عندما رحل الاستعمار عن الوطن ظنَّ المواطن بأن ما أن رحل الاستعمار من الوطن حتى يكون الوطن مهيئاً للدخول في عهد الحرية، والديمقراطية، والرخاء الاقتصادي، والانفتاح الاجتماعي والثقافي. وإن الاستعمار في الماضي، كان سبباً في كتم ومصادرة الحريات، وانتشار الطغيان والاستبداد. وإن الديمقراطية السياسية لم ترَ النور في الوطن، نتيجة لسيطرة الاستعمار وإعدامه للزعماء السياسيين، ورميه للمعارضة السياسية في غياهب السجون. وأن الجوع والتخلف والجهل، كانت من أبرز مظاهر الاستعمار في الحقبة الممتدة في عهد الاستعمار وإن الوطن شهد خلال هذه الفترة تدهوراً حضارياً كبيراً في كافة مناحي الحياة. ولكن كثيراً من المثقفين أصيبوا بفاجعة كبيرة، وخيبة أمل مفزعة في الدولة الوطنية، عندما رأوا الاستعمار يرحل عن الوطن، وتتولّى الدولة الوطنية زمام الأمور، فتتدهور الحياة السياسية في الوطن إلى درجات أحطّ مما كانت عليه أيام الاستعمار، وتُصادَر الحريات بطريقة أبشع مما كانت عليه أيام الاستعمار. وانتشر الفساد السياسي والإداري والاجتماعي في الدولة الوطنية بشكل أكبر مما كان عليه أيام الاستعمار، وجاع الناس أكثر من جوعهم أيام الاستعمار، وبقيت نِسب الأميّة في الوطن كما كانت عليه أيام الاستعمار. وكان الاستعمار في الماضي، قد بنى المدارس والمستشفيات والطرق، وشجع الزراعة، وفتح البنوك، ونظَّم الحياة الاقتصادية والإدارية في الدولة. رغم أن الناس كانوا غير مرتاحين لمثل هذه القوانين والتنظيمات. وكانت معظم هذه الخطوات لصالح الاستعمار وضماناً لأهدافه السياسية والاقتصادية. فقد كان الاستعمار بحاجة إلى قوانين جديدة وإلى تنظيم مجتمع يتناسب مع غاياته العسكرية والسياسية والاقتصادية. وما زالت كثير من النظم الإدارية المعمول بها في الدوله الوطنيه من النظم التي وضعها الاستعمار دون تغيير. وكل ما طرأ عليها كان التطبيق السيء لها بفضل الفساد الإداري، وعدم وجود آليات الحساب والعقاب في الدولة الوطنية. ومن هنا، بدأنا نسمع بين صفوف المثقفين من كان يترحَّم على أيام الاستعمار، وما أقام، وأنشأ، وبنى، وعمَّر. وكانت هذه الأصوات تقول لو أن الاستعمار أنصف في تلك الحقبة بمعنى أنه قسَّم الرغيف الوطني بينه وبين أبناء الوطن، ولم يأكل الرغيف الوطني كله، ويُحرم أبناء الوطن منه ويتركهم في الجوع، وفتح نوافذ الحرية، وجاء لا ليضطهد، ولكن ليُعمِّر، ويستثمر، ويُفيد، ويستفيد لكان حال الوطن و المواطن الآن أفضل مما هو عليه الآن. ولاكن من خلال مقارنة في الدوله الوطنيه عند الاستقلال،بوضعها الحالي وهي امثلة حقيقية ... الى درجة ان وضعها ايام الاستعمار افضل بكثير من وضعها الحالي!