بدأت خيوط المؤامرة على تعز تظهر للعلن، بعد أن كانت تتم بشكل غير معلن، من خلال صفقات سرية وتدخلات غير شرعية، عن طريق أطراف الصراع المحلية، التي تخوض سباق نفوذ محموم، لصالح أجندة خارجية، لدى بعض دول «التحالف»، الإمارات وقطر تحديداً، لكن المؤامرة، والتي تهدف وبحسب مراقبين، بنسختيها السرية والمعلنة، إلى تحويل تعز إلى «نسخة طبق الأصل عن عدن»، وأن «ما تشهده تعز اليوم من صراع مسلح جنح أخيراً إلى لجان تهدئة واتفاقات بين أدوات النفوذ المحلية، والمتمثلة بحزب الإصلاح والسلفيين، هي محاولة لفرض واقع جديد في تعز، كورقة أخيرة في جعبة الحليفين الأكثر حضوراً في الملف اليمني، من دون وضع أي اعتبارات للجانب الإنساني، في محافظة دفعت فاتورة باهظة منذ بداية الحرب في العام 2015 وحتى اليوم». ويشير الكثير من المراقبين، إلى أن «الإمارات أدركت أن خطوتها لم تكن موفقة في دعم فصيل جماعة أبو العباس السلفية، وتقلص نفوذها، إن لم تكن متساوية، مقابل نفوذ فصائل حزب الإصلاح، فعمدت إلى استنساخ تجربتها المتخذة في عدن، من خلال تأسيس وحدات عسكرية تابعة لها في تعز، لفرض الحزام الأمني، كخطوة أولية لتأمين نفوذها للسيطرة على المدينة، في الوقت الذي ما تزال أطراف داخل الشرعية، تغض الطرف عن كل تصرفات الإمارات، إن لم تكن بضوء أخضر من قلبها». وعلى الرغم من أن الكثير من الوقائع تشير بحسب سياسيين، إلى أن «مراكز القوى داخل الشرعية وأطرافاً داخل التحالف، وبمساعدة جهات سياسية واجتماعية داخل تعز، تعمل بكل دأب على خلق بؤر تمرد داخل المدينة، وتعرقل كل الجهود الرامية لإستعادة مؤسسات الدولة، فإن مالا يعرفه الجميع، أن طبيعة التوازنات الحزبية في تركيبة المجتمع التعزي، وتداخلات الأجندة الخارجية، تختلف عن عدن اختلافاً شاسعاً، أي أن فاتورة تطبيقه في تعز، ستكون باهظة الثمن». آخر مسلسلات الصراع بين الإمارات و«الإصلاح» في تعز، جرت في الأسبوعين الماضيين، والتي قادت إلى اندلاع مواجهات عنيفة، بعد التوجيهات باخلاء المقرات الحكومية، والخاصة من المسلحين. وبحسب مصادر مقربة من اللجنة المكلفة من «التحالف»، ل«العربي»، فإن «الأطراف المسيطرة على المقرات، تجاوبت في تسليم بعض المقرات، لكن ما تزال مواقع هامة تحت سيطرتها»، مشيرة إلى أن «اللجنة، لا تزال تجري لقاءات متعددة مع قيادات عسكرية ومحلية، بهدف استكمال تنفيذ الإتفاق». ومنذ تعيين المحافظ الجديد، أمين محمود، محافظاً لتعز، اتجهت الأمور في المحافظة إلى منحى آخر، خاصة أن الرجل وكما تشير معلومات مؤكدة، فرضته الإمارات على الرئيس هادي، ليمثل ذراعها الشرعي في المدينة، بعد أن عجزت عن فرض مليشيات مسلحة تابعة لها، و تشكيل حزام أمني كما جرى في مدن جنوباليمن. فالبيان الذي ظهر به أمين محمود، معلناً أن كتائب «أبو العباس» تتبع «اللواء 35 مدرع»، يؤكد كما يرى مراقبون، أن الرجل فعلاً بيد الإمارات. مصادر مقربة من حكومة هادي في الرياض، أكدت في حديث إلى «العربي»، أن «محافظ تعز القادم من كندا، لم يكن بحاجة لمثل هذا المنصب، وفي هذا الوضع الخطير والقاتل، إلا لأن الإمارات، دفعت به إلى المنصب، بعد إغراءات كبيرة، ومبالغ مالية خيالية، شريطة أن يسلم لها تعز». وكشف المصدر، أن «المحافظ تم تعيينه نتيجة صفقة مساومة بين الشرعية والإمارات، وتم الضغط على الرئيس عبده ربه منصور هادي لتمريره»، وأضاف: «ولأنه تاجر وخبير سابق في حكومة عفاش، يعرف جيداً من أين تؤكل الكتف، فمليارات الدعم القادمة لتعز، تحت إعادة الإعمار، تستحق المغامرة والمقامرة والعناء». في خضم هذه المستجدات ووجهات النظر المختلفة في تعز، يرى مراقبون أن «نجاح المحافظ الجديد الموالي لأبو ظبي، أمر لا بد منه»، وأن «مهمته بإنقاذ تعز، بدأت من خلال استعادة مؤسسات الدولة، وإعادة ترميمها، وضبط الأمن وتوفير الخدمات الأساسية، خاصة بعد تمكنه من ضبط صرف الرواتب وإنهاء العمل العشوائي في السلطة المحلية، وتصحيح العمل المؤسسي». أما الصراع القائم بين «الإصلاح» و«السلفيين» المدعومين من الإمارات، فيرجح البعض أنه «سيتوقف، ولكن عند ما يتم استكمال دمج أفراد المقاومة بالجيش والشرطة، على أسس وطنية وعلمية، ورفع سيطرتهم على قرارات المؤسسة العسكرية والأمنية، وضبط الأمن في تعز»، في حين يرى آخرون، أن «أصل المشكلة موجودة ومتجذرة، وليس السلاح ولا المؤسسات الحكومية المحتلة هي السبب، وإنما إنعدام الثقة التي تجعل مسببات الإنفجار أضعاف مسببات السلم». الناشط السياسي، محمد أنعم، أوضح في حديث إلى «العربي»، أن «الإصلاح لا يثق بالإمارات، ويعلم أنها تريد اجتثاثه والقضاء عليه بكل عزم وقوة وترتيب، وتستخدم السلفيين والناصريين والمؤتمريين لهذا الأمر، ولذلك يرتبون أنفسهم لمواجهتها، في حين أن السلفيين والناصريين لا يثقون أيضاً في الاصلاح، ويعلمون جيداً أنهم إقصائيون ينتظرون أي فرصة لأخونة الجيش والوظيفة والمؤسسات الحكومية والمساجد وكل شيء يمكنهم أخونته، وتجاربهم معهم في تعز وغير تعز عريقة وقديمة، ولذلك، يرتبون أنفسهم لمواجهتهم». وأضاف أنعم، أن «القاعدة وداعش يعلمان أن أي صلح يعني التوجه لاستئصالهما ومطاردتهما، ولذلك يفتعلان المشاكل والاغتيالات دائماً، لاستمرار التوتر الذي يصب في صالحهما، ولا مستفيد من هذا كله، سوى تلك التنظيمات المتطرفة، ولا خسران سوى أبناء تعز، الذين يدفعون وسيدفعون كلفة هذا الصراع أثمان باهضة». ويتوقع الناشط السياسي، أن «ينفجر الوضع في أي لحظة، وليست لجان التهدئة إلا مسكنات لترتيب الأوراق، فالجميع في معركة لا مفر منها، إما أن يكون أو لا يكون».