الشطارة هي الوصف المستحق لسلوك السلطة في اليمن في الواقع الراهن. فالشطارة في المفهوم الشعبي الشائع تعني استخدام الذكاء الفردي في الكسب المادي أو المعنوي، سواء تم هذا الكسب بالتفاوض والاختيار أو بالخديعة والحيلة أو بالقوة وهو فهم يتوافق مع مدلولها العربي الفصيح. وبطبيعة الحال فإن البراءة والصدق والحق الإنساني هي الطرف الضحية دائما وهي مقومات الثقافة المدنية، أي ثقافة الحضارة. وليس من وصف ينطبق على واقع سلوك السلطة في اليمن أدق من وصف سلوك الشطارة، وهو السلوك الذي يناهض ثقافة المجتمع المدني في كل حال. فبدلا من تعزيز دور منظمات المجتمع المدني يتم تعزيز دور العشيرة والقبلية وبدلا من تطبيق منظومة القوانين المعتبرة في تكاملها الوظيفي يتم الانتقاء منها لغرض تشويه دورها أو للتحايل عليها وإحلال العرف الذي يراعي مصالح أفراد السلطة محلها. وبدلا من استئصال الفساد أو على الأقل تخفيف حدته ومحاصرته يتم التفاوض مع الضحية لتدجينها وترويضها على قبول آثاره . وما من شك في أن فريق السلطة يحتوي الفاسد والنزيه غير أن المشكلة تكمن أساسا في هيمنة الشطارة التي تلبي مقاصد الطرف الفاسد ،من جهة ، ومن جهة أخرى تتحكم بسلوك الطرف النزيه ليعمل من دون وعي على تكريس ثقافة الحلول المؤقتة والعرف والتفاوض مع الضحية بدلا من مواجهة المشكلة وتطبيق لغة القانون المعتبر. وبدلا من الاعتراف بالعجز تكيل التهم التي تجعل من يواجهها في موقف الدفاع أو تخلق الأزمات التي تصرف الانتباه عن قصورها المستشري في كل مجال . لكن ما كل مرة تسلم الجرة ومن تغدأ بكذبة ما تعشأ بها، فليس بوسع السلطة أن تمد من حبل الكذب أكثر مما هو ممتد . وتقصيره لم يعد يكفي بعد أن أصبحت فضيحتها بجلاجل. لقد فاض الكيل وبلغت القلوب الحناجر ولم يعد من متسع في النفس والجسد لخناجر الفساد المتسلط . هذه سلطة جاءتها الوحدة بالجنوب قلبا حاضنا ورأسا مشيدا بالتجربة والخبرة وجسدا مشبعا بالحياة مع إرث ثمين وعرض حصين، فقطعت الرأس واستباحت الجسد والإرث والعرض.فهل بقي للقلب – بعد هذا - أن يغفر ؟؟ إن المشكلة الحالية لم تعد في انهيار مقومات الوحدة بل في الانهيار المريع لمقومات الدولة، فمع أنها سلطة جباية بامتياز إلا أنها تصب المردود في جيوب أفرادها لا في خزينة الدولة لقد كان التهديد بفك الارتباط من قبل أهل الجنوب في البدء محاولة لإجبار السلطة على التراجع وإلا فإنها ستصير مسؤولة تاريخيا عن انهيار الوحدة والدولة معا . أما اعتبار الوحدة أساس الحل والحسم من قبل السلطة بعد ما اقدمت على اجتياح الجنوب بحربين مدمرتين فليس إلا هروبا من المشكلة للإبقاء على الفساد في ظل انهيار مقومات الدولة، وبخاصة أن الوحدة في ظل هذا الانهيار لم تثمر إلا مزيدا من النهب والسلب للممتلكات والحقوق العامة مقابل مزيد من إفقار الشعب وتجويعه وضياع أمله بالمستقبل. فبقاء الوحدة مرهون بتنفيذ شروطها وهي اختيار حضاري وليست ركنا من أركان الإسلام أو من أركان الإيمان ، وإذا استغنى الحاكمون عن الفساد وأعادوا الحقوق التي سلبت إلى أصحابها فلا خوف على الوحدة . فإذا لم يستطيعوا فان فك الارتباط يقدم وسيلة للحل ؛ لأنه بقدر ما يحفظ ما تبقى في الأرض والعرض والنفوس من عبث العابثين سيضع الحاكمين أمام محكمة التاريخ التي ستكشف عن الأسباب الحقيقية التي قادت إليه، ومن ثم تصحيح وضع الدولة ، وان كان الوطن سيعيش برأسين فإن ذلك أرحم له من أن يعيش بلا رأس. .