أما آن لهذا الثرى ، أن تقول كفى كفى، نزيفاً لهذه الدماء ، فكم من شهيداً قد سقى ، بدمه الطاهر فداء ، لكي ينال الجنوب العلى . فمهما كانت بلاغتي في التعبير ومهما كانت فصاحتي في اللغة، فإنني لا استطيع أن اتحدث عن مثل هذه الشخصية البطولية والهامة الفدائية . انه الشهيد ابن الشهيد / والقائد الفدائي / عبدالكريم محسن حسين القطيبي الملقب ( أبو عبدالله) ،فقبل الخوض في الكتابة دعوني ان اتطرق الى سيرته العطرة. فالشهيد من مواليد 1985م قرية دبسان م/ردفان م / لحج ، نشأ وترعرع فيها وتلقى تعليمه الأساسي ، بعدها انتقل إلى مديرية ردفان الحبيلين ليكمل تعليمه الثانوي. ثم التحق بالسلك العسكري مبكراً ، الشهيد متزوج وأب لخمسة أطفال ، اشتهر منذ وقت مبكر من حياته بعدة خصال أهمها الكرم والشهامة والشجاعة والأدب والاحترام والإقدام ، لذلك فرض حبه واحترامه على من يعرفه ومن لا يعرفه ، وأصبح يعرفه الصغير قبل الكبير لتواضعه وشجاعته وبسالته وإقدامه ، ويتمتع بشخصية واسعه منقطعة النظير ، وكل هذه الصفات وغيرها ورثها عن والده الشهيد / العميد / محسن حسين القطيبي والتي يتحلى بها شهيدنا وكل أفراد أسرته بالكامل ، ويمتاز أيضاً بالذكاء الفطري الخارق . لقد صال وجال شهيدنا البطل في العديد من جبهات القتال في جنوبنا الحبيب حيث كانت الانطلاقة من عدن. ومنذ الوهلة الأولى وما إن وضعت أقدام الغزاة المحتلين العاصمة عدن لم يظل متفرجاً لما يحدث لإخوانه من قتل وتشريد ولما يجري لعدن الحبيبة من قصف وتدمير ، بل كان له السبق بشحذ الهمم وشمر عن ساعديه وتوجه إلى جبهة جعوله بقياده القائد العميد / فضل حسن الردفاني ، مع رفاقه الأبطال الذين حملوا أرواحهم على أكفهم من أجل الدفاع عن الدين والأرض والعرض ، وقاتل هناك قتال الأبطال حتى أًصيب شهيدنا بشظايا اخترقت عموده الفقري ، وكان ذلك في رمضان من العام 2015م ، وما إن تماثل للشفاء لم يتوقف عن النضال ولم يكل أو يمل ، بل استمر مع رفاقه في تطهير وتحرير جبهة جعوله من جحافل الغزاة المحتلين. بعدها أعطت لهم الأوامر بالتوجه إلى جبهة بئر احمد لتحريرها هي الأخرى وكان شهيدنا المغوار من ضمن الأوائل بل وفي مقدمة الصفوف مترجلاً لا يهاب الموت بل ظل يطلب الشهادة والتي كانت أمله المرجو وحلمه الذي يراوده . وما زال يزأر زئير الأسود وينتقل من جبهة لأخرى حتى وصل إلى جبهة كرش -الشريجة الحدودية مروراً بجبهة العند . وفي جبهة كرش وتحديداً في الجريبة (الميسرة) ظل مرابطاً هناك ومتصدياً ويمنع أي تقدم للغزاة . الشهيد لديه خبره كافية في التعامل مع كافة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بمختلف أنواعها لذلك أسندت إلية مهمة قيادة كتيبة الموت ، وذات يوم اشتدت ضراوة المواجهات مع الغزاة المحتلين وأصيب شهيدنا بطلقة اخترقت يده اليمنى ، وكان ذلك في يوم الأربعاء الموافق 17/2/2016م ، وأسعف إلى المستشفى وأجريت له الإسعافات الأولية وعاد للتو بعد المجارحة مباشرةً . وبعدها بيومين شن شهيدنا ورفاقه هجوماً على احدى المواقع الأمامية للحوثيين وتمكنوا من السيطرة عليه وقتل أحد الحوثيين المتواجدين بداخله ، ولاذ البقية بالفرار ، وأصيب حينها شهيدنا بخمس شظايا في مؤخرته نتيجة إلغاء الحوثة بقنبلة هجوميه عليه . وأشار عليه زملائه بالذهاب في الصباح الباكر لأقرب مشفى لاستخراج الشظايا ولكن أبى ذلك وقال : (( إن عشنا عشنا معاً وإن استشهدنا تقاسمنا الكفن )) ، بعدها نزل لتفقد المواقع الأخرى المجاورة، وفي مساء يوم الاثنين المشؤوم كثف الغزاة الحوثيين إطلاق قذائف الهاون على تلك المواقع وعاد مسرعاً إلى موقعه لتفقد زملائه ومسانداً لهم ، وقبل أن يصل إلى قمة الجبل (الموقع) كتبت له الشهادة بقذيفة هاون والتي بالفعل نال شرفها في مساء الاثنين الموافق 22/2/2016م . ليوارى جثمانه الطاهر الثرى في مقبرة الشهداء بجدعاء ردفان ،في مثل هذا اليوم من العام الماضي (عام الخزن والاسى). فهنيئاً لك الشهادة شهيدنا البطل وانا على دربك لسائرون وللتضحية مستمرون وعلى العهد باقون.