(1) في الجزء الأول من المقال، تعقيباً على مقالٍ للكاتب اليمني محمد جميح، خلصت إلى تساؤل: من ينقذ (الجنوب) والإقليم والعالم من هؤلاء السبئيين الجدد؟!. لكن ثمة تساؤلاً آخر في السياق نفسه: هل كان الجنوب أحوجَ لليمن كي يصل به الحال إلى أن يستباحَ ويؤكل من حيث لا يُحمد؟ وبصيغة أخرى، وبمنطق براغماتي: ما الفائدة التي جناها الجنوب من وحدته مع اليمن؟، وما الذي قدّمه اليمن للجنوب، كي يستبد به حد أن يصبح كل جنوبي حر موصوماً ب(الانفصالية) ومجاوراتها الدلالية في معجمهم السياسي الجائر؟ لندع الثروات النفطية والبحرية والمعدنية والأراضي والوظيفة العامة، والإقصاء والتهميش، والاستباحة جانباً، ونتأمل خرافة يمنية معاصرة شرخوا بها رؤوسنا، تلكم هي عدن العاصمة التجارية والمنطقة الحرة، فلقد استمرؤوا الكذبة عاماً بعد عام، ولم تكن عدن عاصمة تجارية، ولا منطقة حرة، وكل الذي حدث أن اتخذوها متسعاً للنفوذ العقاري، وفضاءً للنزهة في الشتاء، وعبثوا بمدنيتها. (2) لندع العاصمة التجارية والمنطقة الحرة جانباً، فهما لن تقوم لهما قائمة في ظل هذا الوضع الشاذ، حيث تدار عدن من صنعاء بعقلية الجبل المهيمن على البحر، ولنتساءل: ما الأهمية الجيوسياسية لليمن بالنسبة للعالم؟ الحق أن للجنوب أهمية جيوسياسية وليست لليمن، فباب المندب وخليج عدن والبحر العربي المفتوح على المحيط ليست من أعمال اليمن وإنما هي ضمن عناصر القوة والامتياز الجنوبية، وحريٌّ بالجنوب أن يوظف هذه الأهمية في مداخله السياسية والأمنية بدلاً من أن يوظفها اليمن ضداً على استقلال وسيادة الجنوب. أهمية الجنوب وثرواته ومزاياه جميعاً كلها مجيّرة لتعزيز مكانة اليمن وتمكينه إقليمياً ودولياً، وهذه واحدة من المفارقات التي ينبغي للسياسي الجنوبي أن يتأملها، وينبغي في الوقت نفسه أن نسأل الأشقاء السبئيين الجدد بشفافية،عن أهميتهم بالنسبة للعالم إن لم تكن لهم أهمية الجنوب؟ والحال تلك، ألم يكن من المنطقي والأخلاقي أن يرعوا النعمة التي هم فيها، فلا يكون لأي جنوبي شكوى منهم ما دام وجودهم مرتبطاً بهذا الجنوب ومزاياه؟. (3) عَوداً على بدءٍ، وعلى تساؤل محمد جميح: (من ينقذ السبئيين؟)، نقول: ينبغي أن يسهم السبئيون الجدد أولاً في إنقاذ أنفسهم بالتحرر من الظلم الذي يمارسونه على الجنوب، فهذه العنجهية – أدركوا أم لم يدركوا - هي طريقهم إلى المأساة الدرامية. هل يعي السبئيون الجدد أنهم بدون الجنوب – كما وصفهم محمد جميح نفسه - ليسوا أكثر من نمو سكاني مفرط في الزيادة - وهذا من علامات التخلف المدني والحضاري - وأنهم ليسوا أكثر من تجمعات بشرية مخدرة بالقات وتنتظر أن يجفّ حوض صنعاء المائي، وأنهم مجتمع من علاماته البارزة انتشار الأمية، وأنهم مجتمع استشرى فيه الفساد والرشوة والأعراف، وأنهم، لذلك وغيره، وبالٌ على مجتمع الجنوب الذي يصدّرون إليه أسوأ ما لديهم، من الكائنات المسؤولة إلى المحاصيل والمزروعات والقات المبودر! لن يخسر الجنوب كثيراً بدون اليمن، لكن خسارة اليمن بدون الجنوب فادحة ومصيرية. فهل (يضعون أيديهم في عشائهم) ويقلعون عن العجرفة الوطنية، والشخط والنخط (الوحدوي) العاري، ويتفاهمون مع الجنوب بلا مكابرة من أجل أن يضمن جميعاً مستقبلاً أقل بؤساً لأجيالهم وأجيالنا؟. أما الجنوب فشعب حر، وليس في تاريخ الشعوب الحرة ما يفضي بها إلى خنوع أو خضوع، ولسوف يعانق الجنوب مستقبله الحر، لكنه ليس من اللؤم بحيث يترك جاره الأدنى، فهل تخرج لنا أقلام شباب اليمن وشاباته خطاباً موضوعياً بشأن علاقة اليمن والجنوب السلمية (ويا دار ما دخلك شر)، بعيداً عن أدلجة (الوحدة) المستحيلة أوقبْيَلتها، التي ستفضي إلى حيث ألقت رحلها أم قَشعم؟ نختم بتساؤل لعل محمد جميح أو غيره يجيب عنه بجرأة وشفافية ومكاشفة للذات: متى ينتصر السبئيون الجدد على أنفسهم فلا يكونون عبئاً على (الجنوب) والعالم؟