نعيبُ جمهوريتنا والعيبُ فينا    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    الكشف عن استحواذ جماعة الحوثي على هذه الإيرادات المالية المخصصة لصرف رواتب الموظفين المنقطعة    حراس الجمهورية تجبر ميليشيا الحوثي التراجع عن استهداف مطار المخا    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    لمن يجهل قيمة الإنتقالي    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    ريال مدريد يثأر من السيتي ويجرده من لقب أبطال أوروبا    الجنوب ومحاذير التعامل مع العقلية اليمنية    حضرموت تستعد للاحتفاء بذكرى نصرها المؤزر ضد تنظيم القاعدة    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    "سيضيف المداعة في خطبته القادمة"...شاهد : خطيب حوثي يثير سخرية رواد مواقع التواصل بعد ظهوره يمضغ القات على المنبر    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    فيديو اللقاء الهام للرئيس العليمي مع عدد من كبار الصحفيين المصريين    "ليست صواريخ فرط صوتية"...مليشيات الحوثي تستعد لتدشين اقوى واخطر سلاح لديها    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    الرئيس الزُبيدي يطمئن على الأوضاع في محافظة حضرموت    حكومات الشرعية وأزمة كهرباء عدن.. حرب ممنهجة على الجنوب    العين الاماراتي يسحق الهلال السعودي برباعية ويوقف سلسلة انتصارات الزعيم التاريخية    رافقه وزيري العمل والمياه.. رئيس الوزراء يزور محافظة لحج    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    انس جابر تعبر الى ثمن نهائي دورة شتوتغارت الالمانية    استقرار أسعار الذهب عند 2381.68 دولار للأوقية    محافظ المهرة يوجه برفع الجاهزية واتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية تحسبا للمنخفض الجوي    وفاة وإصابة 162 مواطنا بحوادث سير خلال إجازة عيد الفطر    توكل كرمان تجدد انتقادها لإيران وتقول إن ردها صرف انتباه العالم عما تتعرض له غزة    إيران: مدمرة حربية سترافق سفننا التجارية في البحر الأحمر    أمين عام الاشتراكي اليمني يعزي الرفيق محمد إبراهيم سيدون برحيل زوجته مميز    عن صيام ست من شوال!    أبناء الجنوب يدفعون للحوثي سنويا 800 مليون دولار ثمنا للقات اليمني    حزب الإصلاح يكشف عن الحالة الصحية للشيخ ''الزنداني'' .. وهذا ما قاله عن ''صعتر''    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وفاة طفل غرقًا خلال السباحة مع أصدقائه جنوبي اليمن    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة    محافظ عدن يلزم المنظمات باستصدار ترخيص لإقامة أي فعاليات في عدن    من هم الذين لا يدخلون النار؟.. انقذ نفسك قبل فوات الأوان    باريس سان جيرمان يرد ريمونتادا برشلونة التاريخية ويتأهل لنصف نهائى دورى الأبطال    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    الكشف عن آخر تطورات الحالة الصحية للفنان عبدالله الرويشد    ارنولد: انا مدين بكل شيء ل كلوب    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة القبيلة وقاض بلا محكمة
الزامل في ذمار ..
نشر في الجمهورية يوم 16 - 05 - 2007


- حفيد الشاعرة غزال المقدشي
ذاكرة القصيدة لأكثر من قرن
- العميد محسن محمد الآنسي:
الكثير من القضايا القبلية والثأرات تعالجها القصيدة
- الشاعر الشعبي علي مقبل المنكري:
«كوداً» كافيتا رجال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر
الشعر الشعبي في ذمار ضرورة ملحة في أوساط القبيلة وبتنوع المقاصد من ورائه تختلف أنماط الشعر الشعبي ، كالبالة والزامل والقصيدة وهكذا فإن الشعر في ذمار تتنفسه القبيلة كالهواء حتى أضحى لسان حالها في مقامات الفرح و الحزن والفخر والهجاء، بل لبست عمامة القاضي في الخلافات القبلية ونطقت حكماً نافذاً.
