ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)    مأرب.. مقتل 5 اشخاص بكمين استهدف شاحنة غاز    وسط تصعيد بين إسرائيل وإيران.. اختفاء حاملة طائرات أمريكية خلال توجهها إلى الشرق الأوسط    السفارة الروسية في "إسرائيل" توصي رعاياها بمغادرة البلاد    مدارج الحب    طريق الحرابة المحمية    بيان إدانة بشأن مقتل شاب وإصابة آخر من أبناء شبوة في حادثة تقطع بمحافظة مأرب    انهيار كارثي مخيف الدولار بعدن يقفز الى 2716 ريال    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    واتساب يقترب من إطلاق ميزة ثورية لمسح المستندات مباشرة بالكاميرا    إيران تخترق منظومة الاتصالات في الكيان    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    عاشق الطرد والجزائيات يدير لقاء الأخضر وأمريكا    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    الكشف عن غموض 71 جريمة مجهولة    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    فقدان 60 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    ندوة في الحديدة إحياءً لذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    التربية تعمم باسعار الكتب الدراسية ! (قائمة بالاسعار الجديدة)    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    أخر مستجدات إعادة فتح طريق رابط بين جنوب ووسط اليمن    الوزير الزعوري يناقش مع مؤسسات وهيئات الوزارة مصفوفة الأولويات الحكومية العاجلة    تلوث نفطي في سواحل عدن    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    الإفراج عن 7 صيادين يمنيين كانوا محتجزين في الصومال    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    راموس: اريد انهاء مسيرتي بلقب مونديال الاندية    حريق يلتهم مركزاً تجارياً وسط مدينة إب    وجبات التحليل الفوري!!    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    حصاد الولاء    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدور السعودي.. هل يُقرِّر مصير ما يجري في اليمن؟
نشر في سما يوم 11 - 06 - 2011

في اللحظة نفسها التي رفض فيها التوقيع على اتفاقية المبادرة الخليجية، أصبح الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الجزء الأساسي من المشكلة التي يعاني منها اليمن اليوم، لا بل معظم المشكلة. فبإجهاض المبادرة الخليجية أوصل الرئيس صالح البلاد الى طريق مسدود. وبعد محاولة الاغتيال ورحيله الى السعودية من أجل العلاج، أصبحت البلاد على مفترق طرق، تحددها عودة صالح من عدمها، والعوامل التي ستتحكم في كلا الاحتمالين.
قبل حادثة محاولة الاغتيال (الأسبوع الماضي)، باستثناء دخول آل الأحمر على خط المواجهة المباشرة مع النظام، باسم «الصراع على النفوذ»، كان المشهد في اليمن يبدو وكأنه يراوح مكانه رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على بدء حركة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام والبدء بإصلاحات سياسية واقتصادية. فصحيح أن المحتجين امتازوا حتى اللحظة بالمثابرة وبتقيدهم بإبقاء «السلمية» صفة أساسية لتحركهم، وحشودهم تزداد عددا كل أسبوع، لكن أيضا كان للنظام وللرئيس صالح تحديدا حشوده الضخمة التي لا يمكن التقليل من شأنها ولا من دوافعها، خصوصا أن الرئيس صالح لا يزال يحوز على مبايعة قبائل رئيسية. فمقابل الاحتفالات الصاخبة التي بدت وكأن الرئيس اليمني خرج من دون عودة، كانت هناك احتفالات مماثلة تقريبا لمجرد الإعلان عن خروج صالح من غرفة العناية المركزة، وكأن الرئيس عائد الى البلاد غدا.
