اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    حوثيون يرقصون على جثث الأحياء: قمع دموي لمطالبة الموظفين اليمنيين برواتبهم!    "سيتم اقتلاعهم من جذورهم": اكاديمي سعودي يُؤكّد اقتراب نهاية المليشيا الحوثية في اليمن والعثور على بديل لهم لحكم صنعاء    وزير الخارجية الدكتور شائع الزنداني يطلع نظيره الباكستاني على آخر مستجدات جهود إنهاء حرب اليمن    أخيرًا... فتيات عدن ينعمن بالأمان بعد سقوط "ملك الظلام" الإلكتروني    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    برشلونة قد يهبط للمستوى الثاني اوروبيا والخطر قادم من ليفركوزن    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    الرئيس الزبيدي يعود إلى عدن بعد رحلة عمل خارجية    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغنى رجل في بابل
اكتشف سر تحقيق الثروة الشخصية
نشر في الجمهورية يوم 29 - 11 - 2007


الرجل الأكثر حظاً في بابل
الحلقة10
في الحلقة الماضية دار نقاش مستفيض بين هادان وجو الا وشارونادا وميجدو حول أهمية العمل وما يجب أن يقوم به الفرد .. لأن العمل يجلب الخيرات ويكون بمثابة الصديق الذي يوفر المال لصاحبه ولا زال النقاش مستمراً بينهم .. فإلى بقية حكاية الرجل الأكثر حظاً في بابل.
وكان المشرفون على العمل يسبون المتقاعسين، ويصفعون بالسياط ظهور من يفشل منهم في الحفاظ على سيره في الصف، كما شاهدت العبيد المساكين العراة، وهم يترنحون ويسقطون تحت سلالهم الثقيلة ولا يقدرون على النهوض ثانية، فإذا لم ينجح السوط في جعلهم يقفون على أقدامهم مرة أخرى، فإنه يتم دفعهم جانباً عن الممرات ويتركون وهم يتلوون من الألم المبرح الذي يفضي بهم إلى الموت، وسريعاً ما يتم سحبهم لأسفل ليلتحقوا بأجساد الآخرين الراقدين على جانب الطريق حتى يتم دفنهم، وعندما شاهدت ذلك المنظر المروع، انتابتني الرجفة، إذاً فهذا ما ينتظرني إذا فشلت في سوق العبيد.
وقد كان جودوسو على حق، فقد تم أخذنا عبر بوابات المدينة إلى سجن العبيد، وفي الصباح التالي، تم أخذنا إلى السوق، كان الجميع محتشدين في خوف، وكانت ضربات السياط هي ما تجعلهم يستمرون في الحركة، حتى يفحصهم المشترون، وتحدثت أنا وميجدو بتلهف لكل رجل سمح لنا بالحديث معه.
وقام تاجر الرقيق بإحضار جنود من حراسة الملك عندما قاوم القرصان، حيث قاموا بتقييده وضربه بوحشية، ولكم شعرت بالأسف من أجله عندما قادوه بعيداً.
وشعر ميجدو بأننا سنفترق عما قريب، وبينما لم يكن بجوارنا أي مشترٍ، إذ تحدث إليّ جدياً ليؤكد مدى أهمية العمل بالنسبة لي في المستقبل قائلاً: إن البعض يكرهونه، بل ويتخذونه عدواً لهم، والأفضل أن تعامله على أنه صديق لك، وأن تجعل نفسك تحبه، ولا تقلق من مشقته، فإذا بنيت منزلاً جميلاً، فلا يهم إذا كانت الدعامة الأفقية الرئيسية ثقيلة، وأنه بعيد عن البئر، فعدني بأنك، إذا وجدت سيداً تعمل عنده، فستعمل بكد قدر ما تستطيع، فإذا لم يقدّر كل ما تعمل، فلا تبتئس، وتذكر أن العمل الجيد يأتي بالخير للرجل الذي يقوم به على نحو جيد بل ويجعله رجلاً عظيماً، وهنا توقف عن الحديث عندما أتى مزارع قوي البنية إلى السياج الذي نقف فيه وبدأ في التحديق فينا بطريقة متفحصة.