كل هذا وأكثر من ذلك دفعني لإجراء هذه المادة الصحفية المزيجة بين التحقيق والاستطلاع واللقاءات ولاسيما وقد وفقت في الوصول إلى منزل الشاعرة الشعبية غزال المقدشية وتسجيل حوار مع حفيدها الأوحد الحاج مصلح محمد علي عامر المقدشي وأسرته وهو شاعر شعبي مسن طريح الفراش.. كما أفسحنا مساحات أخرى من الحوارات مع شعراء آخرين ومشائخ ومهتمين بفعل الزامل وأثره في كيان القبيلة في محافظة ذمار.. فتعالوا معي:
في الطريق
شاب متوقد الهمة والنشاط حسن الخلقة والخلق هو الأخ / يحيى علي محمد القيسي أمين عام المجلس المحلي بمديرية ميفعة عنس حيث تنتمي إليها قبيلة غزال المقدشية.. وبتوجيه من الأخ علي جرباني مدير عام المديرية انطلقنا من مدينة ذمار بسيارة القيسي واصطحبنا أحد الشعراء الشعبيين من الشباب هو الأخ ناصر علي القيسي.
طفنا بقرية السويداء المكسية بأشجار الخوخ كما جلنا بقرى «جرف اسبيل واللسي» وقرى لا أتذكر أسماءها حتى وصلنا قرية «حورور» ولعلنا قطعنا مسافة من ذمار إليها حوالي 25 كم والمقادشة قبيلة في «حورور» ذاع صيتها منذ عشرات السنين لكثرة الحروب فيها والثارات القبلية وفي قبيلة المقادشة الشيخ/محمد حسين المقدشي وأبناؤه وأقاربه من ذوي الوجاهات والقيادات البارزة في الدولة على رأسهم الشيخ/علي محمد المقدشي محافظ محافظة ذمار وقبل أن نصل منزل غزال المقدشية سألت ثلة من العاملين في القرية عن منازل وفلل ذوي النقود فقيل لي ان أطلال دورهم باقية فقط في القرية، وإن المدن قد أخذتهم منذ سنين وقيل أيضاً وشاهدت بعيني حاجة القرية «حورور» إلى خدمات الطريق السهلة والكهرباء والماء والهاتف و...و... فأصبت بصدمة بعد أن كانت مخيلتي في الطريق إلى «حورور» ترسم مدينة مصغرة.. دعونا وشأن «حورور» وتعالوا معي ندلف باب منزل حفيد غزال المقدشية.
كاميرا تعيسة
كانت بطارية كاميرا التصوير قد استهلكتها صور أودية وقرى ما قبل حورور .. قلت في قرارة نفسي: لا بأس.. سنصل قرية حورور وأشحن البطارية ولو لربع ساعة ريثما أجري الحوارات، قالوا : ما بش كهرباء عندنا إلا مواطير للبعض من بعد المغرب.
حينها تأكدت أن حظي أتعس من حورور، وبكل إحراج رفعت نظري إلى الأخ يحيى القيسي أمين عام المجلس المحلي في المديرية لكنه كان كريماً معي وعاد بسيارته الهايلوكس مسافة عشرة كيلو مترات من القرية بحثاً عن بطاريات Erergizer أو شحن بطاريات الليثيوم فتوقف بالأخيرة لدقائق معدودة وعاد بعد نصف ساعة والتقط صورة بدون فلاش حتى لا تنتهي البطارية لحفيد غزال وأنا أحاور مع صديقي الشاعر الشاب والترجمان / ناصر علي القيسي الذي كان ينقل أسئلتي إلى أذن الحاج مصلح بصوت مرتفع وبلهجتهم العامية.
كم عمرك يا حاج مصلح؟
ما كانوا يؤرخون لنا .. لكن أظنه قد وصل المائة، ونظري «غشش» ما عد أميز حد.. وسمعي ضعيف ،وما يشلوني من فوق الفراش إلا شلول..
الله يعطيك العافية.. ويحسن لك الختام.. لكن ياحاج مصلح.. ماهي لك غزال المقدشية؟
أول شيء من أنتو يا عيالي؟
احنا من صحيفة الجمهورية .. جينا نحاوركم ونتصور معاكم ونشتي تحاكونا عن سيرة وشعر غزال وعننشر مطالبكم ذي تشتوها في الصحيفة على سب الحكومة تقرأ عن حالتكم.
