وقفة نسائية في المحويت بذكرى ثورة 21 سبتمبر    إيطاليا تستبعد الكيان الصهيوني من "معرض السياحة الدولي"    وقفات نسائية في الحديدة بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر وتضامناً مع غزة    وزارة الإعلام تطلق مسابقة "أجمل صورة للعلم الوطني" للموسم الثاني    قراءة في كتاب دليل السراة في الفن والأدب اليمني لمصطفى راجح    الوفد الحكومي برئاسة لملس يختتم زيارته إلى مدينة شنغهاي بالصين    المنحة السعودية المزمع وصولها في مهب افلام المعبقي    صنعاء.. اعتقال قطران ونجله بعد اقتحام منزلهما في همدان    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع هطولاً مطرياً على أجزاء من المرتفعات والسواحل    حل الدولتين.. دولة فلسطينية بلا شعب!    الوكيل المخلافي: ملتزمون بإنفاذ القانون وملاحقة قتلة المشهري وتقديمهم للمحاكمة    الأمم المتحدة:الوضع الإنساني المتدهور في اليمن ينذر بكارثة إنسانية    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يرفع برقية تهنئة الى قائد الثورة والرئيس المشاط بذكرى ثورة 21 سبتمبر    الإصلاح ينعى الشيخ عبد الملك الحدابي ويشيد بسيرته وعطائه    المركز الأمريكي لمكافحة الإرهاب يحذر من تنامي خطر "القاعدة" في اليمن    فخ المنحة السعودية:    التعايش الإنساني.. خيار البقاء    عبد الملك في رحاب الملك    ينطلق من إيطاليا.. أسطول بحري جديد لكسر حصار غزة    مقتل امرأة برصاص مليشيا الحوثي الإرهابية في إب    إصلاح حضرموت ينظم مهرجاناً خطابياً وفنياً حاشداً بذكرى التأسيس وأعياد الثورة    متلازمة الفشل عند الإخوان!!    بطولة إسبانيا: ريال مدريد يواصل صدارته بانتصار على إسبانيول    مدرب الاتحاد يفكر بالوحدة وليس النصر    مانشستر يونايتد يتنفس الصعداء بانتصار شاق على تشيلسي    عودة الوزراء المصابين الى اعمالهم    الدكتور عبدالله العليمي يشيد بالجهد الدولي الداعم لتعزيز الأمن البحري في بلادنا    من سيتحدث في الأمم المتحدة وما جدول الأعمال؟    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    وفاة طالب متأثراً بإصابته أثناء اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    لقاء أمريكي قطري وسط أنباء عن مقترح أميركي حول غزة    منتخب اليمن للناشئين يفتتح مشواره الخليجي أمام قطر في الدوحة    المنتصر يبارك تتويج شعب حضرموت بكأس الجمهورية لكرة السلة    توزيع 25 ألف وجبة غذائية للفقراء في مديرية الوحدة    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    مساء الغد.. المنتخب الوطني للناشئين يواجه قطر في كأس الخليج    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    السعودية تعلن عن دعم اقتصادي تنموي لليمن    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الفردية والفرادة
إحياء مقبرة الثقافة اليمنية..
نشر في الجمهورية يوم 16 - 02 - 2007

قد يظن البعض بأن الفردية مفهوم جزئي بينما في الحقيقة هو مفهوم شمولي كلي ومفردةٌ قد تطلق على الكون بأكمله ،ما لم تكن فردية ديكارتية من حيث المحدودية بل مطلقة من حيث التحرر. ..وبنفس البعد قد يكون للفردية إمكانيات تغيير واقع العالم بأكمله من خلال فردية محضة. حتى وإن كانت الجماعة تسير في خط مستقيم واحد..ستصل في النهاية إلى أنها بدأت بفكرة فردية من نقطة ارتكاز فردي ما.. أوصلت الجماعات كلها إلى رأس الهرم.
" سقراط " كما يدعى " شيخ وجد الفلاسفة " ذلك الفرد الذي جاء من فكرة مفادها فردي " اعرف نفسك " ومن خلال هذه الفردية استطاع العالم بأكمله أن يعرف نفسه وأن يغير هذا الفرد واقع ومسار العالم بأسره . لكن لماذا هو دون غيره أو من سبقوه ؟ كإنكسماند اوانكسماندريس ، طاليس وغيرهم من الطبيعيين كلهم كانوا أصحاب نظريات ونظرة ورؤية فردية ولكن لم يكن احدهم "شيخ الفلاسفة"
في اعتقادي أن الفردية ليست فقط من تستطيع حمل المشروع ما لم تقترن بالتميز والفرادة لكي تصبح شمولية .