فسأله ميجدو عن حقله ومحاصيله وسريعاً ما أقنعه بأنه سيكون له بمثابة رجل ذي نفع كبير، وبعد مساومة عنيفة مع تاجر الرقيق سحب المزارع كيساً متخماً بالنقود من تحت عباءته، وسريعاً ما تبع ميجدو سيده الجديد وغابا عن الأنظار.
وقد تم بيع عدد ضئيل من الرجال الآخرين خلال ذلك الصباح، وفي الظهيرة أفضى إليّ جودوسو بأن تاجر العبيد كان مشمئزاً ولا يحتمل البقاء حتى يجن الليل، وسيأخذ كل من بقي من العبيد عند غروب الشمس إلى مندوب الملك لشراء العبيد، ومن ثم فلقد تملك اليأس مني إلى أن جاء رجل سمين طلق المحيا.. وتساءل إن كان بيننا خباز.
فاقتربت منه قائلاً: لِمَ يلزم على خباز جيد مثلك أن يطلب خبازاً آخر قد لا يكون بنفس براعتك؟ ألن يكون من الأسهل أن تقوم بأخذ رجل راغب في العمل مثلي وتعلمه أساليبك الماهرة؟ أنظر إليّ فأنا شاب قوي ومحب للعمل، أعطني فرصة فقط وسأبذل قصارى جهدي كي أجلب الذهب والفضة إلى كيس نقودك.
ولكم كان منبهراً من جراء رغبتي واستعدادي للعمل، وبدأ على الفور في المساومة مع التاجر والذي لم يكن قد التفت إليّ على الإطلاق منذ أن اشتراني، ولكنه الآن يزايد ببلاغة على قدراتي وصحتي الجيدة وحسن تصرفي، حتى إني شعرت وكأني ثور سمين يباع إلى الجزار. وفي نهاية الأمر، ومما سعدت له كثيراً، فقد حسمت الصفقة، وسرت خلف سيدي الجديد وأنا أظن أني الرجل الأكثر حظاً في بابل.
وقد حاز مقري الجديد على إعجابي، فلقد علمني سيدي نانانيد كيفية طحن الشعير في حجر الرحا الكائن في ساحة الدار، وكيفية إشعال النار في الفرن، وبعد ذلك علمني كيفية الطحن بطريقة بارعة لمسحوق السمسم من أجل صنع كعكة العسل، ولقد كان لدي مضطجع في السقيفة التي كان يتم تخزين الحبوب فيها، كما كانت مدبرة المنزل العجوز الجارية «سواستي»، تطعمني بطريقة جيدة، كما كانت سعيدة بالطريقة التي أساعدها بها في القيام بالمهام الصعبة.
وهنا واتتني الفرصة التي اشتقت إليها لأجعل من نفسي ذا نفع كبير لسيدي، ولأجد كما كنت آمل طريقة أتمكن بها من الحصول على حريتي.
طلبت من نانانيد أن يعلمني كيفية عجن الخبز وتحميصه، وهذا ما فعله، وهو سعيد برغبتي واستعدادي، ولاحقاً، عندما كان بمقدوري أن أقوم بهذا العمل بطريقة جيدة، طلبت منه أن يعلمني كيفية صنع كعكة العسل، وسرعان ما أصبح بمقدوري القيام بكل ذلك، حتى إن سيدي كانت تغمره السعادة لأنه قد استراح من العمل، ولكن سواستي كانت تهز رأسها باستنكار وتقول: ليس بالشيء الطيب أن يجلس الرجل بلا عمل.
