يستيقظ من نومه صباحاً كعادته في أوجه نشاطه ، يحتضن يومه بحرارة ، يلثمه أملاً ، يدلف إلى الحمام ، يغسل وجهه ، يبتسم أمام المرآة ، يتلبد وجهه ، أين صورته ؟! المرآة تعكس كل الأشياء التي حوله عدى هو ، غير موجود ، أنكرته المرآة ، يخرج من الحمام مهرولاً في جنون إلى غرفته ، ليقف أمام مرآة دولابه ، أنكرته هي الأخرى ، مسحها في توتر ، أمسكها بكلتا يديه وألصقها في وجهه ، لكن دون جدوى ، صورته لا تظهر ، ألقى بالمرآة أرضاً فتهشمت مصدرة ضجيج قوي أجبر والدته على القدوم لغرفته مفزوعة وهي تهتف : _ ماذا حدث يا بني ؟! ألتفت إليها بوجه ممتقع : _ هل ترينني يا أمي ؟! _ بالطبع أراك ! لماذا تسألني هذا السؤال ؟! _ لكني لا أرى صورتي في المرآة ! فهل أنا ميّت ؟! ابتسمت في حنان ، وضمته إلى صدرها وقالت : _ لا تقلق يا ولدي .. أنت حي .. ولكنك بلا هوية ! _ بلا هوية ! _ أجل .. فلقد بلغت الحلم ! ولابد لك أن تستخرج هوية كي تكون مواطناً له حقوق وواجبات ! _ ما الذي يتوجب عليّ فعله ؟! _ غداً عليك أن تذهب لاستخراج هوية ! ذهب إلى مؤسسة استخراج الهويات ، وقف أمام أول موظف ، وقال : _ أريد استخراج هوية ! نظر له الموظف باشمئزاز وقال : _ أدفع الرسوم .. وخذ استمارة وأملأها ببياناتك الشخصية ! انتهى من تدوين كافة بياناته الشخصية ، ناول الاستمارة للموظف الذي بصق عليها ، وأعادها إليه وهو يقول : _ خذها إلى مسؤول الهويات ! حمل هو الاستمارة متقززاً ، وناولها لمسؤول الهويات الذي سحب مخاطاً غليظاً من أنفه وألصقه بالاستمارة ، وأعادها إليه وهو يقول : _ خذها إلى مسؤول الشؤون القانونية ! حمل الاستمارة مشمئزاً وناولها لمسؤول الشؤون القانونية الذي مسح بها مؤخرته وأعادها إليه وهو يقول : _ خذها إلى المدير العام ليضع ختمه عليها ! حمل الاستمارة وقد بدأ يشعر بالغثيان ، وبقيء على وشك مغادرة معدته ، ناولها للمدير العام الذي خلع حذائه المتسخ بقاذورات الشوارع وختم به على الاستمارة ، وأعادها إليه وهو يبتسم ابتسامة أجهضت ما تبقى من روحه وهو يقول : _ مبروك .. أصبحت مواطن ! عاد إلى منزله ، مكباً على وجهه ، وقال لأمه : _ حصلتُ على الهوية ! _ مبروك يا ولدي ! دلف إلى الحمام ، وقف أمام المرآة ونظر ، تراجع إلى الخلف صارخاً بفزع وهو يرى صورة صرصوراً ضخماً منعكسة في المرآة ، هتف : _ ما هذا يا أمي ؟! أجابته في أسى : _ هذه هي هويتك يا ولدي !