اعداد / كرم خالد أمان : يصادف يوم غدٍ الأحد الذكرى ال 41 لرحيل فقيد الجنوب الكبير الشاعر العدني (لطفي جعفر علي أمان) ، بعد رحلة عطاء حافلة في الشعر الرومانسي الذي وصل به الى العالمية ، الى جانب ماتميزت به اشعاره من الوطنية ، حيث له عدة قصائد وطنية نظمها وقالها إبان الإحتلال البريطاني لعدن وقصائد تغنى بها في يوم الإستقلال الوطني الأول ، وهي اليوم تتردد مع نضالات شعب الجنوب التحررية السلمية ضد الإحتلال اليمني ، مشواره الأدبي زاخر كونه قد بدأ في العمل الأدبي في فترة مبكرة جداً من حياته عندما أصدر ديوانه الأول ”بقايا نغم“ وهو في العقد الثاني من عمره ، وبمناسبة هذه الذكرى لشاعرنا الكبير فقد قامت صحيفة عدن حرة بإعداد هذه الصفحة الخاصة لتسليط الضوء على حياة الشاعر ومناقبه الأدبية .
بداية مشواره الأدبي :
كان ميلاد الشاعر لطفي جعفر أمان وديوانه الأول ”بقايا نغم“ في عام 1948م الذي له خصوصية في وجدان الإنسان العربي وهو عام النكسة ، وكان ديوانه بقايا نغم عنواناً ترك في النفس حيرة وتساؤل !! أية قيثارة تحطمت ولم يبق منها غير أنغام حزينة بين أوتار ممزقة ؟؟
ومن بقايا أنغامه أراد لطفي ان يخاطب الحياة والناس ، وحاول ان يعزف لحنه الحزين :
ما غايتي ياقلب في هذه الحياة ؟ وما المصير ؟
أطوي فلاة العمر .. لا ادري إلى أين أسير
باكي الشباب .. مضيع الآمال .. موهون الضمير
ألقي الحياة أثيمة .. طفحت بألوان الشرور
تختال في برد الجمال .. وتحته الإثم الكبير
فتاكة النظرات .. تعبق بالحليل وبالحقير
ودعتها بين الصخور .. فلا أنيس .. ولا سمير
وكأنني الميت الغريب .. تغافلت عنه القبور
يعتبر الشاعر لطفي جعفر أمان احد الرواد الذين تقف أعمالهم في مصاف الإبداع الأدبي الإنساني الخالد في ثقافتنا المعاصرة ، ولكن هذا الشاعر لم ينل حقه من البحث والدرس ، وحتى أعماله أبحت مجهولة للقارئ منذ سنوات ، فأصبح من يبحث عن أعمال لطفي ، مثل مايبحث عن الماء في صحراء قاحلة ، وهو الشاعر المتعدد المواهب في عالم الإبداع ، ولو نال حقه من الإهتمام بتراثه لأصبح قمة شعرية على مستوى الوطن العربي ، ولو ترجمت أعماله إلى لغات أخرى لأصبح شاعراً تذوب قصائده في وجدان كل من يجد في أشعاره أحاسيس تربط بينه وبين لطفي . فالعالمية في شعر لطفي رؤية إنسانية لقضايا الإنسان ، فهو الشاعر الذي نظم القصيدة ومعاناة الإنسان الوريد الذي ينبض في جوهرها .
هذا هو لطفي الشاعر الذي مات ، والقصيدة إبتسامة على شفتيه ، والفنان الذي أعطى من عمق التجربة ، فأصبحت قصائده جزءاً من كياننا ، وحياته صورة من تاريخنا ، وخلوده صورة مشرفة لنا أمام الغير .
لطفي جعفر أمان احد أولئك الشعراء الذين تسكن أرواحهم في أشعارهم ، فتضل أطيافاً تستشف بين صورة وظلال من خلال كلمات تحيا مع عبير الحياة ومشاعر الناس ، فتصبح مع الأيام ذاكرة نحتت على جدرانها أحاسيس أمة ، فأصبحت شهادة لميلاد حياة تنبض في شرايين شعب .
فالقصيدة عند لطفي صورة من الذات الأخرى التي يبحر من خلالها إلى تلك العوالم النائية في كيان الإنسان ليجعل منها جسراً يربط بين الإنسان وعالمه ، لذلك تكتسب القصيدة في شعره أبعاداً إنسانية تتساقط أمامها كل حواجز الإنفصال وتذوب فيها كل فواصل التقاطع .