وشعرت ساعتها بأن ذلك هو الوقت المناسب لي لأفكر في طريقة أبدأ من خلالها في كسب المال لأشتري به حريتي، لذا فعندما انتهيت من الخبز في الظهيرة، خطر ببالي أن نانانيد قد يوافق على أن أبحث عن وظيفة مربحة أعمل بها بعد الظهر كل يوم، على أن يتقاسم معي الأرباح التي سأجنيها، ثم أتت إليّ الفكرة حينئذ، فلِمَ لا أخبز المزيد من الكعك وأتجول في شوارع المدينة لأبيعها؟
وعليه.. قدمت خطتي تلك إليه بهذه الطريقة قائلاً: إذا ما استطعت أن استغل أوقات ما بعد ظهيرة كل يوم بعد انتهاء الخبز في كسب بعض المال من أجلك، ألن يكون من العدل حينئذ أن تتقاسم معي هذا المال حتى أحصل على ما استطيع به شراء الأشياء التي يرغب فيها ويحتاج إليها كل إنسان؟
فأقر قائلاً: نعم هذا هو العدل، وعندما أعلمته بمخططي في التجول في الشوارع لبيع كعكات العسل التي نصنعها، غمرته السعادة، ثم اقترح قائلاً: هذا هو ما سنفعله: ستبيع كل كعكتين ببنس واحد، ثم ستكون نصف البنسات لي لأدفع ثمن الدقيق والعسل والخشب الذي نستخدمه في خبزها، أما الباقي فسأخذ نصفه، وتحتفظ أنت بالنصف الثاني.
ولكم سعدت بهذا العرض الكريم والذي سأحتفظ لنفسي من خلاله بربع أرباح مبيعاتي، وفي تلك الليلة عملت حتى وقت متأخر من الليل حتى أصنع صينية لأعرض عليها كعكات العسل، وقد أعطاني نانانيد ثوباً قديماً من عنده حتى يمكنني أن أبدو في مظهر جيد، وقامت سواستي بغسله ليبدو نظيفاً.
وقمت في اليوم التالي بخبز كمية إضافية من كعكات العسل، ولكم بدت محمصة جيداً ومغرية وهي معروضة على الصينية في أثناء سيري على طول الشارع وأنا أنادي على بضاعتي بصوت عالٍ، في بادىء الأمر، لم يبدِ أي شخص أدنى اهتمام، حتى تملكتني خيبة الأمل، ولكني واصلت الأمر، ولاحقاً بعد الظهيرة حيث أصبح الرجال جوعى، بدأت الكعكات في الرواج وسريعاً ما نفدت وأصبحت الصينية فارغة.
وكان نانانيد سعيداً جداً بمدى النجاح الذي حققته وأعطاني نصيبي عن طيب خاطر وابتهاج، وكم كنت مبتهجاً لامتلاكي هذه البنسات، لقد كان ميجدو على حق عندما قال بإن السيد يقدر العمل الجيد الذي يقوم به عبيده، وفي تلك الليلة، كنت سعيداً جداً بنجاحي هذا حتى أنني تمكنت من النوم بصعوبة، بعد أن حاولت أن أحسب ما قد أكسبه في عام واحد، وكم عاماً سأحتاج لأشتري حريتي.
ونظراَ لأني كنت انطلق بصينية الكعك كل يوم، فقد كونت سريعاً زبائن دائمين، وكان أحد هؤلاء هو جدك آراد جولا، فقد كان تاجراً للسجاد وكان يبيعها لربات البيوت، ويجوب المدينة من أقصاها إلى أقصاها، برفقة حمار يحمل أثقالاً كبيرة من السجاد وعبد أسود يتولى رعايته، كان يشتري مني كعكتين لنفسه وكعكتين لعبده، وكان يتحدث معي بينما كانوا يأكلون.
ويوما ما، قالي لي جدك شيئاً سأظل أتذكره طوال البقية الباقية من حياتي، أنني أحب كعكك يا بني، ولكن ما أحبه أكثر هو ذلك الأسلوب الرائع الذي تعرض به هذا الكعك، فمثل هذه الروح يمكنها أن تنقلك بعيداً على طريق النجاح.
