صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزوامل.. دُرر الزمن من فنون اليمن
نشر في نبأ نيوز يوم 05 - 05 - 2006

يتم نظم الزامل على هيئة بيتين أو أكثر من الصياغة الشعرية البليغة التي تؤدي غرضا محددا، بعدة أساليب وألحان، فهناك الزوامل القصيرة الأنفاس التي تنسجم وسرعة الحركة- صعودا أو نزولا على الأرض- وهي النمط الشائع في نظم زوامل الحرب ذات الإيقاعات الصوتية الحادة التي تثير حماس ونشاط جمهور الزاملين، وترفع معنوياتهم القتالية، وتهز معنويات الخصوم، علاوة على أن هذا النوع يميل إلى البدء بحرف النداء "يا" الذي يعمل على استفزاز المسامع وترويع العدو، على غرار ما أنشدته قبائل (قيفه) عام 1879 عندما وصلت لمناصرة (آل حميقان)، إذ قال شاعرهم:
- يانعوة الغناء ترزي واحربي
لاما الخلاقي يطعمش حالي وقير
ماشي عسل من ذي جناه الحربي
ماهل جنابي مصقلة وسط الجفير
وكان الرد على ذلك بزامل آخر يقول فيه منشده :
* يا نعوة الغناء بعقدش وكلي
قبل ما يافع يكرونش سفاح
مذهب الزيدي ماهو زوج إلش
مازوجش إلاّ ذي عقد عقد النكاح
أما النمط الآخر للزامل فهو الذي يمتاز بطول أنفاسه ، ورتابة ايقاعاته ، وهو ما نجده في أغلب أغراض الزامل الأخرى، كالترحيب، والفخر، والعادات القبلية، والرثاء وغيرها.. كما هو عليه الحال مع زامل الشاعر أحمد محسن من الضالع حين انتقد سياسة الإمام احمد قائلاً:
* مني سلام آلاف كلن يسمعه
وانت اسمع التسليم يا نايف منيف
مولى الدراهم مسحه لا توجعه
والحبس والقياد ماهل للضعيف
• نشأة الزامل
تكاد المصادر اليمنية تخلو تماما من إشارة لتاريخ نشوء الزامل اليمني باستثناء ما أورده الأديب عبدالله البردوني (رحمه الله) من قصة يقول فيها: (أن بعض القبائل فرت في سنة دقيانوس إلى كهوف الجبال خوفا من هجوم المعتدي، وفي هدأة الليل سمعت أصوات جهيرة كثيرة العدد، بديعة الإيقاع لم تسمع أجمل منها إثارة وتحميسا، وكانت تردد باللغة الشعبية زاملا يهز النفوس، ويرنح قامة الصمت، وعندما أصغت إليه القبائل حفظت ذلك الزامل:
* قبح الله وجهك يا ذليل
عاد بعد الحرايب عافية
عند شب الحرايب ما نميل
باتجيك العلوم الشافية
وكانت أصوات الزاملين تقترب فتثير الفزع، وتبتعد فترجعها الرياح، وكانت القبائل المختبئة تخرج من مخابئها فلا ترى أحداً، وإنما تسمع ضجيجا وتشاهد أمواج الغبار، فتأكد المختبئون من اشتعال حرب بين الجان..).
تلك هي رواية البردوني، لكن في الحقيقة أن الفن الزواملي لم يأت من خرافة أسطورية أو من عالم الجن، بل إنه نشأ تلبية لحاجة اجتماعية استدعت مثل هذا الفن، وكان ظهوره في اليمن قديما جدا وليس بوسع أحد تحديده بزمن معلوم، حيث أن الفنون والألوان الأدبية تبدأ بحالات فردية أحادية يميزها عصرها على أنها تقليعة ما تلبث أن تجد أرضها في الواقع الاجتماعي، من خلال التجربة والتكرار والتعدد التي تبلور قالبها العام، فتأخذ بالتوسع والانتشار.
