شريف عبدالغني رغم الجدية الواضحة على ملامح الرئيس اليمني على عبدالله صالح، إلا أن تصرفاته ومآثره تتشابه مع العقيد معمر القذافي، بشكل يجعلهما الثنائي الكوميدي الأهم حاليا على المسرح العربي. ولا ننسى أن الرئيس اليمني من القلائل الذين رفضوا فرض الحظر الجوي فوق ليبيا، وهو ما اعتبره مراقبون موقفا دفاعيا من صالح، مشددين على أن إسقاط القذافي الذي يحكم منذ 42 عاما يعني أن الدور بات على صالح الذي يجلس على كرسي السلطة منذ 33 سنة فقط لا غير. قبل عدة شهور قابلت بعض الزملاء اليمنيين بالقاهرة، فقالوا في صالح أكثر مما قاله مالك في الخمر، وأكدوا أن الأميركيين زهقوا من ابتزازه لهم باستمرار للحصول على المال بزعم محاربة «القاعدة»، وأنه كان وراء إطلاق عشرات السجناء من هذا التنظيم ثم قبض عدة ملايين من واشنطن حتى يعيد هؤلاء المساجين إلى زنازينهم قبل أن يدمروا المنشآت الأميركية في المنطقة حسب تهديده. كنت أعتبر كلامهم مجرد كلام مرسل دون أدلة، كما رأيت أنهم يبالغون حينما أكدوا أن صالح نفسه وراء هجوم إسلاميين على مصانع خمور في عدن بعد الوحدة، حتى تستطيع شركة تابعة له تهريب الخمور دون منافس إلى داخل البلاد، لكن وثائق «ويكليكس» أثبتت بعد ذلك صحة ما قاله الزملاء اليمنيون، فقد كشفت أن المسؤولين الأميركيين يستهجنون طلب صالح المستمر للمال، متذرعاً بأن بلاده على حافة الانهيار، و «ربما تصبح أسوأ من الصومال»، وعندما عرضت عليه واشنطن استقبال سجناء غوانتانامو، رفض العرض إذا لم يحصل على 11 مليون دولار لبناء مركز لإعادة تأهيل هؤلاء السجناء. والمفاجأة أن الوثائق أكدت أنه -وهو الحاكم لبلد إسلامي محافظ- كان يردد مازحا أمام الأميركيين أنه لم يهتم بشأن تهريب الخمر من جيبوتي إلى بلاده «لأنه كان خمرا جيدا» حسب قوله. لكنه بالطبع لم يقل إنه يجني أرباحا طائلة من هذا التهريب. أحداث وأجواء الثورة اليمنية تكاد تكون صورة كربونية من نظيرتها المصرية، فمثلما كان مبارك يقدم التنازل تلو الآخر ويُقابل برفض الثوار، يسير صالح على الدرب نفسه. وإذا كان المصريون وسط المآسي وأجواء قمع المتظاهرين لم يتخلوا عن سخريتهم، فإن السخرية في الجانب اليمني جاءت من الرئيس نفسه، فقد حاول الاستفادة من التجربة المصرية التي كان ميدان التحرير فيها مركزاً للمتظاهرين، والذين حينما سيطروا عليه انتصروا في النهاية، لذلك حشد صالح أنصاره لبسط نفوذهم على الميدان الذي يحمل الاسم نفسه في صنعاء، ورأى أن من يسبق في احتلال ميدان التحرير سيكون الفوز حليفه، لكن الثوار عاجلوه بخطة بديلة واعتصموا في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء واتخذوها منطلقا لهم. لكن العنصر المصري المباشر الذي أضفى على الثورة اليمنية جواً من الفكاهة، وحوّلها من مأساة إلى ملهاة بالنسبة إلينا هو زميل صحافي، بالصحيفة المصرية التي أعمل بها. وجدناه مؤخرا يعلن أنه سيسافر إلى اليمن لتغطية وقائع الثورة هناك. شجعناه على هذه الخطوة وتمنينا له التوفيق.