ولكن كيف لك يا هادان جولا أن تفهم ما يمكن أن تعنيه مثل تلك الكلمات المشجعة لعبد صغير منعزل في مدينة كبيرة، يكافح بكل ما يملك بداخله من قوة، ليجد مخرجاً من هذا الذل الذي يعيش فيه؟
وبمرور الشهور واصلت إضافة البنسات إلى كيس نقودي حتى إنني بدأت أشعر بوزنه وهو معلق في حزامي، كما ثبت على الدوام أن العمل هو أفضل أصدقائي، تماماً مثلما قال ميجدو، ولهذا فلقد كنت سعيداً، ولكن سواستي كانت قلقة.
قالت لي شاكية ذات يوم: أخشى على سيدك من أن تجعله يقضي الكثير من الوقت في أماكن اللهو.
ولكم سعدت كثيراً في أحد الأيام عندما قابلت في الشارع صديقي ميجدو، كان يقود ثلاثة حمير محملة بالخضروات المنقولة إلى السوق وتحدث إليّ قائلاً: إنني أعمل بجهد كبير، لذا فلقد قدر سيدي عملي الجيد وأصبحت الآن كبير العمال، أنظر، لقد عهد لي القيام بعملية التسوق، كما أرسل أيضاً في طلب عائلتي، فالعمل ياصديقي يساعدني الآن على التخلص من مشكلتي العظمى، وسيساعدني في يوم ما لأشتري حريتي ولأمتلك مرة أخرى مزرعة خاصة بي.
مر الوقت، وأصبح نانانيد ينتظر عودتي بشدة من السوق بعد البيع، ويقوم بشغف بعد وتقسيم المال، كما حثني على الذهاب إلى أسواق أكثر حتى أزيد من مبيعاتي.
وغالباً ما كنت أذهب خارج أبواب المدينة لاجتذاب زبائن من مشرفي العبيد الذين يعملون في بناء الأسوار، ولكم كنت أكره الرجوع إلى رؤية تلك المناظر البغيضة، ولكني وجدت أن هؤلاء المشرفين زبائن أسخياء، ودهشت في يوم ما عندما رأيت زابادو منتظراً في الصف كي يملأ سلته بالقرميد، كان هزيلاً ومنحنياً، كما كان ظهره مغطى بالكدمات والالتهابات من أثر أسواط المشرفين، ولقد كنت آسفاً بشأنه، وناولته كعكة، دفعها في فمه مثل الحيوان الجائع وعندما لمحت نظرة الجشع في عينه، هرولت مسرعاً قبل أن يلتهم كل ما في صينيتي.
وقد سألني آراد جولا ذات يوم قائلاً: لماذا تعمل بكل هذا الكد الشديد؟ نفس السؤال الذي سألتني إياه اليوم، هل تذكر؟ فأخبرته بما قاله لي ميجدو بشأن العمل، وكم أثبت لي بأنه أفضل أصدقائي.
ثم عرضت له بفخر كيس نقودي المليء بالبنسات، ووضحت له كيف أني أدخرها لأشتري بها حريتي.
فتساءل قائلاً: وعندما تصبح حرا ، ماذا ستفعل؟
فأجبته قائلاً: إنني أعتزم أن أصبح تاجراً.
وحينئذ فقط وضع ثقته فيَّ، وأفضى إليّ بشيء لم أكن أشك فيه قط، إنك لا تعلم بأنني عبد مثلك، وأنا الآن قيد عقد شراكة مع سيدي.
فبادره هادان جولا وعيناه تتقدان بالغضب قائلاً: «توقف، إنني لن أستمع إلى افتراءات تشوه سمعة جدي، فهو لم يكن عبداً.
فحافظ شارنادا على هدوئه وقال: إنني أكن له كل الاحترام والتقدير لأنه قد تغلب على محنته وأصبح مواطناً موقراً في دمشق، فهل أنت من نفس معدنه؟ هل أنت رجل بما يكفي لمواجهة الحقائق، أو أنك تفضل العيش تحت الأوهام الكاذبة؟
فاستقام هادان جولا على سرج فرسه، ورد بصوت مكبوت بالمشاعر العميقة قائلاً: لقد كان جدي محبوباً من قبل كل الناس، وكانت أعماله الخيرة لا تعد ولا تحصى، وعندما حلت المجاعة ألم يقم ذهبه بشراء الحبوب من مصر وألم تأتِ بها قوافله إلى دمشق وتوزعها على الناس حتى لم يعد هناك جائع واحد؟ والآن تأتي أنت لتقول بأنه كان مجرد عبد حقير في بابل.
