د.عبدالحكيم باقيس عند مشاهدة مواقف الحجيج.. وفي مثل هذه الأيام الحافة بلحظات الشوق المترعة بألم الانتظار للرحلة إلى الربوع المقدسة، والحنين الجارف إلى كل ذرة من تلك البقاع الطاهرة يستطيب التعبير عن فيض المشاعر إلى المشاعر بقبسات من شعر المتصوفة الأخيار التي تجري سماحة على الألسن. لا أجد في تراثنا الشعري من كلمات أجدر بحمل فيض المشاعر من أشعارهم التي توشك أن تتحول إلى تمائم لمواجهة الغياب.. أتذكر صوت أبي رحمه الله وهو ينشد في ورده الأسبوعي من (سفينة النجاة) للإمام عبدالله بن علوي الحداد بعض المقاطيع من قصيدة عبدالرحيم البرعي (ت 803 هجرية): يا راحلين إلى منى بقيادي هيجتمو يوم الرحيل فؤادي والتي فيها: يارب أنت وصلتهم وقطعتني بحياتهم يا رب حل قيادي.. والتي قالها مودعا الحاج الذين لم يكن معهم، وقد ذيل بها ذلك المجموع من الأوراد.. أتذكر نظرات الشوق الكبيرة التي تقرأ في عينيه تأثرا.. لقد طرقت أسماعي مواقف الحجيج وشعائره مما كنت استمع إليه من قصيدة عبدالرحيم البرعي قبل أن أصل إلى عصر الصورة.. وتزاد المهابة والاجلال لمناسك الحج وشعائره. والآن كلما رأيت مشاهد المشاعر المتلفزة أجد صوتين يعبران المدى إلى عميق النفس.. أبي وعبدالرحيم.. يرحمها الله.. قالت لي جدتي حين كنت أحاصرها بسؤالي عن هذا العبدالرحيم الذي يذكر أشواقه أبي باستمرار أنه رجل صالح من تهامة اليمن، وهو أكثر الناس حبا للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يستطع الحج وزيارة قبر الرسول، وأنه بعد أن مات أصبح يقترب قبره في كل سنة شبرا باتجاه المدينةالمنورة، حيث قبر الحبيب المصطفى، وفي اللحظة التي يصل قبره الزاحف نحو المدينة، وحين يلتقي القبران ستقوم القيامة، ولذلك يأمر الله الأرض أن تباعد شبرا في كل سنة بين قبره والمدينةالمنورة حتى يستمر الزمان.. طبعا كنت أصدق هذه الخرافة، وعلى الرغم من تعاطفي مع عبدالرحيم كنت أتمنى ألا يتحرك قبره من مكانه أبدا، لأنه سيكون المسؤول عن نهاية العالم أن استمر في ذلك الزحف.. أبي على الرغم من مسحته الصوفية كان ينكر هذه الخرافة بقوة.. وأظن أن جدتي رحمها الله كانت تنكرها كذلك، لكنها كانت تتسلى بمثل هذه الحكايات.. صلى عليك الله ياعلم الهدى ما سار راكب أو ترنم حادي