في اليمن بالذات، تحرص أمريكا على ملاحقة عناصر تنظيم القاعدة، تحت ذريعة "الحرب على الإرهاب" التي جلبت جُلّ وربما كُلّ دول العالم على التحالف من أجل إنجاحها. أما بالذات، فلأنها تَعُد "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" الذي أُعلن عن تأسيسه عام 2009م واتخذ من اليمن مركزاً له، أخطر التنظيمات الإرهابية، وإن كان وجود التنظيم بشكل مجموعات وأفراد في اليمن والسعودية قبل هذا التأسيس، ولهذا تتابعت ملاحقات أمريكا وحلفائها لقادة التنظيم وعناصره اغتيالاً واعتقالاً، وتعددت إنزالات المارينز الأمريكي على الأراضي اليمنية، يحكم عليها البعض بالفشل، وآخرون بالنجاح، يصيح بعض الناس منددين بانتهاك السيادة المزعومة، التي لم يُعد لها وجود حقيقي، ليس الآن فحسب بل منذ أيام المخلوع علي عبدالله صالح، حينما تم التعاون مع الإدارة الأمريكية في اغتيال مسئول القاعدة في اليمن أبي علي الحارثي في الثاني من نوفمبر 2002م، وطالبت حينها أحزاب المعارضة مجلس النواب بمساءلة الحكومة ورئيسها عبد القادر باجمال عن تواطؤها في انتهاك السيادة اليمنية! بينما كثير من اليمنيين يؤكدون على أهمية محاربة الإرهاب، وآخرون يطالب بطرد الإرهابيين وإخراجهم من اليمن، ولكن حينما يأتي الحديث عن وجود المارينز يتشتت رأي اليمنيين في هذه القصة الحرجة. أمريكا، ليست صديقة لليمنيين، حتى وإن وُجِد من يتباهى بنهضتها وقوتها وتطورها، ويتمدّح آخرون بدراسته وعيشه سنوات على أرضها، لكن المجتمع اليمني المحافظ لا يحب الأمريكان ولا يتيّم بهم، فهو يراهم عدواً "كافراً" يستحق الحرب والمقاطعة، ومن هنا جاءت جماعة الحوثي بشعاراتها الزائفة ومنها "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل" وهي أكبر المتعاونين معهما؛ لكي تمرر ألاعيبها على السذج والبسطاء. العملية الأخيرة، التي نفذها المارينز الأسبوع الماضي بمنطقة يكلاء محافظة البيضاء، لا تعدو أن تكون مجرد فرد عضلات أمريكية مع رئيسها الجديد، على تنظيم متهالك لا يقوى على مقاومة ومواجهة جيش منظم ومدرب تدريباً عالياً كما حدث عند مواجهته لقوات النخبة الحضرمية التي أرغمته على الرحيل من ساحل حضرموت. لقد فقد هذا التنظيم نخبة كبيرة من قياداته العليا، يمنية وسعودية وغيرها، ولم يبق معه إلا قادة تدور حولهم أسئلة الشك في ولائهم وإخلاصهم لأيديولوجية تنظيم!! من بقي من أفراده يمكنهم الآن فقط، الاختباء والتربص لفرصة سانحة للقيام بعملية انتقام هنا أو هناك لمن يرونه ويقررونه أيديولوجياً وشرعياً بأنه عدو لله ولشريعته، وبالتالي يحكمون عليه بالردة والخروج من الإسلام وقد حان قتله! وربما يتحالفون مع حليف من قبائل مناهضة للدولة الحاكمة، أو قيادات عسكرية مازالت موالية للانقلابيين! يتداول الناس في اليمن، ويتهكمون بجديّة، بأن زعيم تنظيم القاعدة في اليمن، واللاعب الحقيقي بورقتها هو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فمنذ أن ظهر هذا التنظيم والمخلوع يبرزه كيفما شاء، ويحاربه كيفما يريد، ويوقفه وقت ما يرغب! يتهم به معارضيه؛ كما فعل مع منافسه فيصل بن شملان رحمه الله أيام الانتخابات الرئاسية 2006م، وفعل أيضاً مع محافظات الجنوب حينما رأى أنها تمردت عليه، ورفع أبناؤها صوتهم منادين بفك ارتباط الجنوب العربي عن الجمهورية اليمنية، فأدّبها بإفساح المجال لتمدد التنظيم وتفعيل نشاطه ودعم عملياته وقياداته ورجاله، فظهر التنظيم في حرب الانفصال 94م وفي 2011م في أبين وشبوة وحضرموت، واستطاع مؤخراً السيطرة والحكم في هذه المناطق حتى وصمت دولياً بأنها مناطق حاضنة للإرهاب! والمقصود، التأكيد على قضية نعتبرها مسلّمة وبدهية، وإن اعتبرها آخرون ليست كذلك؛ أن انتعاش وبقاء التنظيمات الإرهابية في اليمن أياً كان شكلها، مرهون ببقاء المخلوع ودوائره المحيطة به، فلو تم القبض عليه أو هلك، لا نقول أن هذه التنظيمات ستختفي، ولكن سيقل ويضعف نشاطها كثيراً، ولهذا تأتي الشكوك والتساؤلات عن طول مدة بقاء علي عبدالله صالح في المشهد السياسي؛ يرجعه البعض إلى حماية الأمريكان له فهو حليفهم السابق المنتهك لسيادة الأرض اليمنية، وأيضاً هو الحليف الحميم لإسرائيل إذ سهّل ليهودها اليمنيين الهجرة بكل يُسر، وفي الهجرة الأخيرة سلمها تراث اليهود في اليمن ومنه نسخةً قديمة من التوراة تعود إلى 800 عام مكتوبة على جلد حيوان وتمّ الحفاظ عليها لقرون! أمريكا تستخدم ورقة القاعدة، وفي نفس الوقت تحاربها، ولقائل يقول هي صنيعتها، ولآخر أن يكذب ذلك ويعده هراء؛ باعتبار أن التنظيم فكر متطرف كغيره من أفكار الجماعات الغالية والمتطرفة التي لا يمنع أصحابها أن تتقاطع مصالحهم مع غيرهم من القوى الفاعلة على المنطقة، سواء كانت حاكمة أم متنفذة، والنتيجة أن أرض اليمن أصبحت ساحة حرب ومنازلة بين طرفين؛ أحدهما قوي، تهمه مصالحه وأمنه القومي والرأي العام الذي ينتظر انتصاراته ليطمئن على جدارة من اختاره وانتخبه حاكماً عليه، وهو في نفس الوقت لا يرقب في مؤمن ولا نفس إنسان إلّا ولا ذمّة! وطرف آخر ضعيف متهور لا يملك قوة تضاهي قوة الطرف الآخر الذي يبتكر له في كل يوم سلاح جديد يفتك به خصومه، والعجيب أن الضعيف مازال يتجدد يوماً بعد يوم، وإن كان ذلك التجديد على حساب سفك مزيد من دماء رجاله وقياداته أو من دماء الأبرياء!! وبين الطرفين أرض وشعب يتضوران جوعاً وجهلاً وفقراً وتمزقاً وتخلفاً، ولا يتراءى في القريب العاجل الأفق بوادر لانتهاء هذه المهزلة والحماقة، إلا أن يشاء الله!!