجزيرة الذي قدمت نموذجا للاعلام المهني والقومي وكانت هي الفضائية الوحيدة التي نقلت الاحداث بمسؤلية ) ، كان تعاطي تجاوز الهجوم الإعلامي او التحريض الى درجة تصل الى المساهمة بإنجاح الانقلاب ، كان أداء قناتي العربية السعودية وسكاي نيوز الإماراتية وقنوات مصرية أداء يدل على انه أداء مكلف بمهمة رسمية ، أعلنت تلك القنوات اخبار استباقية بنجاح الانقلاب قبل ان يعلن الانقلابيين انفسهم ، وتعاملت بنقل الاخبار بدرجة الوثوق بنجاحه ، اعلنوا نجاحه ومغادرة الرئيس التركي وطلبه اللجوء من المانيا وهروب قيادات الدولة وإعلان مجلس حاكم ، الى درجة ان تلك القنوات أعلنت استباب الوضع للانقلابيين ، كان ذلك التعاطي الإعلامي مخزي للعرب وتحديدا للدول التي تمتلك وتمول تلك القنوات ، ويدل على مدى مساهمة تلك الدول بشكل غير مباشر بدعم الانقلاب ، صحف رسمية طبعت نسخها اليومية وإعلان نجاح الانقلاب يتصدر الصفحة الأولى وبالخط العريض رغم ان فشل الانقلاب تم تحديد مسار فشله خلال وقت قصير والمتعارف عليه في مثل هذه الحالة هو تأخير طباعة الصحف الى الوقت الذي تتضح فيه المواقف ، واذا تجاوز الوقت ولم يطرأ جديد على الموقف فإنه يتم التعامل بحذر شديد ، لكن ان تصدر الصحف وإعلان نجاح الانقلاب على الصفحة الأولى يذهب بنا الى دور تلك الدول في المساهمة بالانقلاب ..
بالنسبة للمواقف الدولية التي تعاملت مع الحدث ، كان اللافت في الساعة الأولى للانقلاب مواقف سياسية تتماهي مع الانقلابيين وتوحي بمستوى نجاحه ، وتأتي مواقف أمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي تحت هذا التصنيف ، وبعد ساعتين او اكثر بدأت المواقف تتململ بحذر وصدرت مواقف مخالفة للمواقف السابقة التي أعلنت ، وهذا يدل على ان الانقلاب كان بعلم ودعم قوى دولية وإقليمية كثيرة وانه تم التخطيط والاعداد لانقلاب كامل الأركان ، لم يتوقعوا الفشل ولم يحسبوا حساب عناصر افشال الانقلاب الرئيسية ، كانت حساباتهم خاطئة بنيت على تقديرات مغلوطة ..
المواقف العربية كانت غائبة بإستثناء الموقف القطري ، اما موقف السعودية بإعتبارها الدولة الأهم عربيا فكان الصمت هو خيارها واكتفت بتغريدات تويترية متباينة من شخصيات معروفة بعضها مؤيد وبعضها رافض ، وما يحسب على السعودية في هذا الجانب هو الأداء الإعلامي لقناة العربية الحدث السعودية ، وهو موقف من الصعب التعامل معه بعيدا عن الموقف الرسمي للدولة لان هذه القناة هي لسان السعودية الخارجي وتمول من الخزينة العامة ، في هذا الجانب لابد ان من استحضار الموقف التركي من السياسات الإقليمية في الأسابيع الأخيرة وخاصة بعلاقة تركيا بإسرائيل وروسيا ومصر وسوريا والذي طرأ تغير نوعي مفاجئ جاء بعد تحسن علاقة تركيا بالسعودية ودعم مواقفها ، هذا التغير يدل على وصول تركيا الى قناعة بجدية الجانب السعودي بالتعاون المشترك مع تركيا وان العلاقة السابقة هي التي نجحت في تحديد مسار تغيير العلاقات والتعاون ، وعودة تركيا لاقامة علاقتها مع روسيا وإسرائيل دليل على توقف تطوير العلاقة بين الخليج وخاصة السعودية وبين تركيا ، ربما تركيا وصلت الى مرحلة يأس من التعاون مع هذه الدول وان هذه الدول لازالت مخاوف وجود حزب العدالة في الحكم وتبني تركيا مواقف معارضة للانقلاب في مصر هو الذي يتحكم بمستوى العلاقة ..
الموقف المصري كان هو الموقف السلبي حيث أحبطت مصر بيان ادانة للانقلاب في مجلس الامن وهذا يأتي نتيجة حساسية النظام المصري من ادانة أي انقلاب لعلاقة النظام الحالي بالانقلاب ، موقف مصر موقف غير مسؤل وللأسف هذا الموقف يمثل العرب جميعا وسكوتهم على هذا الموقف هو سكوت يدرج ضمن تأييد الانقلاب وان بشكل غير مباشر ..
فشل الانقلاب واحبط وتم السيطرة على الوضع والقبض على كبار قادة الانقلاب ، وهذا يرجع الى القيادة الوطنية الواعية وتماسك مستوياتها واستعانتها بالشعب ، ومنذ الساعات الأولى يتم التعامل مع الانقلابيين بشكل حازم وتقديمهم للمحاكمة مع اتخاذ إجراءات وقائية لذلك ، واحالة الانقلابيين للقضاء ، والمتوقع ان التحقيقات ستكشف اسرار الانقلاب تخطيطا وتمويلا وتنفيذا وهذا ما يخيف المتورطين بدعم الانقلاب ..
الدرس الذي يجب الاستفادة من الانقلاب التركي وطرق مواجهته واجهاضه هو الذي يجب ان تهتم به النخب السياسية والإعلامية والمدنية العربية والمكونات الشعبية والشعوب العربية بشكل عام ، يجب ان تستفيد الشعوب العربية والأنظمة أيضا ان تتعلم من هذا الدرس وتعرف ان العمل الوطني الخالص هو عامل مهم لاستقرار دول المنطقة وان الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ان يكون خيارا استراتيجيا لشعوب المنطقة ، يجب ان تستفيد الشعوب من الوعي الشعبي التركي وان تستلهم تلك الوطنية والإخلاص والتضحية بحماية ارادتها وفرض احترام خياراتهم ..
النموذج التركي اصبح هاجس قلق عند بعض الأنظمة العربية والنخب التي تدعي الحداثة وهذا القلق مصدره هوية النظام ( إسلامي ) إضافة للانجازات التي حققتها حكومات حزب العدالة وهذا النجاح يدفع ببعض الأنظمة العربية والدولية الى محاولة التخلص من هذا النموذج لان نجاح نظام إسلامي يشكل خطرا على بعض الأنظمة بسبب اسلاميتها فقط .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.