في إطار ثلاثية المعرفة، التعليم، المعلوماتية والإعلام تتشكل الثقافة عموماً في محتواها التراكمي الذي يولد ذلك الانعكاس على مجمل طقوس حياتنا سلوكاً وعمل، وتمثل حضارتنا اليمنية القديمة قدم التاريخ البشري مشعلاً لمسيرة آلاف الأعوام الذي حاكاها الإنسان اليمني منذ فجر الإنسانية حتى الآن في السهل والجبل، الساحل والصحراء، ومختلف تلك التضاريس والأجواء التي نحتت بحروف من نور حضارة ذي محتوى ثقافي يحتاج إلى حراك نحو الأفضل. ومنذ تحقيق الوحدة اليمنية أخذت وتيرة التحديث منحىٍ متسارعاً مع تطور وسائل الاتصال والمعلوماتية، والتحول نحو مجتمع المعرفة والعولمة الثقافية.حيث يشير تقرير التنمية البشرية الصادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن التغيير الثقافي والتجدد المعرفي يتطلب جهوداً فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية متكاملة تبدأ بنقد الثقافة السائدة وفرز العناصر المعوقة فيها،ومن ثم تحفيز العناصر الفاعلة فيهاوتعزيز التراث الثقافي الناقد والمجدد للبنى الثقافية والمعرفية.. ويؤكد التقرير أنه رغم جهود بروز فردية لشخصيات تنويرية ونخب مثقفة حاولت متابعة الخط التنويريمثل إعادة إصدار مجلة الحكمة باسم اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في عام1971م، وظهور العديد من المجلات الفكرية والثقافية مثل مجلة الكلمة والثقافةالجديدة واليمن الجديد والإكليل التي أسهمت جميعاً في التجديد الثقافي والفكري،فقد كان التحول الأكبر بروزاً هو تخفيف العزلة بين المناطق اليمنية، وتنامي دائرة التفاعل والحراك الاجتماعي بين الجماعات المحلية، وبين الأفراد على أسس تعتمد معايير المشاركة في العمل والإنتاج والتنمية. فيما يرى مثقفون بأن قرار الوحدة في مايو 1990م، جاء مقروناً بإعلان التعددية السياسية والحزبية،وإطلاق الحريات السياسية، وإشاعة الديمقراطية، وتوحيد وإعادة تنظيم المؤسسات الإعلامية ما أشاع ثقافة المعرفة والحوار رغم اتصاف الواقع الثقافي في اليمن بالتقليدية المتمثل باستمرار تداخل دور القبيلة بأعرافها وقيمها على شخصية الفرد،بالإضافة إلى بروز وبلورة قيم المواطنة والقيم المؤسسية والمدنية والاجتماعية. وتطمح وزارة الثقافة تعزيز الثقافة وتجديد الإطار المرجعي الثقافي لبناء المستقبل، وخلق القدرة والرغبة والاستعداد لتقبل عمليات التحديث والتنمية..كما تطمح توسيع منابر النشاط الثقافي، وزيادة مخصصات الإنفاق على المعرفة، ودعم الأنشطة والفعاليات الفردية والمؤسسية غير الحكومية.. وتذهب قراءات ثقافية إلى التأكيد بوجوب قراءة العولمة بلغة الفهم والتشخيص والقدرة على تحويل آفاقها ومجالاتها إلى إمكانيات وممارسات فعلية، وإيجاد خطاب ثقافي مستنير قادر على التفاعل الخلاق مع متغيرات العصر المتسارعة، فضلاً عن إيجاد بنية ثقافية تلتزم الاعتدال وتتفاعل بحكمة مع معطيات الأصالة والمعاصرة.. مؤكدة أن تعزيز الثقافة وتجديد إطارها المرجعي أيضاً يتطلب إيلاء قضايا المراة والنوع الاجتماعي مزيداً من الدعم والاهتمام بعد أن أدت الجهود السابقة إلى تحولات ملحوظة في واقع المرأة اليمنية، سواء من حيث التشريعات والقوانين المتعلقة بقضايا المرأة، أو من حيث سياسات الأمومة والطفولة والسكان، فضلاً عن إعادة تشكيل اللجنة الوطنية للمرأة في عام 1999م، وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في عام 2001م، وإدماج قضايا المراة والنوع الاجتماعي في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية.. كما صادقت الحكومة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة وتمكينها. ويرجع عمر أول خطة شاملة للثقافة اليمنية إلى عام 1990م، حين تشكلت لجنة من وزارتي الثقافة في الشطرين سابقا كتعبير عن الرغبة في جمع الشتات، واستوعبت الخطة في طياتها ظروف قيام الوحدة وطموحاتها وأهدافها، ووضعت مجموعة من الأسس تؤكد أن الثقافة حق من حقوق