تفهم من نحن وسبب زيارتنا الشيخ المريض ونادى ابنته الحجة ناصرة «أرملة في الستينيات» ياناصرة .. أصه إدي لي مائتين ريال..
ردت فليش ياباه ذا الحين؟
قال:
أمكن هؤلاء ذي وصلوا عندنا يسكبوا الخبر والهدار.
اعتصرت أنا ومن معي ضحكة ممزوجة بالعطف على الشيخ المسن، الذي مازالت ذاكرته تشده لسلطنة ال«200» ريال.
يا حاج مصلح .. عاندي لك احنا زلط وعانكتب وننشر كل مشاكلك بلاش..
وعدنا إلى الحوار..
ماتقرب لك غزال؟
غزال جدتي أم أبي.
وهل معك اخوة.. وكم عدد أبنائك وبناتك؟
أنا وحيد أبي .. ومعي خوات شيوبات سعي، وهذي البيت ذي إحنا فيها بيت بنتي «ناصرة» الله يبارك فيها أما زوجها فقد مات قبل 26 سنة مقتولاً برصاصة ثأر قديم.. وقاطعت الحديث ابنته الحجة «ناصرة» بالقول:
«الله يرحمه عادو كان وصل من غربة في السعودية وقتلوه قليلي الخير قناص في رأسه بعد وصوله بيومين برصاصة في الرأس.
ومن يومها وأنا أرملة أربي عيالي الاثنين أحمد ومهنى علي صالح ظفر..
ومعي ثلاث بنات زوجت ثنتين وباقي معي واحدة معي.
عدنا نسأل الحاج مصلح.. هل تتذكر جدتك غزال؟
أذكرها خيال وهي عمياء في «الزوة» سنة «واحدة» ادركنا أنه ربما يقصد سنة «1901» كان عام وفات غزال المقدشية عندما كان عمره أقل من عشر سنوات مما يعني أن عمره الآن حوالي «127» عاماً على حد قوله.
يا حاج مصلح .. عاد كان شي أحضره لأبوك من جدتك غزال؟
كان مع أبي أخ واحد من زوج ثاني لجدتي وقد قتل زمان. سألنا الحاج مصلح بلهجته عن مصدر العيش الذي يعولهم فأجابت عنه ابنته الحجة ناصرة بالقول:
الحالة متعبة ياعيالي ولا معانا معاش عيالي عادهم طلاب يدرسوا بلا وظائف.. نشقي في الحول «الحقل» ونأكل الحب ونؤكل البقرة وتعطينااللبن والحليب والسمن وهذي بيتنا أمامكم قديمة مشرخة من أيام الزلزال.
وزادت الحجة ناصرة القول بأنهم يتقاضون راتب حالة فقط من الشئون برغم ان حالتهم تستحق أكثر من حالتين، واقتربت من أذن والدها الحاج مصلح وطلبت منه أن يسمعنا شعره الذي أنشده قبل بضع سنوات ليسمع شيخ منطقته المعني بتسجيل حالات الشئون الاجتماعية المستحقة للعون.