فرد شارونادا قائلاً: لو كان قد ظل عبداً في بابل، لكان من الممكن أن يكون حقيراً، ولكن عندما أصبح، من خلال مجهوداته الشخصية، رجلاَ عظيماً في دمشق، تخلى عنه سوء حظه وأصبح ذا شأن بين الرجال.
ثم أكمل حديثه قائلاً: المهم هو أنه بعد أن أخبرني بأنه كان عبداً، وضح لي مدى تلهفه لكسب حريته، والآن وبعد أن صار في حوزته المال الكافي لشرائها، أصبح مشتتاً جداً فيما يجب عليه فعله، فهو لم يعد يقوم بمبيعات جيدة، ويخشى أن يفقد تأييد سيده.
فاعترضت على حيرته قائلاً: لم تعد فكرة تمسكك بسيدك فكرة صائبة الآن، فعد مرة أخرى إلى الشعور بأنك رجل حر، تصرف على أنك رجل حر، وحقق النجاح على أنك ذلك الرجل الحر! واعزم على تحقيق أمنيتك وحينئذ سيساعدك العمل على تحقيقها! ثم تابع سيره في طريقه قائلاً: بأنه كان سعيداً لأني وبخته على جبنهü.
وفي يوم ما ذهبت خارج البوابات مرة أخرى، ودهشت من وجود حشد كبير مجتمع هناك، وعندما سألت أحد الرجال عما يحدث، رد عليّ قائلاً: ألم تسمع؟ لقد تم القبض على عبد هارب كان قد قتل أحد حراس الملك وقدم للمحاكمة وسيساق اليوم للموت بسبب جريمته، حتى إن الملك بنفسه سيكون حاضراً هنا.
كان الزحام شديداً حول عمود الجلد، لدرجة أنني خفت أن أقترب خشية أن أفقد صينية الكعك، فتسلقت سوراً لم يكتمل كي ألقي نظرة على رؤوس الناس، وقد كنت محظوظاَ لرؤيتي الملك نبوخذ نصر بنفسه وهو ممتطي مركبته الذهبية، فلم أكن قد رأيت قط مثل تلك الفخامة ومثل تلك الثياب والستائر المصنوعة من الأقشمة الناعمة والمرصعة بالذهب.
لم يكن باستطاعتي أن أرى عملية الجلد، ولكني تمكنت من سماع صيحات العبد المسكين، وكنت أتساءل كيف أن رجلاً نبيلاً جداً مثل ملكنا الوسيم يستطيع أن يتحمل رؤية مثل هذا التعذيب، ولكن عندما رأىته يضحك ويمزح مع حاشيته، عرفت أنه شخص قاسي القلب، وفهمت المغزى من إسناد مثل تلك المهام اللا إنسانية للعبيد في بناء الأسوار.
وبعد أن مات العبد، علق من قدميه على إحدى السواري حتى يراه الجميع، وبعد أن بدأ الحشد في التقلص، اقتربت من السارية.وعلى الصدر كثيف الشعر، وجدت وشماً من الأفاعي المضفرة، لقد كان هذا العبد هو صديقنا الذي كنا قد أسميناه القرصان.
وفي المرة التالية التي قابلت فيها آراد جولا، كان رجلاً مختلفاً عما قبل، فقد حياني والحماس يملؤه قائلاً: أنظر، العبد الذي كنت تعرفه صار الآن رجلاً حراً، لقد كان في كلماتك سحراً، إذ زادت مبيعاتي وأرباحي، وملأت البهجة زوجتي، كانت امرأة حرة، فهي ابنة أخت سيدي، وقد رغبت كثيراً في أن ننتقل إلى مدينة غريبة حيث لايمكن لأي إنسان أن يعرف بأني كنت عبداً في يوم ما، وهكذا سيكون أبنائي فوق شبهات الخزي والتوبيخ من جراء بلية أبيهم ، كما أصبح عملي هو أفضل مساعدي، كما مكنني من استرداد ثقتي ومهارتي في البيع.
