ها نحن يا صديقي منصور هادي ناصر، نلتقي مصادفة في مكتب رئيس جهاز محو الأمية وتعليم الكبار بالجمهورية، صباح الاثنين الموافق 8 أكتوبر، في حفل تكريم فخامة الرئيس علي ناصر محمد، بدرع اليوم العالمي لمحو الأمية.. عرفاناً وتقديراً لدوره الوطني الكبير في إنجاح أهداف حملات محو الأمية وتعليم الكبار وحصول البلد على شهادة المنظمة الدولية (اليونسكو) والقضاء على الامية وأن نسبتها بين مواطني اليمن الديمقراطي تدنت إلى (2%) في سنة 1985م، بعد أن كانت قبلها بستة سنوات تقريباً تبلغ حوالي (89%). ألتقينا وأنت تتسلم (درع التكريم والوفاء) نيابة عن عمك الرئيس علي ناصر محمد، ولا زلت تحفظ ملامحي التي لم تتغير (حسب قولك) وتتذكر نشاطي الثقافي في سرية الملحقين الدورة التدريبية 1982م، ومجند رقم (28648) بمعسكر ردفان (مركز التأهيل والتدريب) خورمكسر - عدن. أسعدني أكثر تواضعك الذي يعكس قيم الأخلاق التي تربيت عليها وإلا كان بالإمكان أن نسلم على بعضنا وكل منا يذهب إلى حال سبيله، دون أيّ ذِكر لمشاهد ذلك الزمن الجميل، الذي ما كان رجاله يتفاخرون أو يتباهون بالاحتساب إلى المنطقة أو بالنسب إلى القبيلة، أو بأن هذا إبن وزير وذاك من قرية المسؤول أو القائد الفلاني.. ولم نرك يوماً تتعالى علينا بأن عمك الرئيس.. ولا من الآخرين إنهم أبناء قيادات أمنية أو مدنية رفيعة، وما كانت تلك النعرات تشدنا كمجتمع إلى مرابع القبيلة والمناطقية، حتى ألقاب القبائل كنا تركناها بعيداً، وكانت أخلاقنا وتعلمنا وثقافتنا المدنية هي التي تصنع فينا الانسان الحقيقي. كنا نستيقظ فجراً .. ونجري معاً بطول (2) كيلومتر ونؤدي التمارين الرياضية (السويدية) وحركات (الكاراتيه) و(الجودو) وبعد الطابور الصباحي العام، نأكل جميعاً دون تمييز خبز (البندرة) في (توكة) واحدة.. صحيح سرية الملحقين كانت من طلاب الثانوية العامة وتحظى بالثناء والتقدير من قيادة مركز التدريب والتأهيل أيام العقيد محمد سعيد الفردي - رحمة الله عليه، ليس لإننا أنتسبنا للمؤسسة الأمنية بالوساطات والمحسوبيات المناطقية أو التقاسمات الجغرافية، ولكن لإن أفراد السرية كانوا مثالٌ للنظافة والهندام والانضباط والالتزام في قاعة التعليم وميدان التدريب والرماية، وكنا أبناء أرض ووطن واحد. أكثر من ثلاثين سنة مضت عصفت فيها الرياح وقطعت التواصل بيننا، وكما تفعل الأعاصير الهوجاء، تقلع الأشجار ذات الجذور الضعيفة، ولا تصمد واقفة إلا الأشجار القوية بجذورها المتشبثة بالتربة الطيبة المتماسكة، ولأن معدنك أصيل وتواضعك نبيل، بقيتُ في خاطر ذكرياتك الجميلة، وقد عُدت لتذكرني بمجموعة من حراسة الرئيس علي ناصر محمد أدام الله عليه بالعافية وراحة البال، ومنهم محمد صالح الصبيحي أحد المسؤولين الأمنيين في القصر المدور والشهيد إلطاف عبدالحميد والشهيد زكي جمن والمفقود جميل سعيد سَيْوِد والمهندس جمال المقرمي والشهيد علي أسعد مثنى مدير مكتب الرئيس وكانت ميزة فترة (علي مرحبا) ان حب المواطنين البسطاء له هو الحارس المنيع بعد الله العليُّ القدير. وأتساءل اليوم ما مصير اللوحات التشكيلية (الزيتية) الكبيرة للفنان التشكيلي العقيلي، كقيمة فنية تاريخية، كانت تزيّن جدران سلم القصر المدور ، وكنت أتأملها كلما سنحت لي الفرصة، محباً لريشة العقيلي.. رحم الله زمن (علي مرحبا).. كان فيه العسكري والأمني محباً للعلم، عاشقاً لقراءة الكتب المختلفة والروايات الأدبية ومتذوقاً للشعر والفنون، شغوفاً بمشاهدة الأفلام في الأسابيع الثقافية للدول الشقيقة والصديقة، شخصية مواطن لربما أوصفها بالانسان المكتمل. والعياذ بالله مما أخشاه.. أن يأتي إعصاراً جديداً يبعدنا عن صداقتنا، ويمزق البلد مرة أخرى!!