شيع جمع من الإعلاميين ومحبي الخير من المواطنين جثمان الفقيد العزيز والصديق الزميل محفوظ عيضة بن سالم إلى مثواه الأخير بمقبرة باعبود الشرج مساء يوم الاثنين 27/2/2017م بعد أن وافاه الأجل عصر ذات اليوم بعد صراع مرير مع المرض الذي منعه عن مواصلة نشاطه الإعلامي ولقاء زملائه وأصدقائه. كنت عرفته صغيرا عندما كنا نسكن معا في منقطة (العرْوِشْ) بالديس فقد كان يسكن رحمة الله مع والدته يتيما في (عريش) وكنت أنا أعيش بالقرب منه مع أهلي في عريش (آل محروس) ودار الدنيا عريش كما يقولون. عشنا معاً ولعبنا معاً..كان قد تربى يتيماً في كنف خاله وعرف البؤس والشقاء والحاجة والفاقة إلا أن كل ذلك لم يمنعه من مواصلة دراسته حيث نجح بذكائه الفطري وحبه للعمل وإصراره على تحقيق النجاح من أن يكون في مقدمة طابور الإعلاميين الذين يعملون بصمتٍ وبلا ضجيج.
عمل أولا في قسم الأخبار بإذاعة المكلا حيث كان يصيغ الأخبار بحرفيه عالية بالرغم من أنه لم يتلقَّ أي تدريب وأستفاد من خبراته عدد من الإعلاميين الذين تعاقبوا العمل في قسم الأخبار بالإذاعة ..ثم أوصلته كفاءته وقدرته وانضباطه في عمله ليكون مديراً عاماً لمكتب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) فرع حضرموت وكان محبوباُ ومقدراً وقدوه حسنة لزملائه في العمل الذين أحبوه وحرصوا على الحضور لوداعه عندما رحل عن دنيانا الفانية وفي النفس ألم وحرة لأنه لم يحصل حتى على تذاكر السفر للعلاج ودراهم معدودة من ثروة نفط حضرموت الذي نصر أحيانا كثيرة على أن يكون بعضا منها لحضرموت أبنائها البسطاء الطيبين .
كان رحمة الله صادقاً وفياً وصبوراً محتسبا لا يشكو الفقر والحاجة عندما كان صغيرا وعندما صار في مقدمة صفوف الإعلاميين كان نظيف اليدين عفيف اللسان لا يتكلم الا عندما يطلب منه الكلام ولا يحمل القلم للكتابة إلا عندما يكون في مكتبة وبين زملائه .. لذلك لم تكن له خصومه مع أحد ولم يمد يده لأحد حتى عندما كثر حاملو مباخر النفاق الذين يصيحون خلف كل ناعق ويطلبون ما يستحقون ومالا يستحقون ويحظون بما لا يحتاجون لكن ذلك حال الدنيا في أغلب البلدان والأوطان.
عاش حياته متواضعا راضيا بما كتب له وفي زحمة اللهاث خلف ملذات الدنيا وأطماعها الزائلة والزائفة كان يعيش في مسكن بالإيجار الشهري ودون مسكن خاص في وقت صار فيه بعض المطبَّلين والمقربعين يمتلكون العمارات والفلل التي غنموها في زمن الفوضى الأخلاقية التي كان فيها الكثير من نحترمهم ونقدرهم يترددون على مكتب العقار للظفر ببعض فتات دنيا لا تدوم غادرها الكثير منا ولم يأخذ معه منها شيئاً.
ومن سخرية الأقدار أن زميلنا العزيز مات مدينا لصحاب العمارة بعد أن أثقل كاهله قيمة العلاج والفحوصات التي كانت تتطلب حياته الصحية ويظل يكافح في صمت المرض من جهة وتقصير الزملاء وجور الأصدقاء من جهة أخرى.
وكنت قد التقيت قبل حوالي عشرين يوما من وفاته في مستوصف الحياة الخيري بالديس بصحبة ابنه وجلسنا معا نتحدث عن مرضه وعن أمكانية علاجه في الخارج وعن إمكانية علاجه في الخارج فأسر لي بأنه قد وُعِدَ بالعلاج في الخارج لكن الوعد ظل مؤجلاً حتى وافاه الأجل وهكذا مات رحمة الله واقفا كما تموت الأشجار لم يشكو حالة لأحد ولم يمد يده لأحد برغم الظروف القاسية والمحن التي عاشها في أيامه الأخيرة .
كان قليل الظهور في المناسبات يترك لزملائه الآخرين الذهاب لتغطية الأحداث ثم يتولى في مكتبه صياغة الأخبار بأداء متميز وحرفية عالية وفن تحريري جميل افتقدناه كثيرا في زمن يتسابق فيه بعض قليلي الخبرة على الحضور والظهور حتى دون أن يتشارك بعضهم في كتابة الأخبار والتقارير الإخبارية التي يحضرون حفلاتها.
وما أحوجنا اليوم استلهام بعض الدروس من مسيرة حياة فقيدنا العزيز الذي كان واحد من النماذج الإعلامية الرائعة حيث عمل بصمت وأسس لنفسه مدرسة إخبارية خاصة به لنهل منها بعض زملائه الإعلاميين وجعل لنفسه مكانة مرموقة في نفوس كل زملائه الذين لم يختلف معه منهم أحد لأنه كان يتعامل معهم بتواضع .. جم وبصدق وأمانة المسئول القدوة.
وأعتقد أنني مهما كتبت عن الكثير من ذكرياتنا معاً في أيام الطفولة وفي مرحلة الشباب والدراسة ثم في مرحلة العمل التي جمعتنا معاً في (إذاعة المكلا) حيث جئتُ إليها من سلك التدريس بإصرار من حيث كان قد سبقني للعمل في الإذاعة وجمعتنا الأيام معاً في أروقة الإذاعة واستفدت من خبرته وتجربته الطويلة مع الأخبار.
رحم الله الصديق الوفي والزميل العزيز محفوظ عيضة بن سالم أسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه وكل أصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان . إنا لله وإنا إليه راجعون .