ملأتني البهجة لأني كنت قادراً ولو حتى بطريقة بسيطة على مكافأته على التشجيع الذي منحني إياه.
وفي إحدى الأمسيات، أتت إليّ سواستي وهي مكتئبة بشدة قائلة: إن سيدك يعاني من مشكلة، وأنا أخشى عليه، فمنذ شهور قليلة ماضية خسر الكثير في أحد المشروعات الفاشلة، ولم يدفع للمزارعين ثمن الحبوب أو ثمن العسل، وهم الآن غاضبون بشدة ويهددونه.
فرددت بلا تفكير، لِمَ علينا أن ننزعج بسبب غبائه وتهوره فنحن لسنا قائمين على أمره.
يالك من شاب غبي، أنت لا تفهم، لقد رهن سند ملكيتك عند أحد الدائنين، وطبقاً لأحكام القانون فبإمكان هذا الشخص أن يطالب بك ويبيعك، وأنا لا أعرف ماذا أفعل، فهو سيد طيب، فلماذا؟ لماذا تنصب عليه مثل هذه المشكلة؟
لم تكن مخاوف سواستي بلا أساس من الصحة، فبينما كنت أخبز في الصباح التالي إذ عاد صاحب الدين وهو رجل يدعى ساسي، حيث نظر إليّ نظرة فاحصة.
ولم ينتظر هذا الرجل عودة سيدي ولكنه قال لسواستي أن تخبره بأنه أخذني، ومن ثم فقد جررت بعيداً عن عملي الذي لم ينتهِ، فقط بالثوب الذي يغطي ظهري وكيس النقود المملوء بالبنسات والمعلق في موضع آمن في حزامي.
لقد نزعت مني أعز أمنياتي مثلما ينتزع الإعصار الشجرة من جذورها ويلقيها في البحر الهائج، لقد سببب الطيش والتهور لي مرة أخرى الوقوع في مثل هذه النكبة.
وكان ساسي رجلاَ فظاً أجش، وبينما كان يقودني عبر المدينة إذ أخبرته بالعمل الجيد الذي كنت أقوم به لنانانيد وقلت له بأني آمل أن أقوم بعمل جيد من أجله، ولكن رده لم يكن يحمل أي تشجيع: أنا لا أحب هذا العمل، كما لا يحبه سيدي، لقد أخبره الملك بأن يرسلني لأعمل في بناء جزء من القناة الرئيسية، فأخبرني سيدي بأن اشتري المزيد من العبيد الذين يعملون بكد وينتهون من العمل بسرعة، ولكن أنى له هذا؟ فكيف لأي إنسان أن ينتهي من عمل كبير كهذا بسرعة؟
تصور بيداء بلا شجرة واحدة، فقط بعض الشجيرات المنخفضة والشمس التي تحرق بضراوة، حتى إن الماء الكائن في خزانات الماء قد أصبح شديد السخونة حتى إننا بصعوبة استطعنا أن نشرب منه، ثم تصور صفوف الرجال التي تهبط في الحفرة العميقة ويحملون بمشقة تلك السلال الثقيلة المملوءة بالوحل إلى أعلى ويبقون في هذا العمل القذر من الفجر وحتى يحل الظلام، وتصور الطعام المقدم في أوعية مكشوفة والتي كنا نقتات منها وكأننا مثل الحيوانات، ولم يكن لدينا أي خيم ولا حتى قش نتخذه أسرة، هذا هو الموقف الذي وجدت نفسي فيه.
لذا أخفيت كيس نقودي في موضع أمين وتساءلت في قرارة نفسي إن كنت سأعيش حتى استخرجه مرة أخرى.
