لم أكن لأتوقع أن أمكث أسبوعا كاملا في مستشفى صالح بابكر الخيري بوادي العين بمعية ولدي ذي الثلاث سنوات ونصف لإجراء عملية له إذ المقرر أن تكون ثلاثة أيام فقط لكن تقدير الله فوق تقدير البشر. وادي العين أو وادي الخير كما يحلو للبعض تسميته هو أحد أودية حضرموت يبعد عنها مسافة 300 كيلو تقريبا وهو إداريا مديرية مستقلة ضمن مديريات حضرموت الوادي وفي هذه المديرية يقع هذا المستشفى الخيري الذي سمي باسم من أقام صرحه ودعمه وعلى بوابته لوحة من الرخام تستقبل زائريها كتب عليها (مستشفى صالح عبدالعزيز بابكر الخيري رحمه الله) هنا وأنت تقرأ هذه الكلمات تشعر بروح هذا المحسن تسري في أروقة المستشفى وغرفه بذلاً وكرما فلا يسعك إلا أن تدعو من قلبك له بواسع الرحمة والمغفرة. تتخطى البوابة فيستقبلك موظف الاستقبال بسكينته الهادئة لا يقطعها إلا ابتسامة محببة ولسان مرحب يجيب على تساؤلاتك بصدر رحب ويدلك على خطوات معاملتك في المستشفى حيث تقضى الأمور بكل يسر وسهولة وحسن معاملةٍ ورقي أخلاق ترفع من معنوياتك وتطمئن نفسك وتخفف آلامك تنبعث من أصالة حضرمية لم تؤثر فيها مظاهر المدنية ولا العولمة الإعلامية. عشرات العمليات تجرى من قبل أطباء مصريين اختصاصيين بمعية أطباء وفنيين حضارمة اكتسبوا خبرة عملية تراكمية على مدى سنوات من عمر هذا الصرح الطبي الذي لم يتوقف عن خدمة أهل المنطقة والمحافظات المجاورة حتى والبلاد تمر بهذه الظروف الصعبة فالخير هاهنا يتدفق عبر بعثات طبية منتظمة في تخصصات مختلفة فلا زالت هذه البعثة الطبية المتخصصة في التجميل تجري عملياتها إلا وقد فتح التسجيل لاستقبال بعثة أخرى في المسالك البولية ليستمر العطاء. في الأسبوع الذي مكثته شاهدت عشرات الأطفال من أصحاب الشفة الأرنبة وآخرين من مختلف الأعمار ذكورا وإناثا ممن أصيبوا بتشوهات نتيجة حروق قد وفدوا على المستشفى ينشدون العلاج الذي يقدم لهم بأجر رمزي. وعلى مدار أيام الأسبوع ومع إشراقه كل صباح حتى الظهيرة ومن بعد العصر حتى العشاء تنتصب في ساحة المستشفى وتحت ظل نخلة سامقة طاولة يتعهدها أحد المحسنين بقوارير القهوة وصحون التمر تنتظر ضيوفها من مرتادي المستشفى وهي عادة جميلة تعيدني إلى الوراء حين كان الأجداد الحضارم يجتمعون على مائدة التمر والقهوة كل صباح. كم تغمرك السعادة وأنت ترى ذلك الطفل وقد تخلص من معاناته صغيرا سيخرج غدا بين الأطفال يلعب معهم دون أن يعيره أحد بتشوهٍ في جسده يؤثر في نفسيته وسعادة أمثال هؤلاء هي الحياة الحقيقة هكذا قال لي أحد كبار السن من أهل المنطقة الذي استمتعت بحديثه في أحد المقاهي القريبة من المستشفى وتابع حديثه قائلاً: بأن هذا المستشفى بشارة خير على أهل هذه المنطقة وكلما رأيته أمامي منتصباً وأرى المرضى وهم يرتادونه من أماكن بعيدة أدعو الله للشيخ بابكر بأن يجازيه الله خير الجزاء. قناعتي أن بذل المال صدقة في إعانة المرضى وتخفيف آلامهم هو من أجلِّ الصدقات وأفضلها في أيامنا هذه إذ المريض العاجز عن العلاج تتضاعف معاناته فهو بين ألمين: ألم المرض وألم الحاجة والفقر في زمنٍ أصبح الطب فيه تجارة واستثمار فهنيئا لمن فرج عن هؤلاء كربهم وأعاد الابتسامة إلى وجوههم وخفف من آلامهم. حملت حقائبي مغادراً المستشفى وقد تركت تلك الأيام في نفسي انطباعاً طيباً وأثراً حسناً وأثناء خروجي من البوابة رأيت إدارة المستشفى وهي تستقبل البعثة الطبية الجديدة في تخصص الأنف والأذن والحنجرة لتستمر رسالة العطاء والخير. فرحم الله الشيخ/ صالح عبدالعزيز بابكر وجعل هذا الصرح الطبي في ميزان حسناته وهنيئا لحضرموت أمثال هذه المشاريع النافعة التي تنتشر في مناطق مختلفة ولا أنسى هاهنا مستشفى خيلة بقشان بوادي دوعن ومركز نبض الحياة لأمراض وجراحة القلب بالمكلا وغيرها من المشاريع الطبية المماثلة الذي لا تسعفني ذاكرتي في تعدادها وإني لأرجو من أهل البر والإحسان بذل المزيد في إعانة المرضى وتخفيف آلامهم ولن يضيع عمل صالح عند الله.