نحن نتفق مع القائلين بنشأة الزامل قبل الإسلام بمدة طويلة، لكننا نختلف مع الرأي القائل بوجود جميع ألوانه وأغراضه في تلك الفترة. فالزوامل الحربية هي النمط الذي عرفته تلك الفترة وشكل خلالها جزء من ثقافة عرب الجزيرة التي كانت تسير بجيوشها على إيقاع الطبول والدفوف ورجز الشعراء وشدو الغواني.
اما ألوان الزامل الأخرى فقد تطورت من الزامل الحربي في فترات لاحقة متفاوتة من العهد الإسلامي، بدليل أن وفد قبائل اليمن حين أقبل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) للمصافحة ودخول الإسلام لم يقدم عليه بزامل رغم أن في الزامل تعظيم أكبر لشأن صاحبه، وشأن من نظم لأجله على حد سواء في حين أن المصادر التاريخية لم ترو شيئاً من هذا القبيل مما يدل على أن زوامل الترحيب و الأعراف القبلية- المعروفة اليوم- ماهي إلا أنماط مستحدثة، ومتطورة عن زوامل الحرب.
• تفوقه الشعري
رغم الخصوصية التي ارتبط بها الزامل بوطنه، وعدم انتشاره خارج حدود اليمن الإقليمية لكنه نجح في المحافظة على شعريته المتميزة، وتفوقه المعهود على الأنماط الشعرية الأخرى المعروفة في اليمن وغيرها، ولعل ذلك التفوق يأتي من عدة أسباب، ومؤهلات مهمة منها الآتي:
أولاً: بما أن الزامل يجسد فكرة واضحة ومتكاملة موضوعيا من خلال ضغطها ببيتين أو بضعة أبيات أحياناً، فإن ذلك أوجب على الشعراء صياغته بأسلوب شعري بليغ جداً، وفيه من الصور الشعرية والتشبيهات، والاستعارات ومختلف الأساليب البلاغية، ما يكفل لهم إيصال الموضوع أو الفكرة بأقل عدد ممكن من المفردات.
إن تلك الضرورات خلقت أدبا أساسه الرمز البلاغي الذكي، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن النسبة الأعظم من الزوامل تتألف من (بدء وجواب)- أي أن الشاعر الأول يأتي بزامله وهو يترقب الرد عليه من أي شاعر آخر، لذا فإنه يجتهد كثيرا جدا في انتقاء المفردات وصناعة الزامل، أملاً في تضييق زوايا الرد المحتملة على نده، وعدم إتاحة الفرصة لردود متعددة لأكثر من شاعر قد تصبح مدعاة انتقاص من مكانته الأدبية في المجتمع.. وبالتالي فإن أجواء تلك المباراة الأدبية تضع المتلقي في المأزق ذاته، ومن هنا ينشأ الإبداع الفني، والتفوق الشعري الذي لا تضاهيه بلاغة، أو صناعة شعرية أخرى.
لنأخذ مثلا هذا الزامل الذي أنشده أحد الآباء بحق ولده الذي عقد العزم على الاستقلال بأسرته في بيت منفصل، فكان ذلك مثيرا لغضب الأب الذي عاتبه قائلاً:
* ياطير مهما طرت لاجو السماء ... لا بد ما تنزل رضا ولاّ صميل
من وين با تشرب إذا جاك الظما ... ون قلت ريشك يخزن الماء مستحيل
حاول الأب تشبيه ابنه ب(الطير)، واستغل نقاط ضعف الطير، لكن براعة الابن، وقوة بصيرته مكنته من الرد على أبيه مستعيناً بنقاط قوة الطير، إذ قال:
* الطير لا قد طار عجز من رمى ... ون مد ريشه يقطع الخط الطويل
شي بعلمك طير قد صابه عمى... ولاّ بنى عشه على عابر سبيل!
ومن الملاحظ أن التفوق الزواملي الشعري على غيره من أنماط الأدب يمتد حتى إلى هكيل البناء اللغوي ولا يتوقف عند حدود بلاغة المعنى, ففي المثال التالي نجد أن الرد على زامل البدء جاء متكافئاً حتى بعدد مرات تكرار كلمة (شي)، إذ بدء أحدهم قائلاً:
* كل شي ماشي يجي إلا بشي ... الشي بما شي ما يجيشي بالبلاش
لا شفت حجمي قد طول عن مفرشي ... بامدد رجيلي على طيل الفراش
وكان المتلقي شيخا من ( الشعيب) يرى في القائل ، ومن هم في ملته سببا في حالة ضنك العيش التي كابدها الناس آنذاك ، من جراء وعودهم الكاذبة، فرد عليه قائلا:
* عن ماشي كما الشي أو كما الصبح العشي ...ذي ما معه شي بندقه مثل الطماش
شفت المناشي على القبايل تنتشي ... الزرع ماشي ذي زرعتوا على الرشاش.
ثانيا: لو نظرنا إلى العمر الزمني للزامل ، لوجدناه الأطول بين الفنون الأدبية الأخرى، والأوسع انتشارا أيضا، لأنه في معظم الحالات يتناول موضوعات عامة، وأحداث تهم الجميع. وهو الأمر الذي يجعل عمر الزامل من عمر الحدث نفسه، إضافة إلى كون هذه الزوامل ينظمها شاعر وترددها مجموعة، فتلتصق بالأذهان، وترتحل مع الأجيال تخلد الواقعة أو المناسبة وشخوصها، وتتحول بكل وضوح فيما يردده الناس اليوم من زوامل تعود إلى العهد الملكي والنضال الجماهيري الثوري، وربما ارتبطت بقضايا مصيرية ذات تماس مباشر بحياة الفرد..
فمن ذاكرة الصراع بين الملكيين والجمهوريين إبان ثورة 1962م، نستشهد بهذين الزاملين:
* يا سلامي صدر في جيش ما جمهر ... ما نبي مصر لا كفره ولا دينه
إمامنا البدر ما دام السما تمطر ... الله أكبر على اللي هم معادينة
ذلك الزامل بدأه أحد أفراد الجيش الملكي ، فرد عليه أحد الجمهوريين قائلاً:
* مصر ما قالت اكفر قالت تحرر ... ما فهمت الخبر ايش انت من عينه
القضا والقدر خلا البدر يتزفر ... والله إنه نشر ياذي مراعينه
ومن الأمثلة على الزوامل التي توثق الأحداث ، هذا الزامل المناهض للاحتلال البريطاني للجنوب ، بعد ان سعت بريطانيا لتشكيل اتحاد الجنوب من المحميات السبعة:
* الشعب صمم قال يشتي الحرية ... لا يشتي السبعة ولا منهم نفر
لا تبيح المحجر لرعيان البقر ... روسيا باتدخل وكوبا والمجر
أو كقول شاعر آخر في نفس المناسبة.
* سبعة عويله دخلوهم مدرسة ... والعالم الله أيهم ذي بايفوز
ان فاز واحد ون فازوا كلهم ... قد عادهم من تحت طربوش العجوز
وهناك زامل شهير جدا يؤرخ لحادثة نهب صنعاء الذي أعقبت اغتيال الأمام يحيى عام 1948 يقول فيه شاعر الإمام أحمد:
* يا حدا يا خيرة الله عليكم ... حق بيت المال كلن يرده
بارق أحمد بايحوم عليك ... جيش لا يحصى ولا أحد يعده
ثالثا: ينظم الزامل باللهجة العامية، كونه وليد الحياة الاجتماعية العامة، ولسان حال الفرد المعبر عن تفاعلاته الحياتية، وانفعالاته الوجدانية، فكان لذلك دور في إثراء تجربته الشعرية لأنه تحول إلى حاجة يومية تستدعيها أعراف القبيلة في مختلف طقوسها وشعائرها، ابتداء من صراعاتها المتجددة، ثم طريقة حلها، ومعالجتها للمشاكل الداخلية ، وفي المناسبات المختلفة، وكأسلوب للتعبير عما يجول في الخاطر من هواجس أو أفكار.