سلطة الأبناء والأشقاء
الحكم قد يكون سابقا لأوانه. فإصابة الرئيس صالح واضطراره لترك البلاد في هذا الوقت (ولو كان للعلاج)، قد تجعل تمسكه بالسلطة صعبا، لكنه لا يعني بالضرورة أن حكمه قد انتهى فعليا، ما لم تتوصل الأطراف المختلفة الى اتفاق ينهي الأزمة والصراع ويحدد محور السلطة الجديدة في اليمن. فحتى إذا قرر الرئيس اليمني أن الوقت قد حان للرحيل عن السلطة، فإن أبناءه وأبناء عائلته وعشيرته لا يزالون يحتلون مناصب قيادية وحساسة، خصوصا في الجيش: أحمد (أكبر الأبناء) يقود الحرس الجمهوري، وثلاثة من أشقائه يسيطرون على وحدات الأمن والمخابرات. وهؤلاء بدورهم قد لا تراودهم الرغبة في التخلي عن مناصبهم، وهي مناصب تخولهم للمناورة والمقايضة حتى لو رحل صالح عن السلطة.
لا شك أن خروج الرئيس صالح فتح نافذة في طريق الخروج من الأزمة القائمة. فالسعوديون، وهم حلفاء قدامى للرئيس صالح، يقدمون له الرعاية الطبية والعلاج، ولكنهم أيضا يطالبونه بالتنحي، وربما تزداد قوة ضغوطهم عليه وهو الآن نزيل لديهم.
وبحسب المحلل السياسي في هيئة الإذاعة البريطانية، جيرمي بوي، ربما انتهى السعوديون بالفعل من رسم خطة لإبعاد صالح عن السلطة، وهم يعكفون الآن على محاولة إقناعه بتوقيعها. ومن يقرأ بين سطور التصريحات الأميركية بعد خروج صالح للعلاج يفهم أن واشنطن تريد من الرياض إبقاء صالح عندها لحين حل الأزمة بشكل نهائي.
فبعدما ظل صالح «أقل الخيارات ضررا» بالنسبة لدول المنطقة والغرب، لاعتبارات عديدة، أهمها الاستعداد الذي أبداه الأخير للتعاون في الحرب على الإرهاب، لكون اليمن معقل واحدة من أخطر توابع هذا التنظيم وأكثرها شراسة «القاعدة في الجزيرة العربية»، لكن «عناده» جعل هذه الدول تدرك أن «الحليف» يوشك على إلقاء اليمن في هاوية حرب أهلية، وان وقت رحيله قد حان، حتى وإن كان ذلك الرحيل لا يحمل إجابة عن التساؤل عن مصير اليمن أو مستقبله.
حرب أهلية
حتى اللحظة تبدو المبادرة الخليجية الحل الأمثل لتجنيب البلاد الوقوع في حرب أهلية أو بقاء الوضع مفتوحا على احتمالات التأزيم المتصاعدة. وقال المحلل السعودي عبد العزيز قاسم ل«رويترز» إن السعودية ستقنع صالح بالموافقة على الخروج الذي توسطت فيه دول مجلس التعاون الخليجي مقابل عدم محاكمته، حتى يمكن حل الموقف سلميا ومن دون إراقة دماء، وهو ما يرفضه المحتجون.
لكن الرئيس اليمني تمكن من تحويل التشبث بالسلطة إلى علم ذي أصول. فهو صمد في وجه تظاهرات حاشدة ضمت مئات الآلاف من معارضيه المطالبين بتنحيته، كما رفض التراجع خطوة واحدة في صراع النفوذ الذي أشعله أبناء آل الأحمر، الذين دخلوا مؤخرا على خط المواجهة المباشرة مع نظام صالح، الأمر الذي زاد الوضع خطورة وهشاشة.
عودة صالح الى السلطة يعني إقفال الحل السياسي وعودة اليمن الى نقطة الصفر، وربما الى الحرب الأهلية. فإذا لم يقتنع بإحياء المبادرة الخليجية (وهو الوحيد القادر على ذلك) فلن يستطيع إشراك جماعته في أي حل، لأن الأخيرة وبعدما تصبح في موقع المعارضة ستكون من دون غطاء شرعي، مما يسمح للأطراف الأخرى بمن فيهم أبناء آل الأحمر بمطاردتها ومحاربتها.
