مذكرات من التحرير مازال ذلك الصوت يرن في مسمعي عندما انتشر في قريتنا خبر فتح باب العسكرة والتجنيد في هضبة حضرموت قبله فاتني تسجيل رماه ، لم يحالفني الحظ رغم إني قطعت مسافة طويلة ... كان اكبر عائق إن التحق بتسجيل رماه اشتراطهم في القبول شهائد وشاء القدر إن اترك مقعدي مبكرا في الدراسة ، وقتها كانت الدراسة والشهائد لاقيمة لها ...ما اكثر الجامعيين العاطلين عن العمل ... ! بل ما اكثر الجامعيين الاميين في وطني إذا جاز لنا التعبير ...!!!!
ليس المرة الوحيدة التي اتعسكر فيها سبق والتحقت بقوات حلف قبائل حضرموت إبان هبت قبائل حضرموت المباركة ولكن البدايات دائم تفتقر للتنظيم تفتقر للإمكانيات تفتقر لكل شيئا ولكن الإرادة تقهر كل الصعوبات .
هذه المرة اخذت العسكرة طابع تنظيميا ورواتب مجزية و تحت إشراف التحالف العربي وكانت تباشير النظام الذي انطلق من الخالدية يغري كل شباب حضرموت إن يلتحقوا بالعسكرة ....
ربآه متى يسكت هذا اللحن الجنائزي الحزين في قلبي إنه يقض مضجعي ليل نهار .....!!! متى يخرس هذا الصوت في جوارحي وإلى الابد ....
تترأى أمام عيني طوابير كبيرة من الشباب وافواج من الرجال يحثون الخطأ صوب بوابة الشركات ....
الرمال لاتسلو منطقة حرو أخر محطة تؤدي إلى بوابة الشركات (نفط المسيلة ) والذي أنيط به ان يكون معسكر من معسكرات الهضبة -بما يمثله من رمزية لثروات حضرموت _ ومنه إنطلقت قوات نخبة حضرموت نحو التحرير ... إن الحياة متوقفة في هذه البقعة لاتوجد مطاعم فقط بقالة واحده وبالكاد تفتح وقت ساعه في الصباح وساعة في العصر ......كم مرت من أيام وليال كان برد الشتاء فيها يخز إجسامنا مثل الإبر وكانت المصاريف التي اخذناها معنا قد نفذة بين أجرة الباص واول يومين وصلنا فيها حرو ...... أستيقظنا في احد الأيام على موت زميل لنا كان البرد القارس والجوع قد نأل منه ....وجبت الطعام التي تاتي من الخرب لاتكاد تكفي وتعم الفوضى المكان وتحصل في أحيانا كثيرة مشادات وغالبا مايخسر الجميع هذه الوجبة بسبب مضرابة تحصل مع كل وجبة ... مثل ماقلت إنها البدايات تفتقر للتنظيم بل نحن كنا حينها من يفتقر للنظام اكثر .....أليس بأسم النظام خربت حضرموت ودمرت ونهبت ثرواتها وجاع ابنائها
تنسل الذكريات الى خيالي مثلما ينسل الندى إلى الاغصان في خفة و خلسة ولكنها تحدث الكآبة والوحشة في قلبي المكلوم وتهيج الذكريات المؤلمة والحنين في خلجاتي إلى رفاق طبعوا صورهم في حياتي ورحلوا دفاعا عن مستقبلنا فاعطيتهم الكثير من حياتي في تلك الليلة اليلا وهم يستحقون أكثر وهي عربون محبة و وفاء مني لعشرة واخوة صادقة ...لقد مات جزء كبير من عقلي وحواسي إنها الحالة التي يهون فيها الموت .
رباه إنه خيالهم وهمساتهم واطيافهم عاد يجتاحني من جديد وبقوة كالجمر الذي كان يغطيه نارا ملتهبه ثم تهب عليها ريح فتشتعل ..... لقد صعقني حادث رحيل زميلي اكرم واحدث في نفسي زلزال وقضى على ماتبقى من نفس ترتاد المعسكر مثلما كن آخر من تبقى من العقد الثمين لرفاق السلاح والكفاح والذين فقدوا في الرابع والعشرين من إبريل.. تلك الطليعة من فتيان وشباب حضرموت بوجوههم الباسمة وسحناتهم السمر وقلوبهم البيضاء واحاديثهم النقية واحلامهم الكبير ...لقد كان اكرم آخر من نجأ ليلة احتراق حاملة الجند فواصلنا معا رحلة تثبيت الأمن بعد التحرير . . ... يإلهي إنها المشاهد التي اتلفت جزء كبير من حياتي لاتفتأ تراودني ليلة الثالث والعشرين من إبريل عام 2016 م كانت الظلمة شديدة وحالكة والمسافة طويلة التي قطعناها من الهضبة وحتى الساحل وكانت السرية بعدتها وعتادها تمتطي متن حاملة الجند وفجأة لعلع الرصاص وارتفعت الاصوات وساد الهرج والمرج لحظة وعمر الجميع اسلحتهم وسمع اصطدام اعقاب البنادق وندة أصوات مستنكرة .... وانهمر الرصاص نحونا بغزارة وكثافة .... وتوقفت العربة وتطايرت الدماء وسألت على جسمي وسمعت أنأت ومرت برهه لم اعد اسمع غير أصوات المتفجرات وارتطم بي جسد زميلي وتساقطت الأجسام فوقي ....ومرق الرصاص تحت أنفي وفوق رأسي ولم اعد ارى شيئا سوى أمي ودعواتها لي ولحظات وداع زوجتي وأبني الرضيع وتمنيات الجميع لي بالخير ...تلك القلوب التي اتمنى في هذه اللحظة إن استضل دفئها وحنانها ... تلك الليالي التي طالما ثملنا فيها من السعادة حتى طلع فجرها ضاحكا بالسرور وتلك الأماني التي حكينا عن عنها في وطنا سرق منا فُسرقت الابتسامة والسعادة.