لطالما كانت النقابات العمالية مصدر إزعاج للسلطات في أيّ دولة، وبالتالي سعت الكثير من الأنظمة إلى تدجين النقابات العمالية، أو احتضان قياداتها، أو صناعة نقابات حزبية؛ لإضعاف الدور النقابي؛ لكي تأمن من ثقلها المؤثر في الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، وحتى السياسية . لقد لعبت النقابات دورا كبيرا في الحفاظ على حقوق العمال، وتحسين ظروف العمل في القطاعين العام والخاص، في مختلف دول العالم، حتى أصبح وجودها ونشاطها دليل حيوية المجتمع، ومقياسا؛ لتمكين الطبقة العاملة، في التأثير في الحياة العامة .
في بلادنا العربية، دور النقابات يكاد يكون محدودا في التأثير بالمجتمع، حيث أضحت الكثير من النقابات مرتبطة بنظام الحكم، وجزء من السلطة القائمة، وانفصلت عمليا عن دورها في الدفاع عن حقوق العمال المسلوبة، والتي في النهاية أوصلتنا إلى حالة السبات العمالي، وأضعفت الكتلة المنتجة إلى درجة التشتت، حيث تحمّل كل فرد مسؤولية البحث عن حقوقه الضائعة.
هنا في الجنوب يكاد ينعدم دور النقابات العماليةالمنظمة، فوجودها لا يعدو كونه شكليا في صورة أشخاص جاثمين منذُ عقود على قيادة الهيئات النقابية، مع ارتباطهم بأحزاب سياسية تابعةلنظام صنعاء، بينما انعدم دورها الحقيقي المتمثل في خلق قوة عمالية قادرة على تحصيل حقوقها دون انتقاص، واقتصار الدور على المشاركات الداخلية والخارجية، والارتماء في حضن السلطة، والبحث عن المصالح الشخصية، ومنع حدوث أي نشاط عمالي مطلبي يؤرق عين السلطة . وبالتالي يتوجب على عمال الجنوب إعادة تشكيل النقابات العمالية، وتفعيل دورها الريادي، في النهوض بالمجتمع، وانتزاع حقوق العمال، من يد سلطة تمنحنا الفتات، ويعيش مسؤولوها في رغد العيش، غير آبهين بمسؤوليتهم تجاه الموظفين.
إن وجود نقابات عمالية فاعلة، تحافظ على كرامة منتسبيها، وتجعل منهم كيانا مؤثرا في المجتمع، هو مؤشر على نضج الأمة، وثقافة طبقتها العاملة.
وفي ظروف معيشية كهذه، لم يعد الموظفون قادرين على توفير متطلباتهم، فضلا عن توفير متطلبات أسرهم ،فما يتحصلون عليه من مرتبات لاتفي باحتياجات الموظف الشخصية، بعد فقدان العملة قيمتها، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، بينما ظلت المرتبات دون زيادة لسنين طوال.
تفائلنا كثيرا مع رفع مرتبات الجيش والأمن، وحكينا عن زيادة مرتبات القطاع المدني، ولم ندرك أن حكومتنا الموقرة، إنما كانت تسعى بزيادة مرتبات الجيش والأمن إلى إغراء الشباب؛ للانظمام لهما، في ظروف الحرب هذه، فيما تركت الموظفين المدنيين والمتقاعدين يكابدون حياة قاسية، بمرتبات هزيلة، وسريعة الذوبان، تختفي في لحظات من السخاء الحاتمي على الدائنين.
إن مهمةالحكومة هي تخفيف معاناة الموظفين، والبحث عن مصادر تمويل زيادة مرتباتهم ،وإقناع دول الخليج بالحاجة الملحة لضرورة تحسين حياة الموظفين، في المناطق المحررة؛ لما له من أثر في زيادة السخط الشعبي على سلطات الانقلابيين.
بينما يقع على عاتق القوة العاملة، رص صفوفها وإعادة تشكيل النقابات العمالية؛ لزيادة الضغط على الحكومة، فضغوط الحياة أرهقت كاهلنا، فالحقوق في ثقافتنا العربية تنتزع ... لا توهب.