المجلس الانتقالي
في الأثناء، تساند المعارضة الرسمية التي يمثلها ائتلاف اللقاء المشترك النقل الكامل للسلطة إلى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي. وفي حال فشل ذلك فإن المعارضة و«شباب الثورة» لديهم خيارات بديلة، أبرزها تشكيل مجلس انتقالي يضم المجلس الانتقالي كل القوى الوطنية لإدارة شؤون البلاد وتشكيل حكومة مؤقتة تمهد لصياغة دستور جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني للحرية والكرامة والعيش الكريم.
وبدوره، يسعى هادي الى تطبيع الوضع الأمني والعسكري في صنعاء، إلا أن العاصمة اليمنية شهدت استمرار المواجهات بين المسلحين الموالين للشيخ صادق الأحمر والقوات الموالية لصالح.
وكان المتحدث باسم اللقاء المشترك (المعارضة البرلمانية) أكد للوكالة الفرنسية للأنباء أن المعارضة ستعمل «بكل قوتها» لمنع عودة صالح الى الحكم. وقد بات الأخير معزولا أكثر من أي وقت مضى بسبب المواجهات غير المسبوقة التي يواجهها منذ نهاية يناير الماضي، ونظامه لم يعد يحظى بأي دعائم عدا أعضاء عائلته، لا سيما نجليه خالد واحمد، وأبناء أخوته. وبعد إصابته وتركه البلاد قسرا ساد التخبط في معسكره، في ظل معركة شرسة بين الموالين، وعلى رأسهم ابنه وأقرباؤه الذين يمسكون بالمنظومة الأمنية والدفاعية، والمعسكر المعارض له الذي يضم مكونات سياسية وقبلية، فضلا عن شباب «الثورة السلمية».
لكن الرئيس صالح يمكنه «إن شاء أن يلعب دور حامي الشرعية، لأنه لم يعد له سوى هذا الدور، وبدلا من انتزاع السلطة وتجاوز الأطر الشرعية، يمكن للرئيس أن يؤمن سلامة الانتقال»، بحسب ما كتب في صحيفة «الحياة» عبد الرحمن راشد، الذي يشغل أيضا منصب المدير العام لقناة «العربية».
عقدة البديل
إن رحيل صالح من الأرجح أن يكون كفيلا بوقف القتل والاقتتال، ولو إلى حين، وسيتيح فسحة من الوقت أمام القبائل المتناحرة كي تتصالح، وربما الاستجابة لمطالب اليمنيين البسطاء في قدر من الإصلاح الحقيقي في بلادهم. لكن العقدة تبقى في البديل. فغياب الحل السياسي الحازم يعني بقاء الصراع على النفوذ على ما هو عليه، وسيكون بين أبناء وعائلة صالح الأقوياء بمناصبهم ومناصريهم القبليين وأموالهم، وبين عائلة آل الأحمر الشديدة التسلح بالسلاح كما بالأموال.
وكان الشيخ عبد الله الأحمر قبل وفاته عام 2007 شريكا فعليا في السلطة مع علي عبد الله صالح، ويعتقد أبناؤه الأربعة أن وقتهم قد جاء لاستكمال ما بدأه والدهم. وإذا ما اقتصر التغيير على مجرد الوجوه الحاكمة في أعلى قمة السلطة، وليس النظام بكامل هيئاته، فإن ذلك لن يكون كافيا لإرضاء البسطاء الذين يشكلون السواد الأعظم من الشعب اليمني، والذين يطالبون بالتغيير والإصلاحات السياسية الحقيقية، وليس مجرد استبدال عائلة بأخرى.
