هكذا هي السياسة التي ينتهجها الرئيس نحو شعبه ، يهاجمك في اهم غريزة لديك ، البقاء ! ولكن قبل أن يفعل ذلك عليه في البداية أن يحطم حصون مبادئك ، ويسلبك إنسانيتك . إذا أهنت إنساناً فإنك بذلك تجرح كبرياءه ، ويكون الأمر لديه غير مقبول ، لكنه عندما يتلقى إهانة تلو أخرى يصبح الأمر عنده عادياً ، وبذلك يفقد كبرياءه ، ويصبح ذليلاً . وهذا ما نراه في الدوائر والمؤسسات الحكومية ، يتعرض المواطنون فيها للمذلة ، والمهانة خلال إجراءاتهم الروتينية ، فمطالبتك لحقوقك في جهاز الشرطة أو القضاء مثلاً هي المذلة بعينها ، وأشرف لك أن تبقى بالبيت ، وعندها تكون قد وصلت إلى أعلى درجات المهانة بتخليك عن حقك ، وهذا ما يريده النظام .
الجوع كافر! وهذا معلوم ، وإذا صحت غريزة الجوع لدينا نام العقل ، وهذا ما حصل ، نام العقل أمام الارتفاع المذهل للأسعار ، نام العقل أمام الانهيار الاقتصادي ، نام العقل أمام ارتفاع نسبة من يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من خمسين بالمائة ، نام العقل واستيقظ الجوع فينا ونما واستشاط غضباً ، وصرنا جاهزين لفعل ما لا يقبله عقلنا في حالة اليقظة ، وما نراه من حشود في ميدان السبعين ، ليست سوى أفواه مفتوحة ، تنتظر ما يملئ بطونها من ما يقدمه لها النظام من مطبخ البنك المركزي .
أما بالنسبة للشباب ، كل ما فعله النظام هو كبت لطاقاتهم حتى تصدأ أرواحهم ، حطم آمالهم ، حرمهم حتى من مجرد الأحلام ، الحصيلة تحولهم إلى طفيليات تعيش على هامش المجتمع ، عالة على أسرهم ، وفي النهاية يصبحون أشباحاً ، وهذا ما حدث بالضبط للمسلحين الذين انتشروا فجأة في مدينة عدن ، يقطعون الطرقات ، يرهبون الناس ، يجمعون الإتاوات من بعض المحلات والسيارات ، هؤلاء هم صنيعة النظام لنشر الفوضى ، ولتصويرهم كأنهم شباب الثورة ، وشباب الثورة المعتصمون براء منهم ، أنظر لطالبي التوظيف الذين ما أن نُشَرت أسماؤهم في الجرائد حتى هبوا كرعاة يتقاتلون فيما بينهم لتسجيل أسمائهم ، وما زاد هذا القتال ضراوة ، ظهور إشاعة مجهولة المصدر ، تقول إن من يتخلف عن التسجيل يستبدلوه وكأنه لا يكفيهم أن يجعلوا من هؤلاء الشباب رعاة بل يريدونهم أن يصبحوا كلاباً مسعورة ، بالإضافة إلى تعسف الإجراءات الروتينية وتأخيرها وعدم انتظامها ، زاد من جنون هؤلاء الشباب المتقدمين للتوظيف ، وهذا ما هو عليه الأمر ، لقد حولنا الرئيس إلى كلابٍ مسعورة تنهش بعضها بعضاً لمجرد تلويحه بعظمةٍ لنا ، جردنا من إنسانيتنا ، سلبنا عقولنا ، وقادنا بغزيرة واحدة ، هي البقاء . إن انتصار الثورة ، ليس انتصار للحرية فحسب ، بل هو انتصار لإنسانيتنا المسلوبة !