إلا أن الأصل في الموضوع الفردية ، والفرادة صفة الأصل وفي مجمل الثورات الفكرية عموما ستجد أن الفرادة صفة تميز موجودة لا تظهر إلا عن طريق الاكتساب ولذكر الثورات الفكرية والثقافية وبعيدا عن الحديث في الفضاء .. متطرقا إلى الموضوع الذي دفعني للكتابة "وزارة الثقافة " كمثال الوزارة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الدرك الأسفل من هامش صفحة الوزارات.
وكيف استطاعت أن تستعيد ذاتها وتتواجد بقوة وفي وقت قياسي لا يتعدى الأربع السنوات القريبة من بعد موت وركود دام من فترت ولادتها.
وكيف استطاعت الفرادة والفردية تغيير واقعها بكل المقاييس فما عرفناه واعتدناه عن وزارة الثقافة الموسمية سابقا بأنها خارج خارطة الوزارات في التسلسل لا تحتوي بكل الأحوال إلا على أتعس شريحة وظيفية كما يطلقون عليها ولا تمتلك سوى بقايا فرقة موسيقية وراقصة بائسة "عاف عليها الزمن" مات معظم أفرادها وانقرضوا من الجدب ، لا يمتلكون أدنى إمكانيات ولا صوتيات ولا أدوات هذا إن توفر لديهم ما يستر عورت عروضهم وفعالياتهم.
وعلى مدار السنة لا نشاهد نشاط الوزارة سوى مرتين في العام "كأعياد المسلمين" وبهاتين المناسبتين الوطنيتين تنهي الوزارة أعمالها السنوية .. لتعتكف طوااااااااااااااااااااااال العام لتجهيز عيدي العام القادم وهكذا .
وكل الأنشطة الثقافية وكل المثقفين والمبدعين لا ينتمون إليها "إلاّ من يدعون لهم عند ربهم" و لو نظرت إلى فقر الساحة متأملا ستجد مجموعة من الأدباء يعدون بالأصابع هم من يمثلون المشهد الثقافي في اليمن وبجوارهم فنانين تشكيليين نعرفهم جميعا لم تعتاد أبصارنا إلا على أعمالهم. وأنت المثقف المسكين تبحث عن كسرة الخبز فلا تجدها حتى تأتيك المنية وتكفن بأوراقك ليدفن إبداعك معك فلا ترى النور أو تخفف عليك العقوبة بالجنون لنجدك على احد الأرصفة أو الجولات المرورية تقيم فعالياتك ليس هناك في الأمر مبالغة لو رأيت الفنان "رشيد الحريبي " مثالا وغيره الكثير هكذا كان واقع الوزارة وبرنامجها ألدهري الذي اعتدناه وتلقناه عاما بعد عام. مع أنها كانت تمتلك الفردية القائدة كما تحدثنا عنها سابقا والفردية المحضة
إلا أنها ظلت فردية ديكارتية محدودة لم تستطع قيادة المجتمع لأسباب قد تسرد آخر الموضوع .
ولكن عندما نتحدث عن "وزارة الثقافة " - كدور وأداء _ خلال الأربعة الأعوام متسلسلا تنازليا من عامنا هذا . ستدرك أنك تتحدث عن شيء جديد وأنك تضع هذه الفترة بين قوسين لتسميها " عصر النهضة الثقافية " في اليمن. ولو وقفت متأملا فاحصا لتحسب أنشطة وفعاليات عام واحد منها فقط لن تستطيع الاتكال على عقلك وحده ما لم تستعن بآلة حاسبة. وأنا هنا لا أمجد معالي وزير الثقافة خالد الرويشان كما قد يضن البعض وان كان هناك ما يمكن أن يمجد فهو مشروع خالد الرويشان كما أني وبحديثي هذا لا أنعت من سبقوه لا فكل وزير تولى قبله كان له مشروعه الخاص في وزارته وكلهم قاموا بجهد يستحقون الثناء عليه وقدموا ما يمكن أن يقدم فيما هو عليه الحال
ولكني ومن خلال ذلك أريد أن نصل إلى النقطة التي بدأنا منها الحديث هي الفرق بين الفرادة والفردية وما هي سمات المشروع الفردي الذي يمتلك القيادة الجماعية
فهناك الكثير من الأفراد حملوا مشاريع فردية وعملوا من أجلها ولكنها لم تحمل طابع الفرادة بينما المشروع الأخير هو الذي خرج عن سرب الاعتيادية وامتلك الفردية والفرادة معا تلك الفرادة التي استطاعت القيادة الشمولية .
