أبحث عنك بين ركام الماضي،بين حطام الأيام،بين زحام النافذون والمتمصلحون، في معمعة هذا الواقع الذي لايرحم، بين شفاه الساسة الكاذبون، وفي كلمات المداهنون المنافقون، أبحث عنك ياوطني بين وعودهم وأمنياتتا، بين خُطبِهم العصماء والمنابر التي صدحت منها كلماتهم.. أبحث عنك بين شعاراتهم الجوفاء، بين وعودهم الزائفة، وفي تلك الساحات التي جمعتنا وهجروها، في تلك الأيام الخوالي حينما كان الحب والعشق لك يا وطني يعصف بنا ويتملك دواخلنا، ويسكن سويداء قلوبنا.. تائه أنت يا وطني منذ أن بات مقياس الحب لك (ريالات) بائسة هزيلة، ومناصب وكراسي وجاه وسلطان،مُذ أن تسلق أنصاف الرجال سُلم البطولة،وسرق (لصوص) الأمجاد إنتصارات الشرفاء وملاحم الصادقون، وفرحة البسطاء.. تائه أنت يا وطني مُنذ تغنى الهاربون بوهم بطولاتهم،وتشدق (المتفيهقون) بجميل قصصهم، وصعد (المتدثرون) بلحاف الذل والخوف والهوان سُلم الشرف والبطولة وليس لهم فيها شيء.. تائه أنت يا وطني مُنذ أججوا نار المناطقية ونزعة العداء وصراعاتها الدفينة،وبات كل حزب بما لديهم فرحون، وكل جماعة (بشخوصهم) يتفاخرون، وكل ثلة بمناصبهم يستبدون ويعيثون فساداً وتخريب، بت ياوطني (ملكية) خاصة كل جماعة وفئة تدعي أحقيتها فيك وتقصي الآخر وتهمشه.. تائه أنت يا وطني منذ باع البعض ضمائرهم وأخلاقهم ومبادئهم وقيمهم ووطنيتهم (للشيطان) وتحالفوا مع الصغاة والأنذال مقابل دراهم معدودة لاتسمن ولاتغني من جوع، ومقابل رضاء أسيادهم وسعادة أرباب نعمتهم،فغرزوا خناجرهم المسمومة في صدرك وحاكوا ضدك الدسائس والمكائد.. تائه أنت يا وطني منذ تشرذمنا وتفرقنا وبتنا أشلاء وأجزاء،ولم نعد على قلب رجل واحد،ولنا حلمٌ واحد ، وهدفٌ واحد،وغاية واحدة،بل وهم واحد،والم واحد ووجعٌ واحد ودمٌ واحد، ووطنٌ واحد.. تائه أنت يا وطني ولن نجدك إلا في دماء الشهداء الزكية، وفي أرواحهم الطاهرة، لن نجدك إلا في أنين الجرحى ، وآهات المصابين، وبين دموع الثكلى وتيه الأطفال وضياعهم، تائه أنت ياوطني ولن نجدك إلا في حياة البسطاء والفقراء والجياع، من يقتاتون الألم ويتجرعون المرار،من ينامون على (حصير) العفاف، ويصحون على أصوات أمعاءهم.. تائه أنت يا وطني ولن نجدك إلا في عيون الأرامل ، وفي صبر (المكلومين) وفي صدمة (المفجوعين) وبين ثنايا طفلٌ يحبوا ويتأمل الوجوه باحثاً عن أباه الذي توسد القبر وغادر الوطن..