في بادىء الأمر كنت أعمل بإرادة طيبة، ولكن بمضي الأشهر شعرت بأن روحي تنهار، وفيما بعد أصابت ضربة الشمس جسدي المتعب، ففقدت شهيتي، وكان من النادر أن نأكل لحم الضأن والخضروات، وفي الليل كنت أتقلب في فراشي من أثر الأرق المحزن.
وفي بؤسي هذا تساءلت فيما إن كانت خطة زابادو هي أفضل الخطط، وهي أن يتهرب المرء من العمل ويقي نفسه هذه المشقة، ثم استعدت ذكرى آخر مرة رأيته فيها، وعلمت أن خطته لم تكن جيدة.
ثم فكرت في صديقنا القرصان بمرارته، وتساءل فيما إن كان الأفضل أن أقوم بالمشاجرة والقتال، ولكن ذكرى جسده الذي ينزف كانت لا تزال عالقة في ذهني، وأعلمتني أن خطته كانت أيضاً بلا جدوى.
ثم تذكرت آخر مرة رأيت فيها ميجدو، كم كانت يداه صلبة بشدة من أثر العمل الكادح، ولكن قلبه كان مضيئاً، كما كانت السعادة تطل من وجهه، لقد كانت خطته هي أفضل الخطط.
وعلى الرغم من أنني كنت مستعداً للعمل تماماً مثل ميجدو، لكنه لم يكن يعمل بكد مثلي، فلماذا إذاً لا يأتيني العمل بالسعادة والنجاح؟ هل العمل هو من أتى لميجدو بالسعادة، أو أن السعادة والنجاح يأتيان مصادفة؟ هل سأظل أعمل طوال البقية الباقية من حياتي من غير أن أحصل على أمنياتي، وبدون أن أحقق السعادة والنجاح؟ لقد كان عقلي يعصف بكل هذه الأسئلة ولم أجد إجابة لها، لقد كنت حائراً وحزيناً بحق.
وبعد مرور أيام عدة، وحينما بدا وكأن مخزون طاقتي قد بدأ في النفاد ومازالت أسئلتي بلا أجوبة، إذ أرسل ساسي في طلبي، فقد جاء رسول من رجل جديد اشتراني ليعيدني إلى بابل، فاستخرجت كيس نقودي الثمين ودثرت نفسي بالبقية الباقية من ثوبي وسلكت طريقي.
وبينما نحن في طريق العودة، كانت نفس الأفكار العاصفة تدفعني إلى هنا وإلى هناك مستمرة في التموج عبر عقلي المحموم، لقد بدا الأمر وكأن الكلمات الغريبة لأنشودة سمعتها في مدينتي الأم «حارون» لازالت ترن في عقلي:
يساق الإنسان مثلما تساق الزوبعة،
التي تقوده مثل العاصفة،
فلا أحد يستطيع تتبع مساره!
ولا أحد يستطيع التنبوء بمصيره!
هل كتب عليّ أن أعذب هكذا للأبد لعلة لا أعرفها؟ أي مآسِ وخيبة أمل جديدة تنتظرني مجدداً؟
وعندما انطلقنا إلى فناء منزل سيدي الجديد، تخيل مدى ما أصابني من الدهشة عندما رأيت آراد جولا في انتظاري، ثم ناول يده إليّ وساعدني على النزول وحضنني مثل أخ مفقود منذ زمن بعيد.
وبينما نحن سائرون في طريقنا وددت أن أتبعه مثلما يتبع العبد سيده، ولكنه أبى ذلك، ووضع ذراعه على كتفي قائلاً: لقد فتشت عنك في كل مكان، وعندما بدأت أفقد الأمل قابلت سواستي والتي أخبرتني بشأن الرجل الذي اشتراك، فطلب ثمناً باهظاً، ولكنك تستحقه، فلقد كانت فلسفتك ومشروعك هما مصدر إلهام لي قادني إلى هذا النجاح الجديد.
فقاطعته قائلاً: لقد كانت فلسفة ميجدو وليست فلسفتي.