هذا المشروع الذي حملة ذلك الوزير بفرادة والذي أحدث ثورة ثقافية لم يهمد اشتعالها وتوهجها وبهاءها إلى اليوم . والذي امتزج بالجدية والإنسانية والعمل من أجل البلد .
ولم يقف في طابور السير وراء الأثر بل خرج منفردا متفردا ليبدأ بداية حقيقية وعلى الرغم من إمكانيات وميزانية الوزارة المتواضعة إلا أنه استطاع أن ينعش الحراك الثقافي داخل اليمن انطلاقا من تأسيس وتحسين وضع ألبنا التحتية وترميم ما هو موجود منشأة وإنسانا ،وإيجاد وإنشاء ما لم يكن ممكنا وموجودا منشأة وإنسانا وثقافة.
المنشأة
بدأ هذا المشروع بالبحث عن الرقعة والأرض والمكان ومدى إمكانياته .. فيما هو موجود أولا ..فقام بترميمه وتزويده بنواقصه كتجهيز المركز الثقافي وإمكانيات قاعته وتنفيذ وإكمال مسرح الطفل "المسرح الصغير" بصنعاء كما قام بإعادة تأهيل وترميم وتأثيث "معهد جميل غانم للفنون " م/عدن الذي أصبح معهدا بكل مقاييس التقنية الحديثة بالتعليم والتأهيل وبالمثل "مسرح حافون "والتفت إلى تأهيل وترميم وتأثيث بعض الأماكن المنسية من أعوام كالمركز الثقافي بالحديدة والمركز الثقافي بإب والمركز الثقافي بالمحويت ................ الخ تلك الأماكن التي عفا عليها الزمن ودفنها غبار النسيان ونسي أهلها سبب وجودها تبنّاها واستخدمها استخدام سليم لذا ستجدها بعد أن كانت قفار، منابر لا ينخفض لها صوت.
ناهيك فيما أسهم في ترميم بعض القلاع والحصون القديمة والمعالم التاريخية والمتاحف وغيرهالكني لن أتطرق إلا لما هو صلب الموضوع وما تم عمله لإحياء وترميم ونشر الثقافة ونقل الفردية إلى الشمولية ولعلي لن أنسى بالذكر فقط للمشروع الكبير لأعظم ترميم، هو ترميم " مدينة المتحف المفتوح - بيوت وسور صنعاء القديمة ".
دعم وإنشاء
من هنا بدأت الخصوصية والتفرد لهذا المشروع ، فلم يقتصر العمل على العواصم واهم المدن بالبلاد بل ومن خلال ما أنشأه وأسسه استطاع أن يصل إلى أقصى تخوم اليمن والمناطق ألمهمشة ثقافيا تم إنشاء حوالي( ثمانية عشر )منشأة موزعة بكل مدن اليمن حتى ريفها مابين (بيت فن تشكيلي، ومنتدى ثقافي ) منشأ لها ومتبنيا دعمه واخص بالذكر الريف الأمر النادر في أن تصل الثقافة إليه من قبل هذا الينبوع الذي حرك كل ساكن ونقب عن كل مبدع فتفجر منه المئات من الفنانين التشكيليين والمبدعين والشعراء صانعين الحراك الثقافي والإبداعي الحقيقي في اليمن ومن كل أنحائها أقصاها إلى أقصاها و حتى الريف ولأول مرة في اليمن أنشأ هذا المشروع " مسرح الهواء الطلق "المزار الذي أصبح آية لابد من تلاوتها لكل من يدخل اليمن الثقافية ويتبتل بها حتى الارتواء .
