إكرام الضيف من تقاليد العرب الأصيلة لدى أسلافنا، وكان الضيف يلقى الترحاب والعناية والاهتمام، ولا يبخل عليه المضيف بما لديه من أجود وألذ الطعام, ومن العار أن يقصر المضيف في حق الضيف أو يهرب منه، ومثل هذا الأمر يجعل صاحبه عرضة للذم والقدحٍ، لاسيما على ألسنة الشعراء، كما في الزوامل التالية من مناطق ومناسبات مختلفة تعود لأكثر من نصف قرن مضى. نستهلها بزامل للشاعر علي أحمد الشرفي الخلاقي قاله عند ذهابهم إلى السوادية في عهد شيخها عبدربه الخضر، وكان بينهم نَسَب وحينما لم يهتم الشيخ بضيافتهم أو يكرمهم كما ينبغي، غادروا غاضبين وهم يرددون هذا الزامل الذي ارتجله شاعرهم :
رحنا عزمنا وانتوا اكرمكم يا شيخ ذي ما تعرف الناموس
ماهل على شرع النسب جينا والاّ حلالي في جبل مأنوس
ويذكرني هذا بزامل مماثل في مضمونه قاله الشاعر عبدالله بن عوض اليوبي يذم فيه شيخ (طياب) الذي لم يقم بالضيافة بعد التعشيرة:
يا طياب الرجاله نذاله ما تقولون للضيف حيا
عندنا للتعاشير قافي لا بَدَيْن القمر والثريا
وهذا الشاعر صالح ابو صريمة من قيفة، حينما وصل إلى منزل الشيخ الذهب لم يجده ولم يهتموا بضيافته أو إكرامه، وعند وصول الشيخ الذهب عرف بالأمر فغضب عليهم وطلب منهم سرعة إكرامه فذبحوا وأكرموه، وعند مغادرته قال:
بَرايكُمِّه يا الجِمَال المنيبه ذي ما تهاب إلا عصا جَمَّالها
إن قال قومي قامت المتعيِّبه وان قال حُطّي برَّكت باحمالها
وهذا زامل للشاعر محسن محمد بن صالح عمر سكران الخلاقي, قاله مطلع ستينات القرن الماضي حينما كان في طريقه إلى الموسطة فمر على قرية لمعرفته بأهلها الذين كانوا يُستضافون في خلاقة، على أمل أن يجد من يرحب فيه، فتهارب الرجال خوفا من الضيافة, فارتجل الزامل التالي:
ماهل دفرناكم على معرفتكم والاّ ان ربي سا في الدنيا حياه
الناس ماشي، والحريم اتطيَّره كيف آتسووا يا عياكم بالعياه
وأختتم بزامل من الحد-يافع يقارن بين ضيافتين، فقد كان الشاعر عبدموسى عبادي في موكب شواعة العريس في الناصفة واقتسموا الشواعة لتناول الغداء نصفين ، نصف في قرية اسمها "امحَرف" والباقي عند ابن عبدالله علوي ومعهم الشاعر عبد موسى فأكرمهم بغداء شهي من العصيد والسمن ، أما من كانوا ب"الحرف" فاقتصرت ضيافتهم على القهوة فقط، وعند المغادرة تزمل الشواعة بهذا الزامل الذي قاله الشاعر: