تعود كلمة مواطنة في اللغة إلى عهد الحضارة اليونانية القديمة، وكانت تعني المدينة، بإعتبارها بناء حقوقيا ومشاركة في شئون المدينة. وهو ما أدى إلى إشتقاق إسمها أيضا بهذا المعنى في اللغتين الإنجليزية والفرنسية. والمواطنة مفهوم تاريخي شامل ومعقد له أبعاد عديدة ومتنوعة منه ما هو مادي قانوني ومنه ما هو ثقافي سلوكي. وتتأثر نوعية المواطنة بالنضج السياسي والرقي الحضاري. والإقامة لا تكافئ المواطنة، والكويت مثلا، حتى الآن، لا تعطي المواطنة الا لمن من ورد إسمه أو عائلته في قائمة المسح التي دشنها الإنجليز عام 1920م، عندما كانت المدينة مجرد محمية بريطانية. والفرد الذي يتمتع بالمواطنة يستحق ما ترتبه تلك العضوية من إمتيازات والإلتزامات التي تفرضها عليه. وفي معناها السياسي تشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها. ويعد اكتمال نمو الدولة ذاتها بعدا أساسيا من أبعاد المواطنة، ويتحدد نمو الدولة بإمتلاكها سلوك ضامن للحريات العامة بما فيها حرية الإعتقاد وحرية الرأي والتعبير وتؤكد على المساواة أمام القانون والحق في المشاركة السياسية وفي عملية التنمية الاقتصادية والبشرية. وعلى هذا النحو فإن دولة الحزب الإشتراكي الإستبدادية الدموية في الجنوب وكذا دولة صالح الفاسدة في الشمال، ما كانا تتيحان الفرصة الكاملة لنمو الدولة. والشيء الذي بتنا نعرفه الآن على وجه اليقين من قراءة تاريخ اليمن أن عدن في كل مراحل تاريخها مكثت مدينة ميناء مزدهرة ذو إدارة خاصة يتولى أبناؤها وحدهم كافة شئونها، وحتى عندما ضمتها إليها دول مثل الصليحية والرسولية والزريعيون لم يكن يمثل نفيا لأبناء المدينة، وكانوا يبدون نوعا من الإحترام العام تجاههم. كما تمتع أبناء عدن في زمن الإنجليز بالمواطنة الرسمية، وكانت لهم أرضهم ومصلحتهم وتراثهم الثقافي والإجتماعي، ومُنحوا شهادات ميلاد كرعايا بريطانيا، تسمح لهم وحدهم بتلقائية الإلتحاق بالمدارس الحكومية والإبتعاث إلى الخارج والإلتحاق بالوظيفة العامة وشراء الأرض وبناء العقارات والحصول على جواز السفر البريطاني وكامل حقوق الإنتخاب والترشح لعضوية المجلس التشريعي. وهؤلاء وذريتهم هم الذين نقصدهم عند القول بالعدني أو "أبناء عدن ". ومع ذلك، بدأت أعمال الكراهية عند الإنجليز لأبناء عدن عندما عارضت الجمعية العدنية ومعظم أحزاب عدن والمؤتمر العمالي (ثلاثون نقابة) الإتفاقية التي وقعت في لندن في أغسطس 1962 لضم عدن إلى إتحاد الجنوب العربي، وتصدت وخرج أبناء عدن في مظاهرات إحتجاج وإعتصامات وإضراب عن العمل، وإشعال النيران قرب المجلس التشريعي، عند مناقشته الإتفاقية في 24 سبتمبر 1962. ورفضها وغادر المجلس كل أبناء عدن الأعضاء المنتخبين. وازدادت تلك الكراهية أكثر واستشاط الإنجليز غضبا عندما نفذ خليفة عبد الله حسن خليفة من أبناء عدن عملية فدائية جسورة في 10 ديسمبر 1963, بتفجير قنبلة يدوية في مطار عدن، إحتجاجا على إعلان ضم عدن رسميا للاتحاد، أسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني السير كنيدي تريفاسكس بجروح ومصرع نائبه القائد جورج أندرسون كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة إتحاد الجنوب العربي (محميات عدن)، عندما كانوا يهمون بصعود الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري. ويرد هذا الحادث وحده في الوثائق البريطانية كبداية الكفاح المسلح لتحرير مستعمرة عدن. تلاه، أن أعطت بريطانيا أوامرها لجيش الليوي، التابع لها، وكافة عناصره من قبائل المحميات الغربية، بمساندة الجبهة القومية (الحزب الإشتراكي) وقتل وطرد مناضلي جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، من أبناء عدن، في ضواحي الشيخ عثمان وخرجت الجبهة القومية (الحزب الإشتراكي لاحقا) منتصرة من هذا الصراع الدموي الذي دام من 1إلى 6 نوفمبر 1967. وبلغت ضحاياه أكثر من خمسين شهيدا. ويفسر هذا التمييز العنصري القبيح الذي مارسه الحزب الإشتركي بعد الإستقلال ضد أبناء عدن، وممارسته إلى يومنا. والآن باتت هناك ضرورة ملحة أن يتغير وجه السلطة في عدن. وأن يستعيد العدانية مدينتهم وحقوقهم السياسية والمدنية والإنسانية كاملة. وإيجاد صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منحها وضع خاص كمجتمع حضري. "مدينة ذو حالة خاصة"، غير متنازع عليها، في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. يكون لأ بناء عدن السلطة على مدينتهم والقدرة على تدبير شؤونها كلها، دون مشاركة أية أفراد أو جماعة من خارج المدينة.