في معمعة الصراخ السائد الذي يجتاح الشارع الجنوبي بعنف هذه الأيام الى مسوى تجاوزت حدته أي ظاهرة صوتية عابرة نالت صحيفة "عدن الغد" نصيبا وافرا من التجني والإساءة التي لا تخلوا من تهم التخوين والعمالة بأبشع الجمل السوقية المقذعة. هنا يتعين علينا ان نقف ولو قليلا عند شكل ومسببات ونتائج هذه المعمعة ومدى قدرتها على التأثير أي كان شكله في وعي الشارع الجنوبي وتوجهات الرأي العام المحلي !.
نحن في الجنوب لدينا معضلة متأصلة في التكوين الفكري وبناء المفاهيم التي تتعارض كلية مع مجمل الأهداف الوطنية السامية وكذا المصالح العلياء لوطن محتل وشعب مغلوب على أمره، وجزما فان لعوامل التخلف والفساد الذي فرضه علينا الشماليون وما يزالون طوال كل هذه الحقبة التاريخية نتائج مريعة لا حصر لها.
حتى أننا لم نعد اليوم ندرك أين تكمن مشكلتنا الحقيقية وماذا نريد! وهذا زاد من تعقيد المسألة وأضاف إليها أعباء متراكمة لا يمكن التخلص منها على المدى القصير أو المتوسط إلا بتجسيد وشائج اللحمة الوطنية الجنوبية وتقديم التنازلات الصادقة بكل تفان وود وإخلاص من أجل وطن يتسع للجميع ويسوده الأمن والاستقرار والسلم والرخاء والعدل.
علينا الإعتراف بأن الرأي العام في الجنوب تتحكم به قوى متمرسة تمتلك كل الأدوات الممكنة لصناعة الرأي العام والتأثير عليه بل وتوجيهه والتحكم به. فليس لدى الشعب الجنوبي إلا قضية عادلة بشعار عريض هو التحرير والاستقلال وهذا مكسب وطني عظيم، لكن دعونا نقر اليوم صراحة أن جميع التفاصيل المرافقة لهذه القضية ليست بيد الشعب الجنوبي ولا قادته ومقرريه شاء من شاء وأبى من أبى.
أن الحقيقة في جنوبنا اليوم لم تعد تجد تفاعلا من الرأي العام الجنوبي بقدر ما تجده الإشاعة التي يتحكم بها الأعداء الظاهرين والمخفيين لتصل الى أبعد مدى.
"عدن الغد" ظلت هي المرآة الوحيدة في الجنوب المنكوب، صامدة في وجه كل العواصف والتقلبات والأحداث الزمانية والمكانية، ومع أنها حديثة عهد إلا أن وجودها على الساحة الجنوبية كان قد رافق أصعب المراحل النضالية والمتغيرات التاريخية العاصفة، ولقد سارت بمهنية وطنية وسط أعتى الظروف وأمرها على الإطلاق.
لقد تعرضت صحيفة "عدن الغد" كغيرها من صحف الجنوب للاعتداء والإغلاق الى جانب التهديدات المتلاحقة والمضايقات المستمرة التي لا تتوقف عند حد معين، إنما كل ذلك لم يمنعها من العمل على نهج الحقيقة بمهنية رصينة خلقت لدى الانسان الجنوبي إيمانا راسخا بعدالة قضيته بل وشدت من أزره النضالي بمعنويات عالية لمواصلة مسيرة النضال السلمي والثوري النبيل والمقدس.
المؤسف اليوم أن ما يحدث في الجنوب على مستوى التراشق الإعلامي لم يمس فقط الصحف المستقلة والنشطاء والاعلاميين والمناضلين ورموز المقاومة الجنوبية، بل وصل الأمر للمساس بالجسد الجنوبي الجريح ونسيجه الاجتماعي ككل، جهلا وعبثا بقيمة اللحمة الجنوبية وأهمية الاصطفاف الوطني في مرحلة حساسة وخطرة للغاية أكثر من أي وقت مضى.