المسرح الذي تم إنشاءه بطريقة هندسية وميكانيكية بديعة بحيث جعل كل ديكوره وزينته مواد حية ونابضة هي درر صنعاء ودورها القديمة المرصعة بالياجور الأحمر والجس الأبيض المضيء
ولا أنسى قول الفنان المصري الكبير "نور الشريف " عندما حضر المسرح ليلا سأل معالي الوزير خالد الرويشان _منبهرا بالمكان - بقوله: (ديكور المسرح خرافي وجميل ، مش موجود حتى في مدينة الإنتاج عندنا ، كلفكم كثير أكيد بس يتساهل ..ممكن اعرف كم كلفكم هذا الديكور ؟؟)
تفاجئ برد معالي الوزير بأنه ليس ديكورا بل بيوتا حية ويسكنها سكانها أهالي مدينة صنعاء القديمة .
لم يفكر أحد في الترويج لبلده بهذا الشكل الجميل والمبهر.
تبنى المشروع الدعم المادي بكل أشكاله لحوالي أكثر من(( ثمانين ))منشأة ثقافية متفرقة ما بين منتديات وجمعيات ومؤسسات ثقافيه خاصة وعامة موزعة في عموم مناطق اليمن .. دعما مشروط إخلاءه بنشاطات وفعاليات ثقافية متنوعة .
هذه الخارطة التي حوت حضرموت وإب وأبين وعتمه ووووو.........إلى أخر مناطق اليمن وأريافها ،جعلت من الثقافة كالخبز في كل بيت ولم تعد صنعاء هي المنبر الثقافي الوحيد بل أصبحت كل المدن- في اليمن وريفها - صنعاء.
* لم يقف الحال عند هذا فحسب فما زال هناك الكثير من المشاريع التي ما زالت تحت التنفيذ ومنها ما هو على وشك الانتهاء "كالمسارح المفتوحة " عدد اثنين وكذا ومشروع المتحف الفني والتشكيلي الذي سيصبح مزارا فريدا من نوعه بالإضافة إلى الاستعداد لافتتاح أفضل ما يمكن أن يقدم ويخدم الموروث والتراث الشعبي والغنائي ويحفظها من الضياع "مركز التوثيق الفني " .
إنسانا
مثلما قدم المشروع على ترميم المنشآت والقلاع والحصون التاريخية وترميم الثقافة برمتها .. رمم الأجساد والألباب أيضا ومثلما استطاع أن يحتوي الثقافة.. احتوى أهلها.وأخرج المبدع والمثقف من بين أنقاض الحياة والبؤس والإقعاد ليعيده إلى ذاته ومسيره .. ومن غواه إلى رشده، فما رأى شاعرا ولا مبدعا ولا مثقفا إلاّ واحتواه وأشعره بالانتماء إلى الوطن والثقافة.
ولضرب مثال بسيط من بين المئات نذكر واحدا منهم هو الفنان اليمني الكبير / أبو بكر التوي .. الحامل للجنسية الإماراتية ويعمل حاليا عضو في الفرقة الوطنية لدولة الإمارات
هاجر البلد قبل ثلاثون عاما فهجرته وتناسته سنينا طويلة.. حتى أعاده هذا المشروع وبدعوة رسمية واحتفاء استقبله وأحسسه بالانتماء معيدا إلى محفظته هويته الحقيقية.. احتواه بتكريم أشعره بأن هذا الوطن مازال ينبض بعطائه معترفا له به.. تلك أللفتة التي أخبرته بان هذا الوطن الأول والأصل، مهما بعدت المسافات .
نقب عن كل فنان وتشكيلي ومبدع أنسانا إياه الزمن وانتشله من سباته ونسيانه .. ليعيده إلى قلمه وريشته ،والأمثلة كثيرة جدا ولا مجال لتعددها وعلى سبيل المثال فقط .. الفنان التشكيلي الكبير / عبد الجبار نعمان
الذي هجر ريشته - حتى كادت أنامله أن تنسى ألوانها - وحمل المعول .وبعد مضي سبعة وعشرون عاما من النسيان والتوقف إحتفته هذه النهضة ..وأعادت له لوحته الشاحبة ليعيد النظر في وجهها ويستعيد حضوره بذاكرة من نسوه ويسجل بهاء وجوده بذاكرة من لم يعرفه من الأجيال الفنية القريبة وبحسب قوله (( أن هذا المعرض التشكيلي الذي أقامه له هذا المشروع هو المعرض الأول خلال السبعة والعشرون السنة الفائتة )).