أضف الى ذلك، أن مثل هذا التطور يعني دخول اليمن في غياهب حرب أهلية جديدة فيها أطراف قوية وأخرى ضعيفة. وهذا بدوره سيقوي العناصر المخيفة الأخرى، وأكثرها خطورة وجود تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على الأراضي اليمنية، الذي سيتاح له ممارسة نشاطه وسط انقسام البلاد بسبب الخصومات المعقدة بين شيوخ القبائل وقادة الجيش والساسة. كما يعني المزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحتها اليمن منذ سنوات عديدة.
اليوم، وكما قال غانم نسيبة (مؤسس شركة كورنرستون العالمية للاستشارات وكبير محللي مؤسسة بوليتيكال كابيتال)، ندخل يمن ما بعد صالح وهو ما قد لا تكون جميع الأطراف مستعدة له بالضرورة. لكن هذا عصر جديد وسينطوي على تحديات كبيرة لكل الأطراف المعنية.
منى فرح*
أظهر سير الأحداث في اليمن أن السعودية، قد تكون الطرف الأكثر فاعِلية وتأثيراً على التفاعلات التي تشهدها البلاد منذ انطلاق الثورة الشبابية العارمة مطلع شهر فبراير الماضي.
هذا بدءاً من جرِّها إلى أروقة مجلس التعاون الخليجي عبْر ما عُرف بالمبادرة الخليجية، مُروراً بسيْر إجراءات التوقيع عليها، وانتهاءً بالتَّداعيات التي ترتَّبت على رفض الرئيس اليمني علي عبدالله صالح التوقيع عليها ثم خطوة نقله إلى المملكة، هو وأبرز أركان نظامه للعلاج، وما قد يترتَّب عليها من تطوّرات لاحقة، ستقرر ملامح المرحلة القادمة، خاصة بعد صدور تصريحات لمسؤولين غربيين من البلدان المؤثِّرة على اليمن والمنطقة في آن.

وطِبقاً للخلفيات التاريخية وحضور الدَّور السعودي الفاعِل في الشأن الداخلي اليمني منذ ما يزيد عن أربعة عقود، أصبح الشُّغل الشاغل للشارع اليمني وكذلك لمُختلف الأوساط السياسية، هو حدود تأثير المملكة على مصير الثورة، التي يرى العديد من المراقبين أنها تحوَّلت من ثورة جِذرية تطرح مطالب تغيير شاملة، إلى مجرّد أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة منذ جرّها إلى دهاليز التسويات البعيدة عن ساحات الحرية والتغيير وشبابها.
معطيات مُقلقة
هناك مَن يرى أن السعودية بأوضاعها الحالية (شيخوخة قياداتها وما تطرحه من إشكالات وخِلافات حول القيادة المقبلة للمملكة وتنامي الحِراك الشعبي المطلبي من منطلقات مذهبية أو الإصلاحي المُطالب بإصلاحات سياسية أكثر حداثة، في بلد عُرفت بمحافظتها الشديدة) سيجعلها أكثر انكِفاء على نفسها لإعادة ترتيب بيْتها الداخلي.

على العكس من ذلك، بدت فاعليتها في الملَف اليمني على غيْر ذلك التوقع، ما عزَّز الفَرَضِية التي تذهب إلى أن تزايُد التحديات والمخاطر الداخلية في أي بلد، ليس من شأنه بالضرورة أن يصرفها عن الأمور الخارجية (لاسيما إذا ما كانت تلك التحديات على علاقة بالخارج) أو عن السعي إلى الحدّ من أي مخاطر تأتي من الخارج، وخصوصاً من دول الجوار. وقد لوحظ ذلك في كيفية تعامُل الرياض مع جارتها الشرقية البحرين عقِب انْدِلاع الإحتجاجات الشعبية في ذلك البلد.
