هل رأيتم جبالاً تموت سماء تغور إلى قاعها وفضاء يضيق بالوانه وسحاباته وقناديلة وحقولاً تغادر وديانها "المقالح" هل رأيتم ذلك ؟ انا رأيت ذلك وعايشته منُذ تلقيت نبأ وفاة الاخ الأستاذ المحامي /أنيس البيه .ليس في الموت غرابة فهو مصير كل حي وسنة الله في خلقه ولكن ما نراه غريبا يكمن في أن تهوى النسور وهي تحلق في السماء العاليه ، أن يسقط الغصن وهو لايزال غضاً طرياً ، أن يرحل "الأنيس" وهو في عقده الثالث و في أوج عطائه وقمة نضجه الفكري والسياسي ، ان نفقد الرجال على غير انتظار في هذه الليالي حالكة الظلام والأيام الرهيبة العصيبة التي يمر بها الوطن الجنوبي. ترجل الفارس مبكراً و دون سابق إنذار؟ (ياكوكبا ماكان أقصر عمره وكذلك تكون كواكب الأسحار) لا اعتراض على حكم العلي القدير ، والله يحكم لامعقب لحكمه ، سبحانه أرادته أقوى و أمضى من كل أراده له الحمد القائل في محكم تنزيله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) غيّبت عنا الإرادة الالهيه، شاب مناضل ، وسياسي هادئ ، مستقيم السلوك ، عزيز النفس عقلاني الطرح ، قبل الأوان وقبل أن تنضج الأماني ، وقبل أن يعيش الفجر المنتظر في وطن حر ومستقل كفاح طويلاً لأجله ، لقد كان فقيدنا الراحل مجموعة مبادئ شريفة ، وقيم نبيله تجمعت في شخصه فالوطنية عنده إخلاص بلا مزايدة ، وتضحيات بلاضجيج ، وبذل بلا تمنن والسياسية عنده حضورا وعطاء أقدام وثبات والتزام .. عاش فقيدنا صلباً ثابتاً شامخ القامة ، لم تزلزله أعاصير الحياة ، وعواصف الزمان ،وتقلبات الدهر ،ولم تهزه يوماً الظروف ، ولم تغير الأحداث ثوابته السياسة او مبادئه وقناعته الوطنية فقد كان فقيدنا البطل زاده في الدنيا كنز من الزهد، وسفر من قيم ومبادئ وأخلاق، نذر عمره لشعبه ، وفي محراب قضية وطنه تعبد فهيهات ان يأتي الزمان بمثله ان الزمن بمثله لبخيل. لانبالغ ان قلنا أن الراحل العظيم لا ينتمي إلى عالمنا المادي المتردي ، نعم انك يافقيدنا لا تنتمي إلى زماننا الذي وصفتُه لي ذات يوم بأنه زمن الاقزام ، ولاتنتمي إلى عالمنا المليئ بالابتذال والسطحية والنفاق وإلانتهازية القذرة والمصلحية الضيقة ولا تنتسب إلا إلى جنوب ناضلت في سبيل أن يعم ربوعه العدل والمساوة والتسامح ؛ فإذا بوحوش الإرهاب وسماسرة الأوطان وتجار الذمم و شذاذ الآفاق يحولونه الى جحيم لايطاق ، فكان بالعناية الإلهية أرادت أخرجك من هذا العالم الدنيوي المنحط ، والزمن القاسي ، إلى عالم الروحانية والشفافية والنقاء ، حيث تنعم روحك مع الانبياء والصديقين والشهداء الذين يمثلونك نقاءً وطهراً. لقد تركتنا يا "انيس" وتركت في كل عين عبرة ، وفي كل قلب حسرة ،فهزت وفاتك النفوس من الأعماق، وضاقت بها الصدور ، وتجمدت الدماء في العروق، أمثال أنيس الكلمات لاتستطيع ان توفيه حقه او ترثيه ، وتتحول العبارات إلى مجرد هذيان ، عبثاً أحاول تصوير مآثر رجل كان لي الأخ الأكبر والسند والناصح والوفي في زمن قلٌ فيه الوفاء ، لا نستطيع إلا أن نقول بأننا لن ننساك انت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردئ، وسلام ألف سلام على روحك الطاهره ، وداعا أيها الغائب والحاضر والساكن في قلوبنا. يا راحلاً قبل الأوان وتاركاً ذكراك باقية وأنت مخلد قد لا نراك و لا ترانا إنما في القلب رسمك لم يزل يتجددُ نعزي أنفسنا بهذا المصاب الجلل و نعزي الوالد المناضل/ حسن ثابت البيه وكافة محبي الفقيد و ذويه انا لله وانا اليه راجعون