استمر- ولم يتوقف عند حد - يفتش عن أعلام ومثقفي ومبدعي هذا الوطن في كل أرجائه وبقاعه وعلى أرصفته وأزقته المظلمة..ينفخ عنهم غبارهم ويعيد اعتبار ثقافتهم التي أنستهم إياها كسرة الخبز وجدران المأوى.. وعندما اذكر بعض الأسماء لضرب المثال - كالفنان الكبير / رشيد الحريبي والمبدع التشكيلي /سامي القطابري أو غيره - ليس إنقاصا من حقهم أو تقليل ، لأنهم ليس لهم ذنب فيما كانوا فيه بل هو الوضع الذي حتم عليهم ذلك .. كيف لا مادام المبدع لا يمتلك إلا قلمه وأوراقه فانتسى .؟
جمع المشروع كل كبار الفنانين والمثقفين من كل مناطق اليمن ليرصد عددا يصل إلى حوالي مأتي مثقف على وجه قائمة تمنحهم راتبا شهريا رمزيا نظير ما قدموه للثقافة والوطن.. منهم من أصبح مقعدا لا يمتلك أدنى مصدر للدخل.أعطى كل من يستحق العطاء .
كرّم كل من يستحق التكريم لما أعطاه وقدمه ثقافيا بعد موته.. وهذا ما هو معهود، ومن جديد هذا المشروع أيضا أنه أعطى منحنا آخر واهتمام خاص بالإنسان والثقافة ودورها منقبا عن كل الأعلام الثقافية في كل أرجاء اليمن وكل من وهب عمره ووقته ورفد الإبداع والفكر والثقافة في البلد.. وقام بتكريمه حيا .. معطيا له حقه قبل أن يموت.
ثقافة
تتشعب التفاصيل في هذا القسم ولا تدري من أين تبدأ الحديث عنه.
فعندما تشاهد قاعة المركز الثقافي بصنعاء ستدرك الفرق في التأهيل والاستعداد والإمكانيات بما كان الحال عليه سابقا.
وكذا قاعة مسرح الطفل المجهز بأحدث التقنيات والصوتيات وأرقى المواصفات، تلك القاعة التي كلما دخلتها أحسست أني خارج الوطن أو بقاعة منظمة دولية وليست ملك للحكومة والبلد لشدة انبهاري بالمكان.
ومن صنعاء تناسلت هذه التجهيزات لتشمل المراكز الثقافية في مجمل محافظات الجمهورية والتي لا مجال لذكر تفاصيلها هنا .. هذا التأهيل أوجد المناخ والطقس المناسب لبدئ انطلاق العمل والحراك الثقافي وما أسسه هذا الدور من نشر وتلقيح واحتكاك.
* وما يخص الموروث والتراث.. وما قدمه من تأهيل إزاء الفرقة الوطنية والموسيقية والراقصة ناهيك عن الحديث عن البقية.. فعندما تشاهد أو تسمع أداء الفرقة لن تستطيع أن تضع مقارنة سواء في أدائها أو حضورها بين ما كانت عليه سابقا ولاحقا وإمكانياتها من حيث المستوى الفردي أو المادي أو عددها الذي تضاعف وبإمكانيات أقوى من السابق. هذا بالإضافة إلى إنشاء فرقة فنية جديدة بدماء شابة إلى جانب الفرقة الأولى الأمر الذي مكنها من تقديم التراث اليمني بشكل لائق سواء لأبنائه أو خارج الوطن .