حال الحاج مصلح تذكر تلك الأبيات وقال:
سلام مني محدش يا محمد حسين
شيخ بن شيخ علمهم أهل المخا والعدين
الله يحاجي عليكم واثق العروتين
انت وعبدالله الفخري وابوهم حسين
أظن صدقتو الكتاب بالكذبتين
ذي قرروا راتب الحالة وهي حالتين
كتاب لا يرقعو للشط بالخالتين
كتاب يتظفرو للضرس بالكلبتين
ذي موتوني وانا حي في الزوتين
ولا قد الموت بايديهم لنا فلتين
لا سار وكيلي يقولو له: منينه ولين
وخلواأمر المحافظ حب ما ينبتين
والختم صلى على جد الحسن والحسين
على النبي ذي عرج به للسما مرتين
بعد أن أتم الحاج مصلح قصيدة المناشدة للشيخ والمعنيين في الشئون الاجتماعية سألناه عن ما يحفظ من شعر جدته غزال فأسمعنا أولاً الأبيات التي ألقاها شاعر الحداء بلسان شيخها الموكل بحل خلاف بين قريتين من عنس.. ولعل الأبيات موجهة إلى غزال في البدء من شاعر الحداء وهي:
صباح بالخير يا مدهنجة بالهرد
يا بنت علوان ياذي حازبة بالعقد
حالمة مستفيضة عطفة والا فرد
بخيت ثور القيامة لكن الله يهد
مخضاب بمبلمباج كم من راس منا فند
النار تطفأ ونيران البخيتي تقد
بخيت محرز معلي من تكهمها جرد
ويقول الحاج مصلح حفيد غزال ان القصيدة قيلت وقت المقيل في ديوان شيخ من مشائخ عنس مكان حل الخلاف ولأن غزال لم تكن راضية عن حكم الشيخ البخيتي الذي رأت فيه جنوحاً إلى أحد الأطراف المتنازعة، ردت مباشرة بأبيات من شعر البالة على شيخ الحداء بالقول:
يا مرحباً ما يشدو من رداع النجد
ماحملوها زهبها والحبال الجدد
الجابري لي حروفه في الغطاء مستمد
أول حروفه قراحى وآخر الحرف جد
قال أحمد اليوم ما حد من بلاده يشد
الهنجمة هي على ذي سحر والا عمد
قم يا بخيتي تروح عنس هي باتسد
والجعبلة يرضي الصوفي بمثنى وحد
وبعد أن سمعنا هذه الأبيات من شعر البالة لغزال المقدشية بلسان حفيدها قال رفيقي في هذا الحوار الشاعر/ناصر علي القيسي إن تلك الأبيات كانت حكماً نافذاً تراضى بتنفيذه طرفا الخلاف وبالفعل قدم الطرف الأول «الجعبلي قدراً من المواشي والغرامة ارضاءً لغريمة «الصوفي» وانتهى الخلاف.
بحكم شعري من البالة أطلقته غزال المقدشية ارتجالاً وسط كبار القوم في ديوان الشيخ وحسب ما يحكى عنها بأنها كانت جميلة لكن قوة شخصيتها وشجاعتها ورجاحة عقلها وبلاغة لسانها كان يفرض على من حولها واقعاً من الهيبة والأنفة.
المساواة
أثناء الحوار مع حفيد غزال المقدشية الحاج مصلح أسكتنا لدقائق معدودة حتى لوحت ابنته الحجة «ناصرة» بيدها من طرف الديوان قائلة: مدري ما سمها ذياك البنية ذي جت من الصحافة أو التلفزيون قبل سنتين تقول ان البردوني قال ان غزال «جارة» أي أنها ناقصة أصل حسب اعتقاد قبلي هناك وفي معظم البلاد.
بالطبع دافعت أنا ومن معي عن المرحوم الشاعر الكبير عبدالله البردوني وأن تلك الصفة لا يمكن أن تصدر عنه إلا من باب القيل والقال ممن كانوا يحضرون عليها من شعراء عاصروها أو مشائخ تعرضوا لهجائها، ومباشرة ارتجل صديقي الشاعر ناصر القيسي ببيت من الشعر دحضاً لما قيل:
غزال تسوى مائة رجال على كل حال
مالي وما للمشعب إيش ما قال قال
وفي نهاية الحوار طلبنا من حفيد غزال القاء تلك الأبيات الشعرية التي اشتهرت بها غزال في دعوتها الإنسانية للمساواة بين العباد في زمن كان يشتعل فرقة بين طبقات المجتمع كما أشار لذلك واستفاض شاعرنا البردوني وتناولته أيضاً قناة ال(MBC) ولم يحفض حفيدها إلا:
سوى سوى يا عباد الله متساوية
ماحد ولد حر والثاني ولد جارية
وبرغم ماقيل لنا قبل الوصول إلى «حورور» من أن هذا البيت قيلت بسبب النزاع الدائر بين علية القوم في القبيلة ذاتها كل يريد ويسعى للاستحواذ بالمشيخة وتهميش الآخر ونعته بالنسب الدوني كي يحرم من المشيخة ، برغم هذه الحكاية فإن غيرها تحكي أن بعضاً من الشعراء الحاقدين ممن عاصروا غزال قد استغلوا ذلك البيت «سوى سوى »... في أنها ماقالتها إلا لأنها منهم، أي من الطبقات الدونية المطالبة بالمساواة.