وأخيرا فإن الزامل أطلق الأبواب للفرد لترجمة حتى فلسفته الروحية، وانفعالاته الإنسانية في كل مكان وأوان.
• إنسانية الفن والزواملي
لاشك أن ارتباط الزامل بالأفق الحياتية الاجتماعية المختلفة يعني تجذره في الضمير الإنساني البشري، وتوغله في الخصوصيات الفردية بالقدر الذي يجعله جزءً من عرف مجتمع القبيلة في اليمن ، وتقاليدها ، وطقوسها - وربما من نسيجها اليومي أيضا.
فالزامل أمسى في حالات كثيرة مسئولا عن إشعال فتيل حرب ضروس، أو إطفاء سعير أخرى كادت تلتهم اليابس والأخضر.. ولعل الباحث في أمر كهذا من شأنه الوقوف على خزين هائل لنماذج تسببت بإطفاء حرب ، أو إنقاذ روح بشرية في زمن يغوص حتى ذروته بنزعة الثار والانتقام.
فقد روى بعض المعمرين أن شابا قتل صديقه الحميم بالخطأ ، فما كان من الأب إلا أن يتوجه بابنه إلى والد المقتول. وحال الوصول إليه أنشد زاملا يقول فيه:
* يشهد علي الله وتشهد ساحته وأهل البلد ... ما ودي أتنهد ولا ودي ولدكم يقتلوه
ما غيرها زلّة ولا يسلم من الزلات حد ... والآن رايك في الذي قد مات والحي أنت أبوه.
ورغم هول المصاب ، كان الزامل يفرض آدابه الاجتماعية كجزء يجسد العرف العام، لذا رد والد المقتول:
* يامرحبا يعتد ياضيفان جو من كل حد … مفهوم زاملكم وما تبغوه منا فاطلبوه
ما سلفنا نفس ولا نبخل على ما إحنا نجد ... وجيهكم شلت دم المقتول قبره نصبوه.
وهذا زامل آخر لرجل قتل أحد أقاربه خطأ، فسلم نفسه لأهل المقتول مخاطبا إياهم:
* سلام ياعزي ويا خيرة بني العم ...يا ضلع قاسي للزحام
والحرق هو فيني وفيك وانت الحكم …وحنا وصلنا والسلام.
والحقيقة ان الزامل اقترب كثيرا جدا من الوصف بت "لغة وثقافة عصره"، اذ أن أعراف ( التحكيم) كانت تجد في الزامل منطقا أبلغ في التعبير من لغة النثر الدارجة. وأن التجارب أكدت لأهلها تلك الحقيقة ، وباتت تترجم قناعاتها عمليا في جعل الزامل شريكا في صنع الفعل انساني، لدرجة أن الشيخ محمد مسعد القردعي عندما قرر القيام بمبادرة لحل مشاكل قبيلة ( مراد) مع مشائخ آخرين لم يكتف بوجاهته الذاتية الرفيعة، بل لجأ إلى الزامل لتأكيد النتائج المتوخاة، فقدم عليهم منشداً زاملاً يقول فيه:
* وادي سبأ يا موطن الآباء وعالين البنأ
واخوه واحبه والصبا هزت لصفاي القلوب
من الألف للياء ولا تجهل كتابك بالغبا
ولا عسل يصبح جنا في عازته من غير نوب
ولو تحولنا إلى محور آخر لوجدنا الزامل يلامس الوجدان الإنساني بحس مرهف للغاية، تتفاعل داخله كل الهواجس والانفعالات والمشاعر الإنسانية المكنونة خلف الضلوع، بحيث أن أحدهم لم يجد بداً من عزف أحزانه على أوتار الزامل بعد فقدانه أخيه، والوقوع بين فكي الاغتراب والإحساس بالوحدة، فردد:
* ياحسين بلدان الجماعة مريفه ... واللي بين الأجناب كنه على نار
والطير بالجنحان محلا رفيفه ... ولا انكسر أحد جناحيه ماطار
ويمنى بلا يسرى تراها ضعيفة ... ورجل بلا ربع على الغبن صبار
حتماً أن الزامل الذي توغل في خصوصية الفرد إلى ذلك المستوى لا بد أن يكون مفعماً بالقيم والمثل الأخلاقية والأدبية ليكون قادراً على معايشة كل ظروف بيئته ، وعناصر جريان الحياة فيها.
