شغلتنا صعوبات الحياة المعيشية والشؤون السياسية لدرجة الثمالة.. غير أن أمرا كان يشغلني منذ سنوات طويلة وأجده فتوي كل عام يزداد ويحتل مكانا مهما من بين شواغلي الحياتية.. إنه الكتاب ! ستقولون .. ومعكم كل الحق فيما ستقولون.. وهل نحن في ترف من بقية أمورنا يا هذا ؟!!.. وهل نحن في حل من بؤس هذه الحياة حتى يشعلنا مثل هذا الأمر ؟!. ستقولون كسرة الخبز وهم الحياة اليومية أولى بأن يشغلنا.. سأقول وأنا معكم.. أفكر في كسرة الخبز.. وفي أسطوانة الغاز وفي الماء والكهرباء.. وانتظر آخر الشهر .. وأحلم بالبيت الذي لا ينتهي عند نهاية كل شهر.. ستقولون إنها الحرب وأوجاعها وما لنا من محيص.. سأقول كلنا في الحرب كرب.. وقد عشنا جميعا كل تفاصيلها وأزكمنا بروائح بارودها.. ولم نطل على جحيم لظاها من علياء شرفة باردة..!. ستقولون إنه الوضع الاقتصادي.. وسأقول وهل اتخمتنا الحياة من رغيد عيش في يوم من الأيام؟!.. ستقولون وتقولون.. وسأفند أقوالكم واحدا واحدا.. لا مفر إذا من وجود الكتاب حتى يحين الكتاب !! . والطبيعي ألا تتنكر هذه المدينة لتاريخها القديم وتهجر الكتاب.. كم كانت هذه مدينة ثقافية بحق منذ نصف قرن حين كانت تحفها المطابع والناشرون.. ويرودها الشعراء والكتاب من كل مكان.. ترى متى كان آخر معرض للكتاب فيها أضاء على الرغم من تواضعه وبساطته.. كم عدد دور النشر فيها.. أو المكتبات؟!.. متى زودت مكتبات مراكزها البسيطة أو جامعتها العتيدة بجديد الكتاب وكيف ؟!. سؤال ملح بغير جواب !! . سلوا الباحثين فيها وهم يستجدون الكتاب.. لقد أثقلنا على الأحبة والأصدقاء في المدن الأخرى من حولنا.. وخجلنا من كثرة الاستغاثات والطلب منهم إرسال ما تيسر من الكتب إلينا.. متى أتيح لباحثي هذه المدينة فرصة للسفر والتزود بخير الزاد ؟!.. لماذا تغيب المكتبات العامة والمراكز الثقافية الحقيقية عن فضاء هذه المدينة الصابر أهلها على كل ألوان الألم ؟!!.. يتحدثون عن التنمية وبناء الإنسان وينسون أمر الكتاب وأثره البالغ في التنمية والبناء.. كم من الشعراء والقصاص والكتاب هجروا الحرف وأصابهم الإحباط لأنهم لم يجدوا من ينشر أعمالهم أو يحتفي بإبداعاتهم.. أو يشكرهم.. في المقابل انظروا إلى ما تتيحه المدن من حولنا لكتابها وشعرائها وكم يتباهون بهم في المحافل ونحن نقتلع الإبداع من صدور مبدعينا اقتلاعا.. وندوس عليهم بهذا الجهل المفرط في غياب الكتاب. هل يجب على الكتاب والمبدعين وأصحاب المواهب أن يهاجروا.. وقد رأينا كم حقق من هاجر منهم عن هذه المدينة النجاح تلو النجاح !!.. قال من قال وهو الشقي ببيت من الشعر قد سلب منه الحياة.. قال: ".. وخير جليس في الزمان كتاب.." لكن هذا الكتاب يأبى عن المجالسة في هذه المدينة.. عفوا بله تأبى هذه المدينة عن مجالسته.. فلم يعد يحل بربوعها المجدبة.. إن مؤشرات النشر ومعدلات دخول المطبوعات وعدد دور النشر والمكتبات ووكلاء توزيع المطبوعات مؤشرات لا يمكن أن نتهمها بقصور في الرؤية أو الخيانة.. نحن حقا في مدينة مغلقة عن الكتاب منذ عقود !!.. مدينة تنفق على ورق القات ومجالسه الخاوية التي تتزين في كذبة المنتديات في يوم واحد ما يتيح لها بناء دار نشر في كل يوم.. يا لورطة هذا المكان الذي نحن فيه..!!.. إن مدينة بلا مكتبات ودور نشر جديرة بأن تسكنها الاشباح.