عن نفسي طلبت منه أن يقرأ الملف اليمني جيدا، وأن يستوعب تعقيداته ما بين شمال وجنوب وقبائل و «حوثيين» و «حراك جنوبي» و «قاعدة»، لكني فوجئت به يقول لي: «ثانية واحدة»، ثم هرول مسرعا إلى أسفل الجريدة حيث بائع الصحف، بعدها عاد حاملا نسختين من جريدة «26 سبتمبر» اليمنية، وهو يقول: «ما تخافش.. أخوك يسلك في الحديد»! وقتها أيقنت أنه ذاهب لتغطية وقائع ثورة بهذا الحجم، بنفس طريقة تغطيته لمظاهرة حارة في القاهرة نتيجة انفجار ماسورة صرف صحي. إنها الفهلوة المصرية في أبهى صورها. لكني قلت: ربما تكون شكوكي غير صحيحة. وقبل سفره بيوم أرسل رسالة على أنها من اليمن يتناول فيها الأحداث هناك في كل المحافظات والمناطق وكأنه سندباد طائر يملك من القدرة على متابعة أدق التفاصيل في بلد مترامي الأطراف. طبعا اعتمد في الرسالة على ما تبثه المواقع الإخبارية المختلفة دون أن ينسب أي معلومة لمصدرها الأصلي. قلنا «لا بأس»، إنها مجرد بداية وحينما يسافر سيرسل «الشغل» الخاص. لكن طريقته لم تتغير، يجلس أمام الكمبيوتر يطّلع على مواقع الصحف اليمنية فضلا عن الإخبارية التي تحدث أخبارها دقيقة بدقيقة، وهو في سعيه هذا ارتكب جرائم مهنية ستظل مسجلة باسمه إلى يوم الدين، فلأول مرة نرى صحافيا يرسل مادته قبل النشر بيومين حرصا على حجز مساحة وبالتالي تكون كلها «أخبار محروقة»، لكنه للحق كان أمينا جدا فحينما ينقل من موقع خبري يلتزم بنفس الأزمنة التي ترد فيه دون تغيير، كأن يقول «ألقى مجموعة من الضباط اليمنيين أسلحتهم عصر اليوم وانضموا للثوار» دون أن يدرك أن هذه المادة يفترض أن تنشر في عدد الغد من الجريدة، فضلا عن التزامه بالصيغة المحلية للصحافة اليمنية دون أن يراعى «استايل بوك» صحيفتنا. وحينما نبهناه لما يفعله، وأن كل أخباره منقولة وقديمة وأنه لم يحصل على أي تصريح خاص، قال بلغة الواثق: «طيب انتظروا مني موضوعا قنبلة غداً». ثم أرسل تقريرا خاصا من ساحة التغيير تحول إلى مثار سخرية كل الجريدة، فقد كتب نصاً: «حينما قررت الدخول إلى ساحة التغيير، كانت الساعة الرابعة عصرا بالتوقيت المحلي، لكنهم عرفوا أنني غريب عنه حيث إن لون بشرتي غير لون بشرتهم، كما أنهم يتكلمون (اللغة اليمنية) بينما أنا أتكلم المصرية ولذلك اضطررت أن أستعين بمترجم»!!، ثم ألقى بقنبلة أخرى: «الثوار يشربون المشروبات الروحية مثل عصير البرتقال والفراولة ويأكلون القات»!!
حينما يتصل بنا تكون الفضائيات تنقل أصوات الثوار اليمنيين يهتفون ضد صالح: «ارحل.. ارحل»، فنهتف ضد زميلنا:»ارجع.. ارجع». لكن يبدو أن شخصية الرئيس اليمني «صبغت» على مندوبنا، فلا صالح رحل، ولا زميلنا رجع!! *العرب القطرية