كان علي رجلا عرف عنه أنه كثير السفر و كنت أعمل معه في شركة للاستيراد و التصدير و بينما هو في أحد رحلاته قادته الأقدار إلى التوقف أمام جبل في الطريق بعد أن عطلت سيارته فرأى علي ضوء ينبعث من أعلى ذلك الجبل فقرر الصعود و التوجه نحو ذلك الضوء لعله يجد من يدله على وسيلة تساعده في العودة إلى الديار مرة اخرى و كان علي شجاع و صاحب رباطة جأش و فعلا صعد علي نحو ذلك الضوء لكنه إختفى و لم يعد و مرت الأيام و الأعوام و أهله و جميع من يعرفه يبحثون عنه و هم في حيرة من أمرهم أين ذهب ولدهم حتى سلم كثيرون منهم بأنه قد مات . و بعد 15 عشرة عاما ظهر علي فجأة و دخل المدينة و هو يحمل في يده مصباح و أخبر جميع من في المدينة بأنه يملك الحلول لأي مشكلة قد تواجههم بسبب القدرة العجيبة التي يمتلكها ذلك المصباح لكن الأهم من ذلك كله يجب أن تؤمنوا أولا بقدرة ذلك المصباح على معالجة الحلول و إلا فإنه لن يعالج لك مشاكلك طالما و أنت غير مؤمن به . و سرعان ما تداولت وسائل الإعلام المحلية ذلك الخبر و نشرته حتى أصبح حديث المدينة و بينما كنت واقفا أعالج مشكلة طرأت في ماطور الماء الذي يساعدني على دفع و وصول الماء إلى بيتي إذ بأبناء حي يتجمعون حولي و ينادوني يا أبو عمرو تعال إسمع و شاهد الخبر و بعد أن اخبرتهم بأنني قد سمعته و رأيته سألني أحدهم و كان رجلا كبيرا قد بلغ الستون عاما تقريبا فقال لي : أيا بني هل صحيح أن علي صديقك ؟ أجبته : نعم يا أبتي كان في الماضي صديقي عملنا معا و لكنني لست أعلم هل سيتذكرني أم لا ؟ فقال لي العجوز : لماذا لا تمضي إليه يا بني فتحدثه بمشكلتنا و معاناتنا التي نجدها في الحصول على الماء . سكت برهة ، و نظرت إلى وجوه الناس التي تنشد موافقتي للقيام بهذه المهمة لكنها صامتة كعادتها و عندما رفعت رأسي و دنوت و قبلت رأس ذلك الشيخ الكبير و أخبرته بأنني سأفعل هلل الناس مكبرين و كأن الأمر قد أنجز و حلت مشكلتهم فهم مجموعة من المساكين يبحثون عن من يدافع عنهم و يطالب بحقوقهم .
و في اليوم التالي أعددت نفسي جيدا و تجهزت و خرجت و معي ورقة قد كتبت عليها شكوى أهالي المنطقة و انطلقت نحو مقر إقامة علي صاحب المصباح بعد أن علمت بأن حكومة المدينة قد هيأت له مقرا ليقيم فيه و أخذت معي ذلك العجوز حتى يسمع منه شخصيا.
و بعد أن وصلت إلى مقر إقامته و جدت العديد من الناس أمامه ينتظرون دورهم في الدخول و كل واحد منهم يحمل ورقة مكتوبة مثلي حينها قدرت جيدا حجم العبئ الملقى على عاتق الرجل و أن الكثير من سكان المدينة باتوا ينظرون إليه بأنه المنقذ لهم من مشاكلهم التي يواجهونها . فأنتظرت حتى جاء دوري في الدخول و لكن حراسة الرجل لم يسمحوا لذلك العجوز بأن يدخل معي فدخلت وحيدا و حينما التفت نحوي لم أكن أتوقع بأن علي سيعرفني أو يتذكرني بعد كل تلك الأعوام التي مضت و كنت سأعذره حقيقية لكن الرجل فاجأني بأن اقترب مني فعانقني عناقا حارا و طويلا و رحب بي و ناداني بأسمي فأستبشرت خيرا .
و بعد أن أنهى ضيافته لي و ترحيبه و جه لي سؤاله الذي توقعته خير يا صديقي ما الذي أتى بك إلى هنا ؟ لا تخبرني بأنك قد أتيت فقط للاطمئنان علي فقط ؟ و هو يمازحني و أطلق ضحكة عريضة ملئت أرجاء غرفته التي كنا نقعد فيها . رسمت على وجهي بسمة عابرة ثم إنطلقت بعدها أخبره بسبب مجيئي إليه و مضيت أحكي له و أشرح له أسباب المشكلة ما يقرب على النصف ساعة تقريبا و هو يستمع إلي و يحدق في و يرمقني بنظرات غريبة و عندما انتهيت من حديثي سألني سؤال غريب لم أفهم وقتها ما كان يقصد بسؤاله ذاك. قال لي : هل جئت إلى هنا لتحدثني بأن الماء لا يصل إليكم؟ قلت له : نعم يا صديقي العزيز و الناس قد أنهكتهم مشقة جلبه من بعيد و الحمير بدأوا يزاحموننا الطريق و ذلك كله بسبب ما أخبرتك به . فرد علي ببرود كاد يقتلني : و ما المشكلة فطول عمرنا و نحن نجلب الماء من بعيد .
صعقت بذلك الرد فلم أكن اتوقعه و عن أي حديث يتحدث الرجل هل كان يعيش معنا هنا في هذه المدينة أم أنه قد عاش طوال فترة غيابه في ذلك الجبل الذي عاد منه بمصباحه العجيب هل كان يجلب الماء بذلك المصباح من بعيد لم أعد أفهم و لم أعرف من يحدثني هل هو ذلك الصديق الذي عمل معي سويا في هذه المدينة أم هو رجل آخر لا أعرفه .
فسكت قليلا ثم سألته : هل صحيح أن بإمكانك حل المشكلات بذلك المصباح ؟
فأطلق ضحكة عالية و كانت طويلة هذه المرة و تختلف كثيرا عن التي سبقتها حتى ظننت بأن أرجاء الغرفة تهتز من ضحكته و قام من مقامه و توجه نحوي و ربت بيده على كتفي و قال لي : ما بالك يا صديقي زمن الأساطير و المصابيح قد ولى و لن يعود و أنت رجل متعلم تفقه ذلك .
قلت له : أعلم ذلك و لكنها رغبة الناس هي من دفعتني في الحديث معاك حول هذا الأمر و سؤالك .
فتبسم علي إبتسامة صغيرة و قال لي : هي ذاتها تلك الرغبة من جعلتني أعود بذلك المصباح و أخبرهم بما أخبرتهم به .
عود يا صديقي لهم و أخبرهم بأنهم يجب عليهم أولا أن يدركوا بأن المطالب لا تتحقق بالرغبات و أن يكفروا بما تبقى في صدورهم من أساطير و خزعبلات و خرافات و أن يؤمنوا بما أخبرهم بهم ربهم قال تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5} }. صدق الله العظيم.