ولم يقتصر العمل والتأهيل على الفرقة الوطنية بصنعاء بل شمل كل الفرق الفنية في عموم محافظات الجمهورية والتي أظهرت ومن خلال فعالياتها ومشاركاتها حتى لأبنائها ما لم يكونوا يعرفونه من قبل عن هذه الألوان والزخم التراثي الذي تتمتع به البلاد الأمر المماثل فيما قدمته الفرق الإنشادية ومهرجانات الإنشاد والموشحات اليمنية التي أقرّت سنويا على مدار شهر رمضان وما أثرت به ذلك الموروث. إن من أهم تفاصيل هذا القسم هو ما قده المشروع إزاء المقتنيات والمخطوطات الأثرية وحل مشكلة تهريبها وبيعها بالخارج الحد الذي وضعه لتلك المعضلة وحد منها من خلال اتفاق الوزارة مع بقية منشآتها المختصة بالأمر وبطريقة منظمة للتعامل وبتشكيل لجنة "اقتناء تقييم المقتنيات والمخطوطات " التي مفادها استلام القطع الأثرية والمخطوطة التي يحصل عليها المواطن وتقييمها .. وتعويض من قدموها بمكافئة مالية إزاء تقديمها وبحسب قيمة المقتنية .. الأمر الذي اشعر المواطن بالأمان من جهة وان يحافظ على مقتنيات وممتلكات البلد الأثرية من جهة أخرى واستطاع من خلال ذلك أن يغدق المتاحف ودور المخطوطات بالكثير والكثير منها التي لولا وجود هذه أللفتة لكان تاريخنا وحضارتنا يباع ويشترى بها بثمن المزاد البخس .
طباعة الكتاب
لم تزهو اليمن بالكتاب وطباعته ووجوده خلال فتراتها السابقة بهذا القدر الباذخ الذي تزهو به خلال فترة هذا المشروع الذي مكن الوزارة من جمع أمهات الكتب في الفكر اليمني وأهمها في مجمل المجالات وإعادة طباعتها بشكل تستحق أن تقدم به .
الفكرة الأولى من نوعها كما وكيفا .. هذا بالإضافة إلى طباعة كم هائل من الكتب التاريخية والأدبية والدواوين الشعرية لكافة الأدباء أعلاما وشبابا.. لتصل وفي فترة قياسية لا تتعدى العام لرقم قياسي بطباعة (500) عنوان تقريبا ( ولم يقف هذا الرقم عن التصاعد فمازالت بقرة الطبع تدر حليب إنتاجها.. عناوين إلى اليوم .
وإكراما لهذا الانجاز ،أنشأت الوزارة ( المعرض الدائم للكتاب )اليمني .. ذلك المكان الذي أصبح مزارا للضيوف والمثقفين العرب الذين يصابون بالدهشة كلما زاروه .. ناهيك عن رفد هذه المطبوعات وتغذيتها لكل المكتبات العامة في عموم اليمن وما حققته من نجاح وتشريف في المعارض الدولية والمشاركات الخارجية.
فعاليات
لن تستطيع لكثرتها إحصاء ما أقامة المشروع - وبشكل دقيق - ولو لعام واحد..حتى لو وقفت على بوابة المركز الثقافي بصنعاء أو بيت الثقافة أو مسرح الهواء الطلق..
والتي اشتملت على عروض مسرحية، ندوات فكرية وثقافية، صباحيات وأمسيات شعرية وقصصية، أمسيات وعروض فنية، معارض تشكيلية، تكريم مبدعين، مهرجانات...............الخ .
ولن أكون مبالغ إن قلت بان الفعاليات مستمرة بشكل يومي بدون انقطاع على مدار السنة، بل وصل معدل الفعاليات إلى ثلاث فعاليات يوميا في بعض الأعوام كما تفيد الإحصائيات ففي عام 2004م وصل عدد الفعاليات والنشاطات إلى (915) فعالية أو يزيد كما كرم أكثر من (400) مثقف خلال العام نفسه وفي العام 2005م وصلت الإحصائيات إلى (500) فعالية تقريبا أو يزيد وكرم أكثر من (200) مبدع ومثقف وخلال العام المنصرم 2006م بلغت إحصائيات فعالياته حوالي (620) فعالية ونشاطا وكرم حوالي (150) مبدع هذا إن تحدثت عن الفعاليات والنشاط الثقافي بصنعاء ناهيك عن نشاط وفعاليات المحافظات والمدن الأخرى والذي أصبح لكل منشأة ثقافية بها برنامجها الشهري الخاص، التوهج والامتداد الذي أوصل الثقافة ولأول مرة في اليمن إلى أريافها.
هذا الزخم وهذه الثورة، خلقت المئات من المبدعين في كل مجالات الثقافة وشذبت تجاربهم ووسعتها محليا وعربيا.