إذن كان الزامل يستمد أسباب بقائه من ثقافة المجتمع ، ومن تميزه في ترويج الفضيلة الإنسانية ، والتشبث بصورها الواقعية- كما هو الحال مع أحد الشعراء الذي روج للولاء الوطني من خلال استنكاره الخيانة:
* يا حصننا المغدور بالعيبة ... لاجلك بذلنا دمنا الغالي
ما همناشي من فتح جيبه ... باع الوطن بالندق الآلي
أما حين يدخل الزامل مضمار الفلسفة الروحية ، فمن المؤكد أنه يرسخ القناعة بقدراته الحركية، ومهاراته الفنية التي تؤهله للنمو والتطور على خطوط موازية للنمو الفكري للعقلية اليمنية، ومديات توسع مداركها، فمثل هذا التطويع العصري للزامل لمحاكاة الحاجات النفسية من الفلسفة العقائدية الدينية المهذبة للسلوك البشري، والمطهرة لنبضات الروح ونزواتها، من الممكن اعتبارها يقينا حيا لإنسانية الفن الزواملي ، وغزارة مناهله الثقافية والفكرية التي تمنحه قدرة التعايش والنمو والتطور مع حياة الإنسان..
وهكذا نجد في الزامل نماذجا غاية في الإبداع بمدلولاتها الفلسفية - كما هو الحال مع الزامل التالي:
* سلام من شيخ القبيلة .. ون شيخنا ما قبل حيله
وبرايكم غربة طويلة نطلب السمحان
يابن أدم نفسك حقيره .. خفف من أحمال الثقيلة
قبل منكر ونكيرة رجح الميزان.
• أغراض الزامل
بما أن الزامل هو مرآة الواقع اليمني على مر العصور، وباختلاف الأجيال إذن بات متوقعا أن يجد المرء أنماطا عددية تناسب كل ظرف وحالة، وعليه فإن دراستنا للزامل كشفت عن وجود زوامل مختلفة النظم طبقا للأغراض الي تقوم لأجلها، وهو الأمر الذي يجعلنا نقسم الأنماط الزواملية المعروفة عند اليمنيين على أساس أغراضها، التي هي :
1- زوامل الحرب
سلام للرشاش والمدفع ... والهون ذي للصوت رجاجي
ياحرب لاما المرتزق يرجع ... يصبح مبكر عندنا لاجي
2- زوامل التهديد
سلام منّا صر من سود النخر ... دق الحجر لاما كسر مضبارها
قالها البداع ذي له شاره وشر... مهما انطفت لابد ما يشعل نارها.
3- الزامل السياسي
4- زوامل الفخر
5- زوامل الترحيب
قال الذهب حيا وقيفه رحبت ... ما لشمس لا تلمع في البحر الغريق
عن الذهب جد المذاهب كلها ... لو تقعدوا شهرين ما نفسه تضيق
6- زوامل الأعراس
يا سلامي يا لوجيه الرضية ...عد مزن الصيف هلت رفيه
يسقي القيعان بعد السنين
باركوا مثلي لراعي العنية ...من قلوب مخلصة كل نيه
والزواجه فرض للمسلمين.