لكننا اليوم وصلنا إلى قرية غزال والقرى المجاورة لها فقيل إن غزال كانت سليلة أعرق الأسر المقدشية.. لكن قناعتها وزهدها عن جمع المال وحب الثراء كان القاسم المشترك بينها وبين معظم الشعراء في كل زمان ومكان .. فكما كان يصف العرق قديماً أحد شعرائهم بأن «فلان أهلكه الأدب» وبالفعل هانحن اليوم في زيارتنا لمنزل غزال المقدشية وجدناه مهدماً والتقطنا صورة فوتغرافية تؤكد ذلك وزاد تأكيد ما آل إليه أحفادها من ضنك في العيش وعوز لأدنى ضرورات العيش.. الحاج مصلح حفيد غزال يعيش في منزل زوج ابنته المتوفى وراتبه من الشئون تقول ابنته إنه انقطع منذ شهرين ولا تدري ما السبب لكن الأمين العام للمجلس المحلي في مديرية ميفعة عنس وعدها بمتابعة من تسبب بصرف المستحق الأخير من الشئون وهكذا تركنا الخالة «ناصرة» ووالدها الشاعر المسن حفيد غزال المقدشية.. وخرجنا من قريتهم حورور وقلوبنا دامية لحال هذه الأسرة المعدمة.. والمناشدة للمعنيين في المجلس المحلي وربما وزارة الثقافة أيضاً منحتهم ما ينبغي تكريماً لرموز يمانية من رموز الشعر الشعبي وأبرز مناد للمساواة بين البشر في مجتمعنا اليمني آنذاك.
الزامل والبالة والقصيد
بعد أن رحلنا عن حورور قرية غزال المقدشية سألت صديقي الشاعر الشعبي ناصر القيسي عن الفرق بين شعر الزامل والبالة والقصيد؟
ولاسيما وقد كان يسأل حفيد غزال عما اذا كان يحفظ زاملاً أو قصيداً لأن ما أسمعنا إياه كان من شعر البالة.
ولا أخفي على من يقرأ هذه السطور أنني بالفعل لم أكن أميز بين الثلاثة فأجاب القيسي بأن قافية الشطرين في البيت الشعري اذا توحدت يسمونها ب«البالة» وهذه الأبيات عادة ما يرتجلها الشعراء في سجال شعري فيما بينهم وقت المقيل كما يتخللها ترديد الشاعر وأصحابه لحناً بأحرف «البااااااله........».
كما ان قصيدة البالة قد لا تكون ضرورة لحل خلاف استقبال ضيوف أو أي مقام رسمي يجتمع عليه القوم، فيما قد يمضي في أحايين كثيرة وسيلة للاستمتاع بالوقت وأنساً تداعبه المفردات.
أما الزامل في ذمار عامة حسبما عرفت وربما في معظم قبائل اليمن.. لا يأتي ارتجالاً بل محبوكاً سلفاً لأغراض عدة منها:
الهجيم : يحتشد الرجال من قبيلة الجاني المورط في مقتل شخص بالخطأ مثلاً ينتمي لقبيلة أخرى، وإلى هذه الأخيرة يصل ذوو الجاني مطالبين العفو والسماح ويسوقون معهم قدراً معلوماً من رؤوس الماشية أهمها الأثوار وبمجرد وصولهم مدخل قرية أولياء الدم حتى يذبحوا ما ساقوه ويعرضوا كذا من الأرض وكذا من المال وفي المسير في ذلك «الهجيم» أو ما يسمى ب«الهجر» في مناطق أخرى من اليمن يردد هؤلاء القوم أبياتاً من الشعر الموحد قافية عجز البيت في لحن موحد هو لحن «الزامل».
يقول العميد / محسن محمد الآنسي عضو مجلس النواب في الدائرة «206» مديرية المنار «آنس» خلال زيارتي للمديرية وجدت هذا الزامل في الغالب ينطوي على صيغة اعتراف وحكم قبلي تصدره عشيرة الجاني على نفسها واذا ما أحسن شاعرها انتقاء المعاني إضافة إلى رجاحة وعدالة الحكم في الزامل، فإن أولياء الدم سرعان ما يطلقون العفو ويقبلون الهجيم أو المهجم أو الهجر.. ويضيف العميد محسن الآنسي إن للزامل وقعاً بالغ الأثر في حل كثير من القضايا الجنائية خاصة قبل وصولها إلى المحكمة.
