لم يجد الجنوبيون انفسهم مضطرين كشعب في اي وقت سابق من عمر هذه الوحدة لإعلان استقلالهم وقيام دولتهم المستقلة عن الشمال كما وجدوا انفسهم كذلك اليوم ....ولعل الفرصة لم تتهيأ لهم من قبل لتحقيق هذا الهدف بكل ويسر وسهولة كما تهيأت امامهم الان اكثر من اي وقت آخر بفعل الظروف والتداعيات والمستجدات التي خلقتها وقائع الحرب الاخيرة منذ ان اندلعت في المدن الشمالية قبل اكثر من سنتين ونصف بعد تحرير الجنوب لإسترداد شرعية الرئيس هادي في صنعاء ولم تتمكن من استردادها حتى الان ولا يبدوا بانها ستستردها قريبا رغم ان ذلك لم يكن يحتاج منها لإكثر من ربع الفترة التي استغرقتها حتى الان في اسواء الحالات والنتائج والتقديرات ...الامر الذي انعكس بالسلب على حياة الجنوبيون وتسبب في مضاعفة معاناتهم وتفاقهم ظروف معيشتهم وتدهور اوضاعهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والامنية اكثر واكثر وعزز القناعات لديهم في شرعية مطالبهم واهدافهم المتمثلة في الانفصال او الاستقلال واستعادة دولتهم حتى ثبت لهم بان خيار إستعادة الشرعية الذي استبشروا به في بداية الامر كان الخيار الاصعب والاعسر عليهم وعلى اخوانهم الشماليون قبلهم من اعلان الاستقلال وان حلمهم في بناء الدولة الاتحادية قد تبدد مع مرور الوقت واصابهم اليأس والقنوط تجاه حرب لم تحمل حتى الان من بشائر ومقدمات نجاحها مايشير الى بلوغ اهدافها او يوحي بان ذلك قد يحدث مستقبلا لا بالحرب ولا بالسلم حتى وان نجحت الحرب مثلا في استعادة الشرعية فانها في نهاية المطاف لن تلد الا ذات النظام الفاسد المستبد الذي يشترك في تمثيله الحوثي والشرعية معا امام الشعب وامام العالم ان لم تلد اسوأ منه ...ولو افترضنا مجازا بان (الحرب) قد انتجت نظام سياسي ديمقراطي مدني عادل فان ذلك لن يعفي الجنوبيون من دفع فواتيرها وضريبتها الباهضة وتحمل كافة الخسائر والاضرار والنتائج الوخيمة التي ترتبت وستترتب عليها .. ومن هنا يتبين لنا وللعالم باسره بان استقلال الجنوبيون لم يعد مجرد احتمال وارد كما كان في السابق وهم الذين اقصد الجنوبيون ناضلوا من اجله خلال السنوات الماضية وقدموا في سبيله من التضحيات الغالية والدماء الزكية مالم يقدموه وهم يحلمون ويناضلون من اجل الوحدة ,بل فقد تحول الان الى حقيقة شبة قائمة وتكاد ان تكون واقعة لولا بعض الشروط التي اوشكت ان ان تكملها الايام القليلة القادمة .. وبالرغم من أني لست من هواة الانفصال أو من معجبي التشرذم إلا أن الحروب الطاحنة التي تدور رحاها في في الجنوب والشمال منذ ان قامت ثورة الشباب وماقبل ذلك بكثير بالنسبة للجنوبيون والتصرفات العشوائية الصادرة من قادة الشرعية وتمسكهم المستميت بكراسي الفساد كل ذلك يحفزنا للانفصال ويدفعنا للأستماتة من اجل الاستقلال اذ لم يعد هناك مايغرينا للبقاء على عقد مزور للوحدة
ولنتساءل: هل في كل وحدة خير؟ كأننا تمسكنا ب"الوحدة" لحلاوة اسمها وتواتر حلم الناس بها، وكأننا نريدها وإن كانت جحيماً، ونسينا أنه ينبغي أن نسعى إلى ما فيه الخير والصلاح وإن كان في الانفصال وإعلان الاستقلال. لم أقل أن الانفصال أفضل على هكذا الإطلاق؛ فلا ننسى أن وشائج التزاوج والتمازج بين الشمالي والجنوبي عبر تاريخ مشترك تجعل الوحدة وإبقاء اليمن القطر العربي المعروف، ، والذي عاش شعبه في كل جهاته فترات عامرة بالإخاء هي أمنية كل جنوبي او يمني سواء كان من الشمال أو من الجنوب.. وندرك أن الأخوة وكل هذا التواصل التاريخي والحاضر أعمق أثراً من المصالح السياسية وأحرى بأن يوجهها إلى ما فيه خير الجميع.. من هنا، فإن أماني الوحدة ستظل عريضة وراسخة، وهي لن تزول، حتى ولو تم الانفصال، لو تم الاعتراف.. لأن ما سيحدث في المستقبل هو الوحدة وإزالة أسباب التمزق والتشرذم لأن هذا هو قدر الشعوب بالرغم مما يعترضه الآن من مصالح الحكام، والقادة، وما يسمى بالساسة. أكاد أجزم أن ابناء الجنوب يعرفون أن انفصالهم او اعلان استقلالهم اصبح خيار اسهل بكثير من مهمة استعادة الشرعية .. وكم منهم من يعشق الوحدة ويحلم بها ولكن يتبخر هذا الحلم أمام الفوضى العارمة التي بات يعيشها الوطن كله شمالا وجنوبا في الوقت الراهن.. ويصبح الاستقلال حينئذ اللقمة المرة التي يجب ابتلاعها، وتصبح الوحدة في ظل الفساد أمراً غير مقبول. التسكع في شوارع الفوضى لا يمكن أن يكون الاقتراح الوحيد للجنوبيون .. الشعب الذي عرف قيمة الأمن وجرب واحتكم لدولة القانون والعدالة .. ولكن يجب مكافئتنا بما نستحقه وأن يتم اخلاء السبيل أمامنا لإعلان الاستقلال والاعتراف بدولتنا المستقلة ، وإلى حين يتمكنون من حل أزمة استعادة الشرعية وبناء نظام مدني اخر ،فيمكن حينها ان نعيد النظر مجددا في خيار الوحدة ونناقش مصيرنا معاً على الطاولة.. إن دواعي الانفصال تعززت اكثر واكثر لدى الجنوبيون بسبب فشل الشرعية ومعها الشعب في الشمال ايضا ومن خلفهم دول مايسمي بالتحالف العربي لدعم واستعادة الشرعية في هزيمة الحوثي وحلفائه وعدم حسم المعركة حتي الان معه .. ولعل السوء قد توج بالساسة الشماليون بعد ان شنوا حربهم على الجنوبيون لأنهم اعتادوا التهجم عليهم ليس لأنهم يريدون الاستقلال فحسب؛ ولكن لأنهم كانوا دولة مستقلة أيضاً، و لأن جبهة من الجنوبيون ثارت في يوم من الايام على نظام صنعاء البائد وزعيمه المقتول إبان تجاوز الأخير حدود الإنسانية في تعامله معهم.. ونرى أن أي نظام ذات سيادة في الجنوب سيكون على نفس الوتيرة، لأن ساستنا الذين يفترض انهم يحملون مشروع الدولة المدنية الاتحادية فشلوا ولأن السلام لم يكن أصلاً من قناعاتهم.. ونحن حين نتحدث عن الوحدة الآن لا نتحمس لها كما نتحمس للحرب، لأن الوحدة، أيضاً لم تكن من قناعاتنا وإنما أملتها علينا عاديات السياسة!.. هذه هي الحقيقة. ..