ومن هنا نجد أنه قد أصبح الوعي الجنوبي مزيف تماما وخاضع لسيطرة الآخر. لم تكن لتدفعني النزوة ولا الحمية لإيصال هذه الرسالة ولكن لأن كل ما يجري اليوم بهذا البلد قد أصبح مخيفا ولا يبعث على الإطمئنان رغم وجود الأمل كل الأمل في قدرة شعبنا على الوصول بالوطن الى بر الأمان أما اليوم أو غدا. بيد أنه ليس أسوأ من أن يصل بنا الحال الى نسيان الماضي وما جلبه علينا الأعداء من ويل وثبور، إذ بتنا نتجاهل الإعلام المعادي ومن يقف خلفه حينما صببنا جام غضبنا على صحيفة عدن الغد دفعة واحدة بشكل غير معهود، فما الذي تغير إذا ؟ والأحراء بنا أن نعمل جمعيا ونشجع بأن تكون لدينا صحافة حرة من عشرات الوسائل الإعلامية حتى يبنى رأي عام حقيقي يساهم في التطور والتنمية، لكي يتسنى لنا الخروج من دوامة الفوضى والأزمات ومزالق الفرقة والتخلف والمشاحنات. هل سألنا أنفسنا أين هو تلفزيون وإذاعة عدن ؟ من الذي يمنع عنا الإعلام الحر كي يزيف وعينا ويعبث بأمننا القومي ويشتت وحدتنا الوطنية؟ هناك المئات من المواقع والصحف والقنوات المعادية صراحة للشعب الجنوبي وخياراته المصيرية استغلت هذه الفجوة الكبيرة وعملت بشكل فج على تفتيت كل ما تحقق من مكاسب طيلة سنوات النضال الوطني الجنوبي في الداخل والخارج، لقد سخروا الى جانب ذلك العديد من الأبواق المعادية والأدوات الفتاكة لتتحول حربهم من الميدان الى حرب الإعلام ، لا تعتقدوا أنكم قد انتصرتم في معارك الحرب التي أشعلوها هم أولئك الغزاة أيها الجنوبيون وحسب ! نعم انتصرتم في الميادين بشرف وبسالة وتضحيات، ولكن الأصعب من منعطفات الحرب ما تزال عصية ومعقدة وها نحن نعيشها بهزيمة أقولها بمرارة شديدة !، نعم نحن نهزم حينما نعتقد أننا قد انتصرنا في حرب لا ندرك أبعادها المختلفة. فمن المستفيد اليوم من هذا الجنوح والإرتداد الفجائي الى الجسد الجنوبي المنهك من ألم الطعنات ؟.
لا شك من أن لكل رأيه بمنتهى الحرية إلا التعدي والإساءة لبعضنا البعض، فلا ينبغي أن نوجه سهامنا الى من يعمل ويجتهد فالذي يعمل لا بد حتما أن يخطئ وجل من لا يخطئ.
فيكفي ما أصابنا ويكفي عبث الاعداء بقضايانا وتشويه نضال شعبنا ظلما وعدونا وحقدا وانتقاما. فأين الحرص وأين المسؤولية ؟ وكيف يمكننا أن نبني وطنا بمعاول الهدم هذه ؟. بلى ثمة أخطاء والأخطأ واردة في وكالات عالمية شهيرة وعريقة، وهذا ليس كل شيء لأن الأهم من ذلك كله، أن لا ينبغي لصحيفة "عدن الغد" إلا أن تسلك سلوكا مهنيا معهودا حيال أي لبس أو خطأ أي كان شكله أو نوعه، فهي أي صحيفة "عدن الغد " صوتكم النضالي ولسان حالكم وليس أبلغ من أن نقول أنها منكم وإليكم، ولكن يجب أن نعي كجنوبيين اليوم ماذا نريد؟ وإلى أين نحن ذاهبون ؟