العرس : الضرورة الثانية للزامل هي مناسبات الأعراس حيث يصطف أهل العريس بعد وصولهم قرية العروس وينشدون زاملاً موحداً ويماثله زامل ترحيبي بلسان زمرة من أهل وعشيرة العروس كتقليد فرائحي في أسعد مناسبات القبيلة في ذمار. السماية :
عن زامل «السماية» شرحها لي أحد الشعراء الشعبيين في قرية منكر التابعة لجرشة مديرية ميفعة عنس هو الوالد علي مقبل صالح المنكري واختزل الشرح في هذه الحكاية الواقعية:
قبل حوالي 16 سنة رزق الشيخ محمد حسين المقدشي أحد كبار مشائخ محافظة ذمار بمولود أسماه «عبدالله» فأخذ الشيخ محمد حسين مجموعة من رجال القبيلة والهدايا وعلى رأسها الماشية ووصل منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر «شيخ مشائخ اليمن» مسلماً «السماية».
وقال الشيخ المقدشي أنا جيتك يا شيخ عبدالله بعدما سميت ولدي على اسمك معزة فيكم ليس إلا وبعبارات أخرى وفي عرف قبلي معروف بين الطرفين ما كان أمام الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلا حشد مجاميع من قبيلته الكبيرة» والتوجه إلى قرية وقبيلة الشيخ محمد حسين المقدشي لرد «السماية».
وأوضح الوالد علي مقبل المنكري القول: مابعد اكودنا في عنس كلها استرنا نكافيهم من أطلاء وقات وضيافة، وبالطبع وصل رجال الشيخ عبدالله وهو أيضاً مرددين زاملاً يعبر عن تثمينهم للتسمية لم يستطع الوالد علي المنكري تذكر أبيات ذلك الزامل لكنه تذكر زاملاً مماثلاً أنشده رجال من قبيلة في الحداء وصلوا ضيوفاً على من سمى ولده في عنس باسم أحدهم قبل 30 عاماً فسيقت الأغنام والعجول وخمسة جمال مشقرة بالرياحين وقال الزامل بلسان رجال الحداء.
سلام يا ضركام والقف من جبل شامخ منيع
ألفين في ألفين فوق ألفين فوق شعب الباطلي
لاجيت أما معري ولا طراح ولاجيتك شويع
إلا حنج في ذي تسمى ناصر احمد بن علي.
وللزامل مقامات أخرى غير المهجم والعرس والسماية لا يتسع المقام لحصرها.
أما ثالث أنماط الشعر الشعبي في ذمار فهو «القصيدة» وهو مزيج بين الزامل والبالة لكنه أقرب إلى القصيدة العربية المألوفة بتنوع بحور الشعر ومستويات الفصاحة والعامية لكنها بالتأكيد كما يقول الوالد علي مقبل المكري تطول أبياتها عن البالة أما الزامل فعادة لا تزيد أبياته عن الاثنتين.
بعد أن شرح لي الوالد الشاعر/علي مقبل صالح المنكري مقامات ومقالات الزامل والبالة والقصيد أسمعني قصيدة شعرية كان قد كتبها تعبر عن حجم التحولات التي عاشتها بلادنا من قيام الجمهورية والوحدة خاصة اخترنا من القصيدة لنختتم هذه اللقاءات بهذه الأبيات:
دم الشهيد أثمر وخير الشهيد ظهر
عليه منا الترحيم بعد الصلاة مرار
دم الشهيد ناضل واستمر
حتى الإمام غادر وهو لابس الخمار
نادى نقم شمسان بنفهم الخبر
مع أي مستعمر ما يفهم الحوار
ما ينفعه إلا الموت والطعن في الشفر
والأرض تحرق أقدامهم نار
22 تشرين هو اليوم الأغر
رفع العلم فوق كل قمة وفوق كل دار
تحقق الحلم الذي كان منتظر
واصبح حقيقة بعد ما طال الانتظار
يا أيها الشيخ الكبير وضح الصور
كيف كانت أوضاعك في أيام الانشطار
البرد والجوع والمخافات والحذر
جن الإمام لا يسمعوك اترك الهدار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.