تستغل دول التحالف ثقة الجنوبيين بها وتعاملهم الصادق معها فتبيعهم الوهم في الحرية والاستقلال وتمكينهم من استعادة سيادتهم على أرضهم وبناء دولتهم، بينما ممارساتها على الأرض تسير في اتجاه مغاير؛ كما تستغل حماستهم واندفاعهم وشجاعتهم وروحهم القتالية العالية واستعدادهم للتضحية (وربما حاجتهم المادية الصعبة) فتدفع بالآلاف منهم إلى محارق الموت في حروب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا بعير، بينما أهل الأرض قابعون في بيوتهم وجيوشهم الجرارة ترابط في ثكناتها. وتشير الكثير من الأحداث والدلائل إلى مؤامرة تستهدف الجنوب والجنوبيين وقضيتهم المصيرية الكبرى، ويشترك فيها الكل: التحالف والشرعية و"الحوثيون". فدول التحاف تريد الخروج من هذه "الورطة" بأي طريقة وبأي ثمن، كما أنها تتعرض لضغوط دولية متزايدة لإنهاء الحرب في أقرب وقت؛ ومفاتيح إنهاء الحرب من عدمه في قبضتَي طرفي الصراع الرئيسيين، الشرعية والحوثيين، أما الطرف الجنوبي فليست لديه مشكلة بهذا الصدد لأن أرضه قد غدت محررة منذ أواخر 2015، وهو بانتظار مرحلة ما بعد التحرير. ومن المؤكد أن هناك تفاهمات بين الشرعية والحوثيين حول ترتيبات ما بعد الحرب، وخاصة فيما يتصل بالجنوب ومنع انفصاله بأي ثمن. ويؤكد ذلك تطابق موقف الطرفين الرافض لوجود ممثلين للجنوب في مفاوضات جنيف التي لم تنعقد، وتهديد كل منهما بعدم حضور مفاوضات يشارك فيها ممثلون للجنوب. إن الأطراف الشمالية كلها، سواء التي في صنعاء أو التي في الرياض أو في غيرهما من العواصم والمدن، تتمسك بقوة بالجنوب ولن تفرط فيه، فهو بالنسبة لهم أرض وثروات هائلة وامتيازات ومصالح؛ فمساحته تقترب من ضعف مساحة الشمال، وسكانه أقل من ربع سكانه. ولهذا شنوا حربهم الأولى على الجنوب عام 1994، ويشنون حربهم الحالية عندما وجدوا أن الجنوب قد خرج عن السيطرة أو يكاد بفعل الحراك الجنوبي. وهم على استعداد أيضاً لشن حرب ثالثة على الجنوب الذي خرج تماماً عن سيطرتهم. ولهذا فإن شرطهم الأول والأهم لإنهاء الحرب هو أن تحافظ دول التحالف على وحدة اليمن وعدم تمكين الجنوبيين من المضي في طريق فك الارتباط والاستقلال؛ كما أن لديهم ما يكفي من الوسائل للضغط علي التحالف للقبول بشروطهم. وقد قبلت دول التحالف بهذا الشرط لأنها لم تكن أصلاً مع استقلال الجنوب إلاَّ إذا فرض عليها ذلك بضغط ما، خارجي أو داخلي (جنوبي). وفي مقابل ذلك من المرجح أن تكون بعض دول التحالف قد حصلت على وعود وتعهدات من الاطراف الشمالية المؤثرة في الشرعية بمنحها بعض الامتيازات والمكاسب، فما مصلي إلاّ وطالب مغفرة، كما يقول المثل، على الأقل لتعويض بعض خسائرهم وتضحياتهم الكبيرة. والشماليون لم يعدوا بشيء من أرضهم ولن يفرط في شبر منها بحجة أن هناك "دولة" في صنعاء مسؤولة عن الأراضي التابعة لها بما في ذلك تلك الأراضي الواقعة تحت سيطرة التحالف؛ لذلك تتجه الأنظار نحو الجنوب الذي لا دولة له ولا قوة تحمي أراضيه. قد يسأل سائل، لماذا لا تتجه دول التحالف للجنوبيين، كالمجلس الانتقالي مثلاً، لأخذ مثل تلك الوعود والتعهدات في مقابل تمكينهم من استقلالهم واستعادة دولتهم، فهم أصحاب الأرض، كما أنهم بين أيديهم وتحت سيطرتهم؟