بل فلسفتك وفلسفة ميجدو، فالشكر كل الشكر لكما، فإننا الآن مسافرون إلى دمشق وأنا أحتاج إلىك لتكون شريكي، ثم تعجب قائلاً: انظر، في لحظة واحدة ستكون رجلاً حراً مرة ثانية، وبعد قوله هذا أخرج من تحت عباءته لوحاً صلصالياً يحمل سند ملكيتي ثم رفعه فوق رأسه وقذفه بشدة لينكسر إلى مائة قطعة من الحصاة الكبيرة، ثم وقف بمرح على الأجزاء المنكسرة وسحقها بقدميه حتى صارت مجرد رماد.
أغرورقت عيناي بدموع الشكر والعرفان بالجميل، لقد عرفت أني الرجل الأكثر حظاً في بابل.
لقد أثبت العمل كما ترى من خلال هذه الأحداث، وفي الوقت الذي كنت أعاني فيه الأسى، أنه أفضل صديق لي، فقد جنبتني رغبتي في العمل أن يتم بيعي لألتحق بجماعات العبيد التي تعمل عند الأسوار، كما خلفت في نفس جدك أثراً وانطباعاً قوياً جعله يختارني لأكون شريكه.
وهنا سأله هادان جولا قائلاً: هل كان العمل هو مفتاح جدي السري للحصول على العملات الذهبية؟
فرد عليه شارونادا قائلاً: لقد كان المفتاح الوحيد الذي يمتلكه عندما عرفته لأول مرة، لقد كان جدك يستمتع بالعمل، وقد قدرت مجهوداته، ونال مكافأته بسخاء.
كان عقل هادان جولا يموج بالأفكار العميقة ثم قال: لقد بدأ الأمر يتضح لي، لقد أتاه العمل بالعديد من أصدقائه الذين أعجبتهم صنعته والنجاح الذي حققه، لقد جلب العمل له درجات النبل والشرف التي كان يتمتع بها كثيراً في دمشق، لقد أتاه العمل بكل هذه الأشياء التي استحسنها، وأنا الذي كنت أعتقد بأن العمل خلق فقط للعبيد.
فعلق شارونادا قائلاً: إن الحياة مليئة بكل ألوان المسرات التي يمكن أن يستمتع بها الرجال، ولكل رجل المكان الخاص به، وأنا سعيد جداً لأن العمل ليس مخصصاً للعبيد فقط، فلو كان الأمر كذلك، لحرمت من متعتي الكبيرة، فأنا أستمتع بأشياء كثيرة ولكن ما من شىء أفضل من العمل.
وانطلق شارونادا وهادان جولا تحت ظلال الأسوار العالية متجهين نحو بوابات بابل البرونزية الضخمة وحين اقتربا قام حراس البوابة واقفين وقفة اهتمام واحترام تحية لذلك المواطن رفيع المنزلة، وبرأس مرفوعة قاد شارونادا قافلته الطويلة عبر البوابات وفي شوارع المدينة.
وهنا أسر إليه هادان جولا قائلاً: لكم تمنيت دائماً أن أكون رجلاً مثل جدي مع أني لم أدرك قط من قبل أي نوع من الرجال كان، وهذا ما أريتني أنت إياه، وها أنذا قد فهمت، فأنا أكن له كل التقدير والإعجاب وأشعر بشعور أكثر تصميماً وعزماً على أن أكون مثله.
وأخشى من ألا أتمكن أبداً من رد الجميل لك على إعطائي المفتاح الحقيقي الذي أدى به إلى هذا النجاح، فابتداء من هذا اليوم فصاعداً، ساستخدم هذا المفتاح، سأبدأ بتواضع مثلما بدأ، وهذا ما سيفيد موقفي أكثر بكثير من المجوهرات والثياب المبهرجة.
وعلى الفور خلع هادان جولا القرط من أذنيه والخواتم من أصابعه، ثم كبح جماح فرسه، وتأخر قليلاً، ثم سار واحترام عميق يملؤه خلف قائد القافلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.