اللاعب الأبرز
ويبدو للمراقبين أن التخوف من تنامي قُدرات إيران في المنطقة، هو الذي دفع ولا زال بالمملكة إلى لعِب دور إقليمي مؤثِّر، وهو أمر لم يعُد مرتبِطا بها كمنافس لتصاعُد الدور الإيراني، بل وبخيارات الأطراف الدولية التي تلتقي معها على مواجهة النفوذ الفارسي المُتصاعد، سواء على مستوى قوَّته العسكرية أو بتسلُّله عبْر الجماعات الشيعية في المنطقة، واليمن واحدة من تلك الدول التي تنعكِس أوضاعها على الجارة السعودية.

وقد تأكَّد ذلك بعد أن بلغت قوّة المتمرِّدين الحوثيين الشِّيعة في شمال اليمن، حدّاً مُقلقاً بالنسبة لها منذ عام 2004 وحتى الآن، خاضوا خلالها ستة حروب متقطِّعة مع نظام صالح، إحداها جُرّت إليها السعودية ولم يكن أداؤها بالمستوى المأمول، فيما أصبح الحوثيون قوة لا يُستهان بها في البلاد، وهُم على ارتباط وثيق بإيران، لجهة المذهب الشيعي أو لجهة الأفكار الثورية التي يبشرون بها ضد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وهي مُعطيات مُقلقة بالنسبة للسعودية، خاصة وأن لديها نِسبة كبيرة من السكان الشيعة الاثني عشرية في المنطقة الشرقية، وشيعة إسماعيلية في المنطقة الجنوبية المحاذية لليمن.

كما تتمتع المملكة بعلاقة واسعة مع زعماء قبَليين محليين، يرتبطون مباشرة بالقصر الملكي ويحصلون على رواتب شهرية منه، وغالباً ما يلعبون أدواراً سياسية في البلاد تصُب دوماً في اتجاه تدعيم النفوذ السعودي، وهو دور يعود إلى مطلَع السبعينات، عندما فُرضت تسوية للصراع الملكي الجمهوري، تقررت على أساسها ملامح النظام السياسي اليمني منذ سبعينيات القرن الماضي، جعلتها اللاعب الأبرز في تحديد شكل ومحتوى النظام في صنعاء، على الرغم من وجود قوى مناوِئة لهذا الدور الذي يزيد من أهميته - بنظر مراقبين ومحللين - ارتباط الإقتصاد اليمني ارتباطاً وثيقاً بجارتها الرياض من حيث المهاجرين إليها ولدعمها المالي لصنعاء، ما مكَّنها من لعِب دوْر هام في الترتيبات التي ربما تعُد لهذا البلد. .
"دور مؤثِّر بقوة.. ولكن"
الخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي الجنرال عبدالحكيم القحفة قال في تصريحات خاصة إلى swissinfo.ch: "في الواقع، الدور السعودي في اليمن مؤثِّر بقوة، لكنه مع الأسف، يقوم على تقديرات خاطئة منذ عام 1948. فقد وقفوا مع الإمام، ولو ظل موجوداً لانْقلب عليْهم. وفي ثورة 1962 ضد الملكية، انحازت السعودية إلى جانب الملكيين واتفقت معهم، لكن مع مرور الوقت، تحولت صعدة التي عُرفت بمَعقَل الملكيين، إلى وكر لتجارة السلاح، حتى خرج منها الحوثيون الذين مثَّلوا تحدياً كبيراً للسعودية، ثم عملت على دعْم الاتجاه الوهَّابي السلفي عبْر المعاهد العِلمية ومركز دار الحديث في منطقة "دماج" بصعدة، لمواجهة النفوذ الشيعي الزَّيدي، فخرج لها تنظيم القاعدة وما يُسمى اليوم بالإرهاب".