المواطن، وأن على الدولة توفير فرص الثقافة للجميع، وبناء الشخصية الوطنية، وإصدار التشريعات التي تكفل حرية الإبداع وحماية المبدعين. وأفردت الخطة الخمسية الثانية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بين عامي 2001 2005م مجموعة أهداف وسياسات لقطاع الثقافة تدعو إلى تطوير المؤسسات لتحقيق اختراقات ثقافية، تنقل الثقافة من هامش التنمية إلى عنصر يحرك عملية التنمية ومجال للإبداع والإنتاج، وجذب الاستثمار وخلق فرص عمل وبوابة من بوابات التواصل مع العالم المعاصر.. وتحقيقاً لأهداف الخطة الخمسية الثانية وغايات الرؤية الاستراتيجية لليمن 2025م، أعدت وزارة الثقافة في عام 2003م، مشروع الاستراتيجية الوطنية للثقافة الذي اقترح عقد مؤتمر وطني لمناقشة أهداف السياسة الثقافية، وتحقيق إجماع حول أولويات الإصلاح والتعاون والتنسيق. ولعل من أبرز الفعاليات التي شهدها اليمن خلال الفترة اختيار صنعاء عاصمة للثقافة العربية للعام 2004م. وقد جاء هذا الاختيار لما تتميز به صنعاء من تنوع حضاري ومعماري ومساجد وأسوار وقلاع وأسواق تراثية قديمة، وقد تسارع استكمال البنية التحتية لعدد من المدن التاريخية، وإنشاء صندوق التنمية الثقافية لحماية الآثار والمخطوطات، وتنشيط الإبداع الفني، واستكمال تطوير المتحف الوطني، وعدد من المتاحف الأخرى. وتعزم وزارة الثقافة العمل على تعزيز الاستثمار الخاص في جانب المنشآت الثقافية الاستثمارية بالإضافة إلى تزويد المكتبات العامة بالكتب والمؤلفات التي تفتقر إليها، ودعم توجهات ومشاريع القطاع الخاص في هذا الجانب. وفي جانب الإنتاج الثقافي، لا يزال الكتاب أهم وسائل نشر الثقافة المعرفة في اليمن. ورغم تنامي عدد الكتب المودعة خلال السنوات الأخيرة، والذي بلغ 405ر1 كتاب خلال الفترة 2000 2003م علاوة على أن الكتب الأدبية تأتي في المرتبة الأولى 41 بالمئة، يليها العلوم الإنسانية 18 بالمئة، فالكتب الدينية 16 بالمئة. ويزخر اليمن بموروث ثقافي واسع سواءً كان موروثاً شعبياً شفهياً مثل المعارف التقليدية أو علم الفلك والملاحة وغيرها، والذي يعد جزءاً من نسيج المجتمع اليمني ومجالاً واسعاً لإبراز التنوع الثقافي, مما يتطلب بروز استغلال السياحة الثقافية. كذلك، يفتقد التراث غير المادي مثل الموسيقى والحرف اليدوية إلى المؤسسات التي تعنى به مما يجعله عرضة للإندثار. رغم نشوء بعض المؤسسات التي عنيت بشكل خاص بالمادة التراثية مثل مؤسسة اليمن للثقافة والتراث.. كما تواجه الحرف اليدوية تحديات أساسية نتيجة الاستيراد العشوائي للمصنوعات المثيلة، وعدم قدرة السوق المحلية على منافستها وانحسار أعداد العاملين في هذه الحرف.. كذلك تتعرض الموسيقى التقليدية للخطر نتيجة الإنتاج والتسويق الواسع للموسيقى الحديثة وتراجع الاهتمام بالموسيقى الشعبية والتقليدية. وقد قامت الهيئة العامة للآثار والمتاحف بترميم عدد من المتاحف، وبناء عدد آخر. فيما يعمل في التنقيب عن الآثار عدد من البعثات الأجنبية. وتقوم الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بتنفيذ مشاريع ترميم الأبنية وتطوير البنية التحتية لعدد من المدن التاريخية مثل مدينتي صنعاء القديمة، وشبام حضرموت، وزبيد وجبلة. ويأتي الشعر اليمني في مقدمة الإنتاج الأدبي، ويضاهي مثيله في البلدان العربية من حيث الكم والنوعية، وبلغ بعضه العالمية. ومع بداية الستينات، حدثت نقلة نوعية للقصة القصيرة في مضمونها ومستواها الفني وزاد إنتاجها واتسع انتشارها. أما الإنتاج الروائي، فعمره قصير فضلاً عن محدوديته. في حين شهد المسرح تقدماً ملحوظاً إزاء فعاليات صنعاء عاصمة الثقافة العربية عام 2004 رغم الانحسار الذي عانى منه حتى مرحلة الثمانينات. ورغم بروز نشاط واضح في الفن التشكيلي إلا أن تشكيليون يعبرون عن عدم رضاهم للمستوى الذي وصل إليه ذلك الفن الرائع لا سيما وأن صالات العرض لا تزال محدودة بعض الشيء باستثناء