بين مطرقة التحالف وسندان الحكومة تعيش عدن بوصفها العاصمة المؤقتة للدولة اليمنية والعاصمة السياسية والأبدية لأبناء الجنوب.. تعيش عدن اليوم وضعا استثنائيا بفعل الظروف التي مرت بها وإن كانت اليوم أفضل حالا من أمسها إلا أن وضعها اليوم في سجن الشرعية المؤقت والتعامل معها كالسجينة التي لا ذنب لها سوى أنها أنقذت حياة سجانها وأعادت له بصيص الأمل للحياة بعد أن كاد يفقدها فما كان جزائها إلا أن وضعها في سجن مؤقت، ويستدعيه الخجل من نفسه أحيانا ليمن عليها ببعض من الزاد الذي تسد به رمق جوعها ويضمن لها البقاء على قيد الحياة ولا ندري ما يخبئ لها مستقبلا.. عدن اليوم كالأم التي تواجه عقوقا ونكرانا من بعض أبنائها بعد أن ربتهم واحتضنتهم في أضنك ظروفهم... صحيح أن هناك أبناء لها أخلصوا في خدمتها ويحاولون أن يعوضونها عن ما سببه لها أبنائها الآخرين ولكنهم يواجهون صعوبات جما في سبيل ذلك من أطراف كثيرة وأبنائها البغاة أحد هذه الأطراف. نعم هناك من أخلصوا وأفنوا أرواحهم من أجلها وليس هناك من هو أكثر وفاء واخلاصا لها من ابنها البار الشهيد جعفر محمد سعد ولا من حامل راية تحريرها من براثن الإرهاب اللواء عيدروس الزبيدي ومعهم من المخلصين الكثير والكثير ممن قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل تطهيرها وتحريرها وهناك ممن ما زالوا على عهدهم لها باقون ولم تزعزعهم القوى التي تحاول أن تبطش في أمنها ومستقبلها. نعم هناك القيادة المخلصة لعدن والتي تحاول جاهدة النهوض بعدن من وضعها الراهن واستعادة دورها الحيوي على الصعيدين الداخلي والخارجي.. جهودهم الطيبة التي بذلوها وما زالوا يبذلونها نقدرها جميعا، ولكن من باب حرصنا على إنجاح جهودهم وتحقيق أهدافهم التي هي في الأساس أهدافنا جميعا نقول لهم: عدن اليوم لا تفتقر الأمن فقط، وليس ملف الأمن هو ما يجب أن توليه الحكومة والسلطة المحلية اهتمامها فقط.. عدن اليوم تحتاج إلى مقومات الحياة بجميع نواحيها من بنية أساسية ومؤسسات ومرافق خدمية. عدن اليوم بحاجة إلى نهضة استثمارية وتنموية تعوضها عن العهد الذي حاولوا فيه وأدها وهي في مقتبل عمرها وريعان شبابها. بالتأكيد لا يختلف اثنان منا أن تحرير عدن وتأمينها من بقايا الإرهاب والإجرام كان حاجة ملحة وأولوية تسبق كل الأولويات، ولا ينكر أحد دور التحالف العربي وعلى وجه الخصوص دور اشقائنا الإماراتيين وكذلك السلطة المحلية ممثلة بمحافظ المحافظة اللواء عيدروس ومدير شرطتها اللواء شلال شائع في تأمين هذه المحافظة والقضاء على كتل الإرهاب والإجرام التي نمت في هذه المحافظة وعاثت فيها إجراما وقتلا على حين غفلة من الزمن، ولكن... يجب أن لا يقتصر دور السلطة المحلية ومعها التحالف العربي على الجوانب الأمنية أو بعض الجوانب الخدمية الأساسية في هذه المحافظة فقط. تفكيرنا اليوم تجاه عدن يجب أن يرتقي إلى المستوى الذي يجعلنا نضع في نصب أعيننا خطط الإعمار والتنمية وإعادة البنى التحتية وتطويرها وجذب الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية حتى يعود لعدن دورها الريادي في مجال التجارة والاستثمار وبما يجعلها تواكب مدن العالم التي كانت تسير بنفس وتيرتها بل وأكثر... يجب أن لا ننظر إلى عدن جميعنا من منظور العسكري أو رجل الأمن.. نعم هذا ما قد يهمنا في الوقت الحالي ولكن دعونا نجعل ذلك من مهمة رجال الأمن والجيش وأن ننظر نحن إلى عدن من منظور المستثمر والاقتصادي والمخطط... عدن يجب أن تتظافر فيها الجهود الأمنية بجهود تنموية واستثمارية تعيد لعدن وجهها الباسم ودورها الحيوي الفاعل في التجارة المحلية والإقليمية والعالمية. عدن التي كان ينظر إليها رجال الأعمال على مستوى العالم باعتبارها مرتكزا لاستثماراتهم ونقطة انطلاقهم نحو عالم الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا وشرق آسيا... عدن اليوم ليست عاجزة عن استعادة دورها الهام على الصعيدين المحلي والعالمي ولكنها تتطلب الإرادة الحقيقية من القيادة السياسية للبلد ومن تظافر الجهود (العسكرية والاقتصادية والتنموية والاستثمارية) من جميع المعنيين بها. اليوم ونحن نقف إجلالا واحتراما للدور الذي اضطلعت به قيادتها المحلية والأمنية ومعها الأشقاء من دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق أكبر الإنجازات الأمنية والعسكرية للمحافظة يجب أن نضطلع نحن بالدور المكمل لجهودهم وأن يقدم كل منا ما يستطيع أن يقدمه في سبيل النهوض بهذه المحافظة وإعادة الوجه المشرق لها...