ويستطرد القحفة قائلاً: "مع الأسف، ما زالت السعودية تتَّبع هذه السياسية التقليدية، وهي إضعاف اليمن كدولة، مقابل تقوية الجماعات القبَلية المحلية، غيْر مستوعِبة للتحولات الإقليمية والدولية، التي من أهَم ملامحها أنها لم تعُد اللاعب الوحيد في المنطقة، بل هناك عِدة لاعبين وهناك واقع جغروسياسي جديد، فيه العراق وإيران، وهناك طوائف وحركات إصلاحية غيْر بعيدة عن التحوّلات التي تعصِف بالمنطقة، ثم الثورات العربية".

ويخلِّص القحفة من كل ذلك، إلى القول أنه "إذا لم يُترَك اليمن وشأنه في استغلال ثرواته وإمكاناته، بعيداً عن الاستراتيجية الإستخباراتية التي تتَّبعها السعودية معه، فإن ذلك سيبقى مبْعثا لاضطراب البلاد والمنطقة من حوله، وهو ما يدعوها إلى وضع مقاربة جديدة لسياستها تُجاه اليمن، خاصة بعد أن تأكَّد مِراراً إخفاقها في تحقيق مُرادها وانقلابها ضدّها".
".. الطريق الأمثل.."
من جهته، يرى علي سيف حسن، المحلل السياسي ورئيس منتدى التنمية السياسية، أن سياسة السعودية لجهة علاقتها باليمن، تشهد عملية مُراجعة شاملة يقودها الملك عبدالله، مضيفاً: "أعتقد أن دورها القيادي في المنطقة، يفرض عليها أن تتجاوز المنظور التقليدي وصياغة سياسة تُجاه اليمن ضِمن منظور مجموعة أصدقاء اليمن، وهذه أول تجربة لاختبار التوفيق بين سياستها والتكيُّف مع سياسة أصدقاء اليمن، التي تنشد على حد تعبيره، بداية جديدة إزاء هذا البلد".

ويوضح سيف ذلك بالإشارة إلى أن السعودية هي الجهة الأكثر تأثيراً على أطراف الصِّراع العائلي (أي ضمن عائلة آل الأحمر) على السلطة في اليمن حيث تلقى طرفا العائلة دعماً مالياً ونفوذاً سياسياً على مدار العقود الماضية، ولا يستطيع أي منهما تحدّي الإرادة السعودية. ونظراً لأن العائلة لم تعد تغطي كافة مكوِّنات المشهد السياسي اليمني، وإنما هناك فاعلين آخرين، فإن تكامُل الدور السعودي مع الخليجي وكل أصدقاء اليمن، يصبح هو الطريق الأمثل للحل السياسي في البلاد، بحيث يجري التركيز السعودي، كما يرى سيف، على الفرع العائلي. وبمشروع متكامل مع الأطراف الأخرى للتسوية السياسية الشاملة. ويُرجح سيف أن تلتجئ السعودية إلى لَمِّ بقية أطراف الصراع العائلي للتسوية فيما بينهم خارج التسوية السياسية الوطنية، بما يؤدي إلى تحييد تأثيرهم على الأوضاع.

ومن الواضح، أن المملكة ستستخدم خِبرتها الطويلة في إيجاد تسوية تخدِم الاستقرار الداخلي وتحفظ مصالحها، لكن ذلك يتوقَّف إلى حدٍّ بعيد على قُدرتها على تحقيق التوازن بين كل الأطراف وإرضاء كل المكوِّنات المُنخرطة في الصِّراع، أو على الأقل المكوِّنات الأكثر ثباتاً في ميزان القوى، وأهمها شباب الثورة والتغيير والإستجابة لأهدافهم المطلبية، التي خرجوا من أجلها. ولعل ذلك هو المِحك لاختبار تحوّل السياسة السعودية تُجاه اليمن، وإذا ما استطاعت أن تبلغه، فإن سياساتها ستكون فِعلاً قد جاوزت منظورها التقليدي إلى مقاربة أكثر واقعية، مُستوعبة للمعطيات التي أفرزتها التحوّلات الداخلية والخارجية المتعلِّقة باليمن.
عبد الكريم سلام*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.