7- زوامل الرثاء
يا سلامي حرص للقبر يتخصص ... للذي للمقص مزه برقاصه
جاد وقت الحوص صمم ولا تفرص ... بانألف قصص قانص لقناصة
8- زوامل الهجر ( الدفر)
جينا نزاوركم وندفر عندكم ...يا مكرمين الضيف لبّو ما نقول
لا شي بها دحرة قد اضامتكم ... هذه نزايلنا وخفوا بالحمول
9- زوامل التربع -الانضمام لقبيلة أخرى.
يا شيخ موسى جيت اتربع عندكم ...عن ما لغلب ما يزقر إلا بالمليح
كنت أحسب أني في بيان الناصري ... قل لي لمه سويني على دين المسيح
العبد يحيى كان حامي حدنا .. واليوم ورد في ورا بيتي يبيح
10- زوامل التحكيم
يا قردعي لأجل الوفا حكمتكم ... وارضيت بكم يا لسلاطين الزكان
ما قد حدا سوا المهدش مثلكم ... لو جاء أبن الأحمر عندنا ولا سنان
- 11- زوامل الهجاء
إرحب على ما حركت شوكة وجر ... صفر الجشار ما قد جبر منقارها
لو كنت قد القول ما جبت الهجر ... وارخصت نفسك يا قليل أثمانها
12- زوامل الفلسفة الروحية
سلام من لسني وبالي .. والموت ما منه مجالي
لو أني ورا خبت الرمالي ما معي عذران
يا من يفرقني من حلالي .. ودعتك بيتي ومالي
قد مسكني تحت الصلالي لابس الاكفان
13- الزوامل الاجتماعية
يا مرحبا مرحب يلين قاسي الحديد ... بفرش لك أعياني تمدد كيف ما تريد
في مجمع النظر.. والضيف ما جا لأجل ما جاله في الطعام.
انت الحسب والنسب وثوبي الجديد ... وسلاحي الغالي إذا قدهي على الوريد
باتبعد الضجر.. با أتذكر وافرح وأنا في غاية المنام
14- الزوامل الثورية
يا سلامي على كمن رفيق ... صحبته ما نبا بدأ لها
عند شب الحرايق ما نضيق ... ويش ربي خلقنا إلا لها
( مثال آخر)
يا سلامي سكع صميت كم وزع ... من قذايف رزع من يد حراسه
قل ل " القليسي، وجوبع " وين با يرجع ... ثورة الشعب قامت على راسه
15- الزوامل الوطنية
واحنا بعون الله يا واحد صمد ...حكيم وحد صفنا بعد افتراق
شئنا وشاء الله، وحده للأبد ... والرأي واحد والأشقاء في عناق
16- زوامل الدعابة ( المرح)
سلام ما عكا وكا واركا زمام المعركة ... ما حن بازوكا وبلجيكا يدكدكها دكوك
ذا قول يحكى في الضنكا متى لاحد شكا ... حيد الوكا لا أركا يفكفها ولو كانت شبوك
( مثال آخر)
صابش الله يامره ما تستحي ... الله يصيبش يا مفرقة الضغون
وكانك شيبتنا الأولي ... واليوم غر الصيد يللي تطردون
وأخيراً ألفت انتباه القراء الكرام الى أن ما سبق ليس إلاّ محاولة لإكتشاف هذا الفن الرائع من كاتب (عراقي) وهو الأمر الذي يجعل احتمالات الخطأ اللغوي واردة.. لكن لا بد من أدبائنا اليمنيين المبدعين إغناء هذا المجال بدراساتهم وتحليلاتهم ، لأنه حقاً فن يستحق الوقوف أمامه بكل احترام وتقدير.
******************


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.