القليل بالإضافة إلى الأمية الفنية وعدم وجود تخصصات ذات علاقة على مستوى المعاهد أو الكليات. وشكلت احتفالية صنعاء عاصمة الثقافة العربية عام 2004م نقلة نوعية في الثقافة اليمنية حيث بلغ عدد الأنشطة الثقافية أكثر من /800/ حسب التقاريرالرسمية لوزارة الثقافة,ويستنتج أنه مثّل استثناء في الحياة الثقافية اليمنية منذ عدة عقود من الزمن. تم خلاله اقتناء /559/ لوحة تشكيلية ل /207/ من الفنانين,و/66/ مجسما فنيا, و/316/ قطعة من الموروث الشعبي,وهوما اعتبره خالد عبدالله الرويشان وزير الثقافة خطوة نحو تأسيس بيوت الفن والمتاحف المتخصصة. كما تم ترميم المراكز الثقافية في مختلف المناطق اليمنية,وتخصيص ميزانية مالية جديدة لها لتعاود ممارسة النشاط الثقافي.وإذْ افتتح مسرح للطفل في صنعاء منتصف يوليو الماضي فقد بدأ الشروع بترميم مسرح عدن الرئيسي (حافون), بعد أن شهدت عدن الدورة الثانية لمهرجان ليالي عدن المسرحية في الفترة من14- 19مايو 2004م. وهناك مشاريع أخرى كإنشاء مسارح جديدة, وترميم معهد جميل غانم للفنون في عدن. وفي مجال الأنشطة وتواصلا لمشروع تكريم المفكرين والأدباء والفنانين الذي أخذ مكانة مهمة ضمن أنشطة 2004م, تم تكريم /480/ شخصية فكرية وأدبية وفنية، منهم ,حسب تقرير المكتب التنفيذي للفعاليات, /120/ من المفكرين والعلماء والأدباء والفنانين العرب.. كما تم خلال النصف الأول من العام الماضي 2005م تكريم عدد من رواد الأغنية اليمنية ومنهم :خليل محمد خليل, محمد حمود الحاثي, عبدالرحمن الحداد, وأبو بكر سالم بلفقيه. وقد أُطلق اسم بلفقيه على المركز الثقافي في المكلابحضرموت. وقام الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية في السادس من يوليو الماضي بمنح وسام الوحدة (22مايو) الرفيع للشاعر السوري الكبير سليمان العيسى الذي أمضى في اليمن خمسة عشر عاما مع زوجته التربويةوالمترجمة الأدبية الدكتورة ملكة أبيض. ويأمل الوسط الثقافي أن يبقى النشاط الثقافي بنفس الفعالية التي بدا عليها العام الماضي. ولأول مرة يتم نشر ما يقرب من /500/ كتاب تشمل كل النواحي الفكرية والإبداعية والتاريخية والعلمية. وهو رقم لم تنجزه أي عاصمة عربية سابقة بمناسبة إعلانها عاصمة للثقافة, حسب مقارنات الإحصائيات التي يوردها المكتب التنفيذي للفعاليات. وأبرز الإصدارات هو إعادة نشر الأعمال الكاملة للرّوادمن الأدباء والكتاب والباحثين اليمنيين بمجلدات أنيقة ومتميزة, ومن هؤلاء:صالح الحامد, محمد محمود الزبيري, لطفي جعفر أمان, محمد سعيد جرادة, الدكتور عبدالعزيزالمقالح,عبد الله البردوني, عبده عثمان محمد, عبد الله سالم باوزير, عبدالله محيرز, إدريس حنبلة, إبراهيم صادق, عبد اللطيف الربيع, محمد حسين الفرح,عبد الله عطية, عبد الله غدوة, إضافة إلى الأعمال الكاملة للأدباء المعاصرين:عبدالرحمن إبراهيم, إسماعيل الوريث, محمد حسين هيثم, صالح العامر, هدى أبلان,عبد السلام الكبسي, محمد القعود, عبد الرحمن جحاف, حسن عبد الله الشرفي,الحارث بن الفضل الشميري, نادية الكوكباني, هدى العطاس, علوان الجيلاني,وغيرهم. وفي هذا المجال لوحظ خلال الأشهر الأولى من عام 2005م قيام وزارة الثقافة بإنشاء عدد من بيوت الفن في المحافظات اليمنية.وبدأ بعضها في ممارسة نشاطه في إقامة المعارض والورش التشكيلية واقتناء اللوحات, كبيتي الفن في (إب ) و(ذمار ). ويلحظ المتابع لأكثر النشاطات الثقافية الحالية في اليمن أنها امتداد متواصل لمشروع صنعاء عاصمة للثقافة العربية الذي استهدف إنعاش الحركة الثقافية في كل المستويات. وحسب مسئولو الثقافة أن صنعاء خلال عام 2004م استطاعت أن تحقق بمناسبة إعلانها (عاصمة للثقافة العربية2004) ما لم تحققه الكثير من العواصم العربية التي أُعلنت قبلها كعواصم للثقافة. إلاّ أنهم يقولونإن المشروع الذي بدأ خلال عام 2004م لم ينته مع نهايته,خاصة على صعيد إنجاز البنية التحتية للثقافة. سبأنت