ولم يقف المشروع عند إشعال ثقاب الثقافة فيما بين مبدعيه داخليا ..أو إرسالهم للمشاركة وكفى ، بل - ولأول مرة في تاريخ الثقافة اليمنية - أصبح صاحب تنظيم ثقافي على مستوى الوطن العربي ، من خلال تجربته الناجحة في تنظيم مهرجان (ملتقى الشعراء الشباب العرب الأول ) الذي كان وطنه وفكرته اليمن . وما توج هذا النجاح بتكرار إقامته للعام الثاني (ملتقى الشعراء الشباب العرب الثاني) والمقر إقامته سنويا.
كما لا اغفل بالذكر عن الثورة التشكيلية التي أوجدها وقادها، وكم فجرت ينابيعه (بيوت الفن) من سيول من الفنانين التشكيليين والمعارض التشكيلية الجماعية والفردية التي أوجدت وأعادت للثقافة البصرية ألوانها الشاحبة والمفقودة من سنين.
( المزاد التشكيلي ) أللفتة إلى الفكرة الجديدة وبطريقة غير معهودة في الترويج غير المباشر للبلد وثقافته وإبداعه، الأجمل من الفكرة وان كانت الأولى من نوعها في هذا المجال والأمر الذي يزيد تأكيد وجود رقي ونهضة ثقافية
هي أن اللوحة التي تربعت على عرش المزاد.. ووصلت قيمتها إلى(ثلاثة ملايين ومائة ألف ريال يمني)..لوحة لفنان شاب - كان ثمرة من ثمار هذا المشروع - اسمه / زياد العنسي مدير بيت الفن بمدينة ذمار .
كل هذا الاستعداد والانجاز اوجد - وبفترة لا تتجاوز الأربع السنوات - للثقافة أرضها الخصبة التي حددت ملامحها الحقيقية بكل وضوح ، لتتواجد وبصورة حقيقية ثقافة يمنية محضة .. ومن خلال هذا البهاء والترف والتواجد استطاع أن ينقلها - بعد ترميمها داخليا - لكل دول الوطن العربي خارجيا.. وأن يقدم اليمن ثقافيا بأبهى حللها وأجمل صورها ،، ملفتا أنظار وألباب كل العرب مهتما ومثقفا ببلد الثقافة والحكمة من خلال ما عكسه هذا المشروع من سمعة عطرة وثقافة حقيقية أعادت لها ذاتها ثقافيا وأعلنت عن تواجدها خارجيا وبقوة.. لتصبح اليمن على رأس قائمة الدعوات الدولية للمشاركات الخارجية من خلال هذا المرور العابر والمختصر على هذا المشروع الفردي الكبير الذي أحدث كل هذا الدويّ والانتعاش في ثقافة البلد ،وكيف استطاع أن يؤسس و يبني الثقافة والفكر بناء عمليا وغير واقعها وحوله إلى الاتجاه المعاكس تماما ..
الجدير بالذكر قبل الختام ،أنه مع كل هذا الإبهار والانجاز والإنعاش الذي أحدثه يقول صاحبه معالي الوزير /خالد الرويشان ((إن هذا ما هو إلا بداية ووميضا لبزوغ نور حقيقي وإيجاد مشروع ثقافي مستقبلي مكتمل)).
من هنا فقط يمكن أن تتبين كيف استطاعت هذه الفردية أن تغير واقع وحال المجتمع الثقافي والفكري ..مع أن كل المشاريع التي سبقته تمتلك نفس الإمكانيات والفردية ..
فلماذا لم تغير ..ولماذا هذا المشروع فقط استطاع التغيير ؟؟
الأمر الذي تحدثنا عنه في بداية الموضوع فيما يخص الفردية الديكارتية المحدودية والفردية المطلقة من حيث تحررها واتساعها - كما هو الحال الفرق بين ( الحالة والظاهرة ) في المفاهيم الاجتماعية والنفسية - ونفس السؤال المطروح سابقا لماذا هو دون غيره ؟؟
لان كل المشاريع لم تخرج عن إطار ( الحالة)ولم تمتلك صفة الفرادة التي امتلكها هذا المشروع .. الفرادة التي جعلت منه ظاهرة -دون حالة خاصة - ونهضة وثورة ومكنته من أن يمتلك الإحداث والصنع والتغيير والإيجاد والتوسع والشمولية .وهكذا يمكن القول بأن الفردية لن تكون شمولية أو مشروع عموميا ما لم تكتمل وتتصف بالفرادة التي تكسبه طابع الاشتمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.