قبل عدة سنوات أتيحت لي الفرصة لزيارة اليمن لحضور الإحتفالات بعيد الوحدة وأثناء الجولات التي قمت بها مع عدد من الزملاء في بعض مناطق العاصمة صنعاء وإحدى المحافظات القريبة من صنعاء وهي محافظة المحويت ذهلنا من حجم الفقر الموجود في هذا البلد ومن عدد المواطنين المعاقين الذين يجوبون الشوارع ويلاحقون الزوار والسائحين ليشحدوا منهم بعض النقود . أما عن الإحتفال بعيد الوحدة والذي جرى في مدينة الحديدة فقد دهشنا جميعا من روعة هذا الإحتفال ومن الإمكانات التي حشدت له فقد إشترك في الحركات الإستعراضية التي جرت في الميدان الرئيسي للإحتفال عشرات الآلاف من طلاب المدارس ومن أفراد القوات المسلحة وكانت هذه الحركات الإستعراضية مدهشة جدا من شدة إتقانها لدرجة أننا إعتقدنا أن الطلاب المشاركين لم يداوموا في مدارسهم لمدة لا تقل عن ستة أشهر للتدرب على هذه الحركات . الإحتفال الذي حضره الرئيس علي عبد الله صالح وكبار المسؤولين في اليمن وعدد كبير من الضيوف والصحفيين من خارج اليمن كان إحتفالا مذهلا ومكلفا في نفس الوقت وقد إستغرق حوالي خمس ساعات متواصلة . اليمن من أفقر الدول العربية مع أن لديه إمكانات زراعية وتعدينية لا بأس بها كما أنه منتج للبترول ومع ذلك فإن ثرواته منهوبة وتذهب لبعض المسؤولين كما أن خطط التنمية غائبة تماما وإذا كانت هناك بعض الخطط فهي خطط ضعيفة وغير مجدية . هذه الدولة العربية كان يطلق عليها إسم اليمن السعيد لكنها اليوم ومع الأسف بعيدة كل البعد عن هذا الإسم فالزراعة تراجعت كثيرا في السنوات الماضية وتحولت مزارع الفاكهة إلى مزارع للقات هذه المادة المخدرة التي أدمن عليها معظم اليمنيين وهذه المادة مرتفعة الثمن وترهق جيوب المواطنين الذين أصبحوا لا يستغنون عنها أبدا . قبل عدة أشهر قام اليمنيون بإنتفاضتهم ضد الرئيس علي عبد الله صالح وأقربائه الذين يشغلون مراكز متقدمة في الجيش ونتيجة لهذه الإنتفاضة فقد أصيب الإقتصاد اليمني بنكسة كبيرة جدا وانقطعت الكهرباء والماء عن عدد من المدن والأحياء ويعيش اليمن حالة من الفوضى والإشتباكات المسلحة أحيانا بين المعارضين للرئيس صالح والموالين له وبين بعض القبائل كما أن تنظيم القاعدة يقوم بعمليات مسلحة في بعض المناطق ويهاجم رجال الأمن والجيش وبعض مراكز الدولة والرئيس صالح يقيم في المملكة العربية السعودية منذ أن تعرض لمحاولة الإغتيال قبل عدة أشهر من أجل العلاج وهو يعلن بين فترة وأخرى بأنه سيعود لليمن ولن يتنازل عن السلطة حتى تنتهي مدة ولادته عام 2013 . دول مجلس التعاون الخليجي تقدمت بمبادرة لحل الأزمة اليمنية وتنص هذه المبادرة على تنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة ونقل صلاحياته إلى نائبه وتشكيل حكومة تشارك فيها المعارضة من أجل إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية لكن هذه المبادرة رفضت من قبل الرئيس صالح وتحفظت المعارضة على بعض بنودها . الآن تعود هذه المبادرة إلى السطح بعد أن أصبح الطريق مسدودا إلى حل توافقي فالرئيس اليمني يصر على البقاء في السلطة والمعارضة تصر على موقفها بضرورة تنحي الرئيس وقد ترأس نائب الرئيس يوم الثلاثاء الماضي إجتماعا لقيادات الحزب الحاكم لبحث هذه المبادرة وقد تحدثت الأنباء عن تباين في وجهات نظر هذه القيادات حول هذه المبادرة . اليمن يمر الآن بمنعطف خطر ويجب أن يكون للجامعة العربية دور في حل هذه الأزمة هذه المؤسسة التي مع الأسف أصبحت مؤسسة تقليدية غير فاعلة بل إن البعض يعتقد أنها أصبحت عالة على الدول العربية . [email protected] الدستور الاردنية