يدخل في فوضى عارمة تتكرر كل يوم في سوق الثلج، تخور قواه وتنفذ طاقته حتى يصل إلى بائع الثلج فينال بعد جهداً جهيد قطعة صغيرة ب 500 ريال ويتنفس الصعداء، فيعود أدراجه بين الحشود إلى منزله البسيط يعرج على الدكان فيشتري بما تبقى من ريالات حلوى لصغاره... تستقبله زوجته بابتسامتها المعهودة الجميلة تتوسط قطرات العرق التي تنهمر من جبينها يلتف حوله فلذات كبده فيتلاشى الألم (كل الألم) ويتلاشى التعب (كل التعب) حياة بسيطة رغم المعاناة إلا أنهم سعداء راضيين بما قسم الله لهم رغم قساوة العيش وانعدام الخدمات وظنك الدنيا إلا أنه يظن انه أكثر أهل الأرض حظاً (ذلك هو الرضى)فهو لم يفقد احدا من أهله في الحرب التي كادت ان تهلكه في أحدى الجبهات ولم تصل رصاصة إلى منزله ... جاء المساء بفارغ الصبر صعدوا إلى سطح المنزل آملين الحصول على نسمة هواءً باردة تنعش ما أهلكه حر النهار في صدورهم اتخذ كل واحد منهم مكانه ومستقره المعتاد حتى طفلته الصغرى رمت بجسدها الصغير بينه وبين أمها لا ينسون إطلاقا ترمسة الماء الباردة (ماتبقى من قطع الثلج)يتأمل زوجته وأطفاله فينسى هذا العالم المادي وهذه الحياة القصيرة الناقصة ويحس كأنه يعيش حياة أكمل وأجمل تخالط نفسه مشاعر لا عهد له بها ولايقدر على وصفها فيكفيه منها انه يعيشها ولو للحظات، وتغمر قلبه لذة لا يعرف أي شيء هي، فيشعر أنه انتقل إلى عالم سحري عجيب كاللحظات التي تمر علينا في نشوة الحب أو في الاستغراق في العبادة والمناجات ... وقبل أن يرتد إليه طرفه وهو في كل ذلك الكم الهائل من الروحانية يسقط أحد ابنائه ملطخاً بالدماء! لم يستوعب الامر لحظات وكأنما غضبت عليه السماء فطبقت عليه كأنه في كابوس،خَرت زوجته مغمى عليها من هول الصدمة فاقترب من صغيره لايدري ماذا حدث وكيف ولماذا حدث حمله بين يديه وضمه إلى صدره فاختلطت دماء فلذة كبده مع دموع قلبه وخرج هائماً على وجهه وكأنه لم يخرج منذ دهر تغيرت عليه الطريق لم يتعرف على احد من الجيران فقد كانوا كُثر ليسو بعيدين عن المنزل وهم في غمرة فرحهم مدججين بالأسلحة ككتيبة مستعدة للخوض في حرب يحتفلون بعرس احدهم فيحكمون على تلك الأسرة الصغيرة بالموت يحتفلون على طريقة لو علم بها أهل الجاهلية لدعوا آلهتهم عليهم وقدموا الغرابين ولعنوهم صبح مساء .. هكذا صارت عقليات الكثير منا لا تكتمل فرحته إلا برصاصة تخترق صدر أحد الآمنين في داره متى يعي الناس ويدرك حجم المأساة التي تخلفها الرصاص في الأعراس؟ ونحن نسمع ونرى هنا وهناك قصص تدمي القلوب وتدمع لها الروح، هل صار القتل أمراً مقضياً على الناس! من نجي من الحرب والاغتيالات والتفجيرات ونجي من قساوة الحياة ومُرها قتلته رصاصة جندي مغولي في عرس!!! هناك الكثير والكثير من الألعاب النارية تُباع في الأسواق وهي أجمل شكلاً وأحسن صوتاً تراها من بعيد ترسم أشكالاً في وسط السماء فتبتسم فتكون شاركت أهل الفرح فرحهم وأنت بعيد لسنا بحاجة إلى معجزة لنفارق ثقافة الموت بل هي أشياء بسيطة جداً تصنع الفارق ولكن للأسف البعض منا أخذته العزة بالأثم فظن أنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولاً بإطلاق الرصاص ويحسب الجاهل أنه يحسن صنعا.