أشهر قصائده الوطنية :
من أجمل قصائد الشاعر لطفي جعفر أمان ذات البعد الوطني الإنساني ”في موكب الثورة“ من ديوان إليكم يا أخوتي ، فهي إن كانت أغنية لعيد الإستقلال الأول في بلادنا ، فقد حملت من المعاني ذات الرؤية الإنسانية ، مما جعلها أغنية كل إنسان نال وطنه الحرية ، بعد طول كفاح ،
يامزهري الحزين
من يرعش الحنين ؟
إلى ملاعب الصبا .. وحبنا الدفين ؟
هناك .. حيث رفرفت
على جناح لهونا
أعذب ساعات السنين
يامزهري الحزين
وفي أبيات من هذه القصيدة تشعل الحماس والحمية لدى الثوار قال لطفي : وأنتفض الزمان ؟؟ دق الساعة الأخيرة فأندفعت جموعنا غفيرة .. غفيرة تهز معجزاتها في روعة المسيرة وجلجلت ثورتنا تهيب بالأبطال الزحف يارجال الزحف والنضال فكلنا حرية تحن للقتال ويصف الشاعر ثورة شعب الجنوب بالبركان الثائر الذي تفجر من قمم الجبال فيقول :
وهكذا تفجر البركان في ردفان ورددت هديره الجبال في شمسان وانطلقت ثورتنا ماردة النيران تضيئ من شرارها حرية الأوطان وتقصف العروش في معاقل الطغيان وتدفع الجياع في مسيرة الإنسان يشدهم للشمس نصر يبهر الزمان !!
وله كثير من القصائد الوطنية المغناة الخالدة التي لازالت تردد حتى يومنا هذا ومنها قصيدته المسماه (سأنتقم ) :
أخي ... كبلوني وغل لساني ... وأتهموني بأني تعاليت في عفتي ووزعت روحي على تربتي فتخنق أنفاسهم قبضتي لأني أقدس حريتي لذا كبلوني وغل لساني ... واتهموني ويختتم الشاعر قصيدته هذه بأبيات غاية في الروعة والجمال :
أخي .. قد نذرت الكفاح العنيد لهذا الوطن إلى أن أرى إخوتي في السجون وهم طلقاء يقولون : ما مات ... حتى أنتقم !
وفي قصيدة ”بلادي حرة“ من ديوانه ”إليكم يا اخوتي“ يطلق الشاعر لروحه العنان ولموهبته الشعرية كل مايملك من قدرة على التعبير عن يوم الإستقلال بعد إستعمار دام 129 عاما قائلا :
على أرضنا .. بعد طول الكفاح تجلى الصباح .. لأول مرة وطار الفضاء طليقاً رحيباً بأجنحة النور ينساب ثره وقبلت الشمس سُمر الجباه وقد عقدوا النصر من بعد ثورة وغنى لنا مهرجان الزمان بأعياد وحدتنا المستقرة وأقبل يزهو ربيع الخلود وموكب ثورتنا الضخم إثره تًزين إكليله ألف زهرة وينشر من دمنا الحر عطره ويرسم فوق اللواء الخفوق حروفاً تضيئ .. لأول مرة : بلادي حرة ..
وقصيدته الشهيرة ”المهرجان الأكبر“ فقد نظمها الشاعر في الذكرى الثالثة لعيد الإستقلال الأول ، في هذه القصيدة نرى لطفي يصف وطنه المتحرر بكل شموخ وكبرياء وعزة نفس مخاطباً العالم : المهرجان الأكبر في موطني .. يزهو به إستقلالنا ويكبر الله أكبر ... أكبر وهفا الزمان .. وللزمان تلفت وتحير من ذا الذي تدوي السماء بجانبيه وتزخر شعبي يشق الشمس عبر نضاله يتحرر يمضي به التاريخ عن أبطالنا يتفجر حمماً تناثر من شظايا نارها مستعمر ماكان إلا بالسلاح .. وبالضحايا ..
ديوانه ” كانت لنا أيام ” : إذا كان الشعر الوطني يشكل معظم الإنتاج لشعراء بلادنا يضل الشعر الذي امام تجارب ومفارقات النفس قليلاً مايوجد في اشعارنا ، فديوان ” كانت لنا أيام“ لايشكل نقلة جديدة في شعر لطفي بل هو إتجاه جديد في شعرنا لم يجد من يضيف اليه ، فهو يتطلب من صاحبه شجاعة فكرية ومقدرة على مواجهة خطايا النفس والجسد في صراع لا ينتصر فيه الا من كان قد احترق بنار تطهر النفس من ادرانها . والشاعر في هذا الديوان يصور لنا ذلك الصراع بين الروح والجسد ، بين عالم المثل العليا والرغبات المحرقة في جحيم الذلة ، بين جسد تشده رغبة محرقة إلى كهوف مظلمة وروح تحاول الإنطلاق نحو آفاق منيرة تستعيد فيها الصفاء والنقاء .