تداهمني صور عميقة متلاحقة طافحة بالألم القاسي كأنها شريط رعب سينمائي . تنتابني أحاسيس ندم في موطن الألم . تذكرت أطيافاً من صور تحت مؤثرات نفسية وعاطفية .تذكرت صور لأهالي قري مكيراس محافظة أبين حين أجبروا عن النزوح من ديارهم ومزارعهم لتسكن تلك القطعان الوحشية قراهم ولهم على ذلك أكثر من عامين تذكرت أيضا أهالي كرش ومعانة اهالي الوزعيه ونازحين الكدحه والجوع والحصار لقرى السواحل الغربية لمدينة تعز تذكرت أياماً ليس لرجوعها من سبيل . تذكرت قطعة من القلب انكسرت فاختنقت بالعبرة . تذكرت أعزاء غادروا شباب العمر من دون وداع أخير . أعرف أن العمر سيّاف لا يرحم . غادر وغدّار . مثل غيمة مدلهمة أمطرتنا وابلاً من الرعب والحصار والجوع والمعانة . ومرّ علينا حين من زمن مثل دهر . وتتابعت أيام ثقيلة الوطأة . صرنا نبحث عن تعلات لملامحنا التي تزداد هرماً في موسم كآبة طويل . كانت الطريق وعرة مظلمة ، مزدحمة بالآمال . وراودتنا أحلام واسعة . أحلام بحجم زلزال . رأينا معلم يعمل في مطعم . رأينا معلم يعمل بناء .وسمعنا عن مدارس أغلقت بسبب قطع رواتب المعلمين لأكثر من ثمانية أشهر عيشنا معانة إنقطاع الكهرباء لساعات طويلة وانعدام الكثير من الخدمات . ونحن لا ندري متى تنجلي الغمّة عن هذه الأمة ؟. ثم ما لبثت أن أصبحت أوطاننا مجرد حقيبة سفر موحشة حزينة . مجرد مناديل عاشقات ودموع عشاق . أوطان لا تصلح أن تكون وسادة للنوم بطمأنينة . مثل فنادق الترانزيت غير صالحة للإقامة أكثر من ليلة أو ليلتين . أوطان لا تستحق الرثاء ، ولا البكاء . وتفرقنا في داخل الوطن وكذا من هم بخارجه مهمومين ممزقين . وتبعثرنا الكثير من الاستفسارات والأسئلة متى سيصرف للمعلم راتبه كي يعلم الأطفال والأجيال؟؟متى ستتحسن الخدمات العامة في الكثير من المدن ؟متى ستنتهي الحرب ونعيش بسلام وأمان؟؟ اليوم يبدو كل شيء مرتبكاً خجولاً . مسطحاً وفارغاً .. تراودني أسئلة مريرة : أين أشرعتنا التي تركناها أمس عند الضفاف ؟ أين زوارق بالمجاديف رسمناها على رمل الشاطئ زاهية الألوان ؟ أين دفاترنا التي تركناها مفتوحة هناك ؟ أين أحلامنا الممكنة ، وأحلامنا غير